وقال مراقبون إن التحرك الأردني يأتي استكمالا للجهود السياسية والدبلوماسية التي يبذلها منذ بداية العدوان الإسرائيلي، من أجل وقف المجازر وإدخال المساعدات الإنسانية للقطاع، ومنع تهجير الفلسطينيين.
وطرح البعض تساؤلات بشأن دلالات الخطوة الأردنية، وما الذي يمكن أن تضيفه في سير الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا ضد ارتكاب إسرائيل الإبادة الجماعية في غزة.
مساندة أردنية
قال حمادة أبو نجمة، الخبير القانوني الأردني الدولي، إن الموقف السياسي الأردني كان واضحا من بداية أحداث غزة، بمطالبته وقف العدوان ورفض أهداف إسرائيل، خاصة ما يتعلق بالمخاوف من نية تفريغ قطاع غزة من سكانه وتهجيرهم، في محاولة لاستغلال أحداث السابع من أكتوبر لتحقيق سياسات التوسع التي تخطط لها منذ زمن، وهو ما يحظى بالاهتمام الأكبر لدى الدولة الأردنية.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، رفض الأردن محاولات تهجير الفلسطينيين، وطالب بمنع عمليات التهجير القسري، ورفض سياسة العقاب الجماعي ضدهم، واعتبر أن ما يقوم به الاحتلال بمنع الغذاء والماء والدواء عن أهل غزة يشكل جرائم حرب، ووصف ما يتم من ممارسات تستهدف المدنيين بأنها جرائم وحشية ضد الفلسطينيين.
وتابع: "الأمر الذي نجم عنه أن يعلن الأردن خلال الأزمة عن وقف توقيع اتفاقية الطاقة مقابل المياه؛ التي كان من المفترض توقيعها في أكتوبر الماضي، وأن يعتبر معاهدة "وادي عربة" بين الدولتين مجرد ورق سيعلوه الغبار، وأن إسرائيل ترتكب جرائم حرب، وأن أي محاولة لتهجير الفلسطينيين ستكون بمثابة إعلان حرب على الأردن".
وأوضح أن كل هذه المواقف شكلت قاعدة صلبة للموقف الأردني الداعم للدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، وهي دعوى تنسجم في مضمونها وحيثياتها مع التوجهات الأردنية الصريحة والحاسمة في هذا الشأن ناهيك عن الأردن هو الأقرب إلى معاناة الشعب الفلسطيني والأكثر تأثرا بتعقيدات النزاع في المنطقة، كما تنسجم أيضا مع مساعيه لردع الاحتلال ووقف جرائمه، في حالة تتحدى فيه دولة عضو في الأمم المتحدة القانون الدولي وإرادة المجتمع الدولي وتتصرف وكأنها فوق القانون الدولي.
ويرى أنه من المتوقع أن يشارك الأردن بتقديم المطالعات القانونية والمرافعات اللازمة حالما تصدر المحكمة قرارها بدعوى الإبادة الجماعية، وليس قبل ذلك، حيث يتوقع أن تنتظر الدول الداعمة إتمام المرحلة الأولى الخاص بطلب جنوب أفريقيا، حيث أن التقدم بسلسلة من "المرافعات" في هذه المرحلة قد يؤدي إلى تأجيل القرار في الدعوى الأصلية، ومن الأفضل التريث وعدم التقدم بمرافعات داعمة الآن وانتظار المرحلة التالية لأي قرار تتخذه المحكمة الدولية.
موقف ثابت
من جانبها، اعتبرت الدكتورة صباح الشعار، عضو مجلس النواب الأردني السابق، أن مساندة الأردن للدعوة القضائية التي تقدمت بها جنوب أفريقيا للمحكمة الجنائية ضد إسرائيل تأتي في سياق موقف الأردن الثابت تجاه فلسطين، والسعي للحد من الإبادة الجماعية التي ترتكبها ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
وبحسب حديثها لـ "سبوتنيك"، "جاءت زيارة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى رواندا وكلمته على جدار صرح كيغالي التذكاري للإبادة كرسالة للعالم أن إسرائيل تمارس الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني والتي جاءت قبل أيام من الجلسة الأولى التي تقدمت بها جنوب أفريقيا في لاهاي".
وأوضحت أن هذا يؤكد بأن الأردن بدأ يتحول بضرورة أن تأخذ المنظمات والمؤسسات الأممية موقفها الصارم تجاه الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.
يذكر أنه مع استمرار الانتهاكات الإسرائيلية بحق المدنيين في قطاع غزة، ومع فشل كافة المحاولات الدبلوماسية لوقفها، لجأت جنوب أفريقيا إلى رفع دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي.
وتقول الدعوى إن "تصرفات إسرائيل كانت بمثابة إبادة جماعية بطبيعتها، وبالتالي انتهكت الدولة التزاماتها بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية".
وقررت إسرائيل المثول أمام محكمة العدل الدولية للتصدي لدعوى جنوب أفريقيا القضائية، والتي وصفتها بأنها لا تستند إلى أي أساس قانوني، متهمة بريتوريا بالتعاون مع ما سمتها "جماعة إرهابية تدعو لتدمير إسرائيل".
يشار إلى أن إسرائيل من الدول الموقعة على اتفاقية مناهضة الإبادة الجماعية، والتي تستمد بموجبها محكمة العدل سلطتها في النظر في الشكوى المقدمة ضدها من جنوب أفريقيا، وبموجب حكم المحكمة، يجوز لأي دولة وقّعت على المعاهدة أن تشتكي دولة أخرى إلى المحكمة حتى لو لم تتضرر منها هي نفسها.
وفي طلبها إلى المحكمة، قالت جنوب أفريقيا إن "إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة، وأنها لا تعمل على معاقبة أولئك الذين يحرضون على الإبادة الجماعية".
وطلبت جنوب أفريقيا من المحكمة مناقشة الموضوع، في الأيام المقبلة، وإصدار أمر مؤقت ضد إسرائيل يدعو إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وبحسب الطلب، فإن هذه الخطوة ضرورية لحماية الفلسطينيين من "أضرار إضافية لا يمكن إصلاحها".
كما طلبت من المحكمة أن تأمر إسرائيل بالسماح للفلسطينيين الذين هُجّروا من منازلهم في قطاع غزة بالعودة إليها، والتوقف عن حرمانهم من الغذاء والماء والمساعدات الإنسانية، والتأكد من أن الإسرائيليين لا يحرضون على الإبادة الجماعية ومعاقبة من يفعلون ذلك، والسماح بإجراء تحقيق مستقل في عمليات إسرائيل العسكرية.