ويرى مراقبون أن التصريحات والبيانات الحكومية لن تتخطى الجانب النظري وتهدئة الجبهات الداخلية، لأن "العلاقة بين الفضائل المسلحة والحكومة وأمريكا وإيران متشابكة"، ولا يمكن أن تتخذ واشنطن قرار الانسحاب وتضحي بمصالحها وقواعدها ونفوذها في الشرق الأوسط والخليج، وإذا ما تحول الكلام النظري إلى فعل، فإن هذا يعد بمثابة الضربة القاصمة التي تتعرض لها في الشرق الأوسط.
هل تسحب أمريكا قواتها فعليا من العراق بضغوط من الفصائل والحكومة؟
بداية، يقول عادل الأشرم، المحلل السياسي العراقي: "عند الحديث عن التصريحات الحكومية حول خروج التحالف والقوات الأمريكية من العراق، يجب أن نفرق بين الجانب النظري والعملي".
وأضاف، في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن "الجانب النظري يتعلق بالتصريحات والتضاربات التي تخضع لميول خاصة تتعلق بالمصالح، عكس ما هو موجود من اتفاق خلف الكواليس ما بين الأطراف التي تدعي أنها على خلاف مع بعضها البعض".
وتابع الأشرم: "أما ما يتعلق بالجانب العملي، فكلنا يعرف كيف رحل النظام السابق وكيف جاء النظام الجديد المدعوم أمريكيا، إذ يعتبرونه اليوم نظاما سياسيا شرعيا ويتم دمجه ضمن المجتمع الدولي من خلال التأثير الأمريكي"، مضيفا: "من المفارقات غير الواقعية أن يطالب النظام العراقي رحيل التحالف والقوات الأمريكية التي أوجدته".
وأشار الأشرم إلى أنه "إذا عدنا إلى المليشيات المسلحة والتي تمثل الجانب الأقوى على الأرض والسلطة العليا، وهذه المليشيات ما كان لها أن تتواجد أو تكون لولا الدعم والتغطية الأمريكية المباشرة بحجة الحرب على تنظيم "داعش" الإرهابي "المحظور في روسيا"، مضيفا: "المليشيات تدرك أن الدور الأمريكي هو السبب الرئيسي لوجودها وتمكينها".
أوراق اللعب
وأوضح المحلل السياسي العراقي أن "المليشيات تقع أيضا ضمن تأثير وتوجيه مركزي من قبل طهران، التي لديها توافقات خلف الكواليس مع الإدارة الأمريكية تتعلق بقواعد الاشتباك وعدم التصادم بصورة مباشرة وأوراق كثيرة أخرى، فلا أمريكا تريد التصعيد المباشر باتجاه إيران ولا الإيرانيون يريدون ذلك، لذا فإن المليشيات هي أوراق بيد كل الأطراف التي تستخدمها".
وأكد الأشرم أنه "لا توجد أي بوادر على أن أمريكا ستترك المنطقة ومصالحها التي أوجدتها في العراق وسوريا، وبالتالي، فإن ما يتم إطلاقه من تصريحات هو من الناحية النظرية فقط ولن يرقى إلى مستوى الفعل على المسار العملي"، مشيرا إلى أن "الأوراق الكثيرة التي بين يدي أمريكا باستطاعتها أن تقلب الأمور بشكل كبير جدا على الحكومة وعلى الميليشيات، إذا ما كان هناك تصميم حقيقي على رحيل أمريكا".
استراتيجية خاصة
من جانبه، يقول عبد الملك الحسيني، المحلل السياسي العراقي، إن "الحديث عن انسحاب أمريكي من العراق بسبب قصف قواعده العسكرية واستهداف مصالحه أو التفكير به على الأقل بسبب تعرضها لهجمات المقاومة داخل العراق، لن يكون منطقيا وفق استراتيجيتها الحالية والمستقبلية، نظرا لأن العراق يمثل جزءا مهما وحيويا من منظومة الشرق الأوسط ومرتكزا من مرتكزات المصالح الحيوية لواشنطن والتي تشمل ضمان تدفق النفط دون مشاكل قد تؤثر على الاقتصاد الأمريكي".
وأضاف، في حديثه لـ"سبوتنيك": "الولايات المتحدة لديها استراتيجية خاصة بالشرق الأوسط من أجل مواجهة التحديات التي تمثل في الواقع صراعا محتدما من أجل النفوذ مع القوى العظمى مثل الصين وروسيا".
وتابع الحسيني: "كما أن ضمان أمن إسرائيل الحليف الأبرز لواشنطن، وإدارة ملف الصراعات المتعلقة بالجماعات المسلحة، وخصوصًا تلك التي دخلت في صدام مباشر مع الولايات المتحدة، تعد أيضا من مرتكزات المصالح الأمريكية في المنطقة".
ضربة قاصمة
وأشار المحلل السياسي العراقي إلى أن "الشيء الأهم بالنسبة لواشنطن في المنطقة أيضا، هو مواجهة النفوذ الصيني والروسي خاصة أن لديهما قبول وتمدد من قبل عدد من دول الشرق الأوسط، كالتوافق والتنسيق الروسي الإيراني التركي في إدارة الملف السوري، والجهود الصينية التي نجحت في إحداث تقارب بين إيران والسعودية".
ولفت الحسيني إلى "أننا نستطيع القول أن انسحاب الولايات المتحدة من العراق سيوجه ضربة قاصمة للظهر لنفوذها في الشرق الأوسط، لأن ذلك سيعتبر تهديدا مباشرا لمصالحها في دول الخليج وسوريا والمشرق العربي، وسيعزز نفوذ إيران في كل من العراق وسوريا ولبنان، وهذا بحد ذاته يمثل تقويضا للاستراتيجية الأمريكية وتهديدا لأمن إسرائيل ودول الخليج".
وكان المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي، هشام الركابي، قد أكد بداية هذا الأسبوع على حرص الحكومة العراقية على تسريع وتيرة الحوار مع التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ضد تنظيم "داعش" (الإرهابي المحظور في روسيا ودول عديدة)، من أجل إخراج قوات التحالف من البلاد.
وقال الركابي، في تصريح سابق لوكالة "سبوتنيك": "لدينا فرق فنية تجري حوارات مع دول التحالف الدولي".
وأضاف: "كذلك القائد العام للقوات المسلحة لديه متابعة مستمرة لتشكيلات القوات المسلحة من أجل تهيئة الظروف لمرحلة ما بعد خروج قوات التحالف الدولي".
ووفقا للمستشار الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي، فإن قوات التحالف لا تقدم أي مهام على الأرض.
وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، قد أكد الجمعة الماضي، موقف حكومته "الثابت" في إنهاء وجود التحالف الدولي بعد أن انتهت مبررات وجوده في العراق.
وقال السوداني إن "الحكومة بصدد تحديد موعد بدء عمل اللجنة الثنائية لوضع ترتيبات إنهاء وجود قوات التحالف الدولي في العراق بصورة نهائية".
وشدد على أنه "لن يكون هناك تفريط بكل ما من شأنه استكمال السيادة الوطنية على أرض العراق وسمائه".
وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، أمس الاثنين 8 يناير/ كانون الثاني الجاري، أنها لا تخطط حاليا لسحب قواتها البالغ عددها نحو 2500 جندي من العراق.
يأتي هذا على الرغم من إعلان بغداد، الأسبوع الماضي، أنها بدأت عملية تهدف إلى إنهاء مهمة التحالف العسكري الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة في البلاد، بحسب مواقع عراقية.