في المقام الأول وفق الخبراء، فإن حجم الخسائر الكبير يعود على قناة السويس، في ظل ظروف اقتصادية صعبة تعيشها مصر، وحاجتها للعملة الأجنبية، في حين أن قناة السويس تعد المورد السيادي الأول للإيرادات من العملة الأجنبية.
استمرار الصراع والتوترات في المنطقة يمكن أن يؤدي للمزيد من التراجع في حركة عبور السفن، ما ينعكس عليه انخفاض الإيرادات بالنسبة للقناة، لكنه من جهة أخرى يؤثر على مستوى التضخم العالمي ويزيد الأعباء الاقتصادية على الاقتصاديات الناشئة.
وقبل يومين قال رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، إن إيرادات القناة انخفضت 40 بالمئة منذ بداية العام مقارنة بعام 2023، بعد أن أدت هجمات "انصار الله" في اليمن على سفن إلى تحويل مسار إبحارها بعيدا عن هذا الممر.
من ناحيته قال الدكتور أيمن عمر الباحث الاقتصادي اللبناني، إن قضية الهجمات على السفن في مضيق باب المندب والبحر الأحمر تتفاعل عالميًا، وأنها ذات تأثير عالمي وليس إقليمي فحسب.
مضيفا أن تداعياتها خطيرة على مستوى التجارة الدولية والاقتصاد العالمي الذي لم يتعافَ حتى الآن من آثار جائحة كورونا السلبية عليه.
ويرى أن مصر من أكثر الدول تضررا بسبب تعطّل الملاحة في البحر الأحمر، حيث يمر بها حوالي 15% من حركة الشحن العالمية، بما في ذلك حوالي 30% من تجارة الحاويات العالمية.
أرقام دقيقة
وفق حديث عمر مع "سبوتنيك"، عبرت قناة السويس 25887 سفينة في السنة المالية 2023 والتي تنتهي في 30 يونيو حزيران.
وبلغت إيرادات هيئة قناة السويس المصرية مستوى قياسيًا عند 9.4 مليار دولار في السنة المالية 2023 ارتفاعا من سبعة مليارات دولار عن العام المالي السابق.
واعتبارًا من يناير 2023، وصلت الإيرادات الشهرية لقناة السويس في مصر إلى 23 مليار جنيه مصري (ما يقرب من 743 مليون دولار أمريكي).
وقد تراجعت حركة السفن بنسبة 30% في قناة السويس المصرية منذ بداية عام 2024 مقارنة بعام 2023، بسبب التوترات الأخيرة في البحر الأحمر.
وانخفض عدد السفن المارة في قناة السويس إلى 544 حتى 12 يناير في 2024، مقارنة بـ 777 في نفس الفترة من 2023.
انخفاض الإيرادات
كما انخفضت الإيرادات الدولارية من قناة السويس بنسبة 40 في المائة، وتقلّصت الأحمال بنسبة 41%، في الفترة من 1 إلى 11 يناير، مقارنة بعام 2023.
ويرى عمر أنه حال استمرت هذه التوترات في البحر الأحمر فإن خسارة مصر من إيراداتها ستبلغ حوالي 3.760 مليار دولار على أساس سنوي.
الأثر على الصعيد الدولي
-على الصعيد الدولي، إن تعرقل عمليات الشحن البحري لفترة طويلة عبر البحر الأحمر سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار ويؤثر على النمو الاقتصادي، خاصة في أوروبا التي تعاني من مزيج خطير من التضخم المرتفع والانكماش الاقتصادي.
تحويل المسار
يلفت عمر إلى أن هذا التأثير من شأن توجيه السفن حول رأس الرجاء الصالح، حيث قامت أكبر شركات الشحن في العالم مثل MSC، وMaersk، وCMA CGM، وHapag-Lloyd بتحويل العديد من رحلات البحر الأحمر المخطط لها إلى جنوب إفريقيا بسبب التهديدات الأمنية، وقد تحوّلت 80% من السفن من استخدام قناة السويس إلى طريق رأس الرجاء الصالح، هذا الأمر يؤدي إلى التأخّر في وصول الشحنات وإلى ارتفاع التكاليف التي زادت بأكثر من 300%، وارتفاع تكاليف التأمين على النقل البحري.
ويرى أن سلاسل التوريد التي يمكن أن تتعطل تشمل تلك الخاصة بتصنيع أجهزة الكمبيوتر والسيارات وحتى صناعة الصلصات التي تحتاج إلى مكون رئيسي واحد مصدره آسيا. وانخفضت حركة سفن الحاويات عبر البحر الأحمر في الأسبوع الأول من شهر يناير بنسبة 90% عن العام السابق.
كما دفعت الظروف السائدة في البحر الأحمر وقناة السويس سفن الحاويات إلى تطبيق رسوم إضافية طارئة في موسم الذروة، بالإضافة إلى الزيادات العامة في الأسعار المطبقة بالفعل. ارتفعت أسعار الشحن بنسبة 80% في نهاية ديسمبر 2023.
أسعار الشحن
زادت أسعار الشحن البحري بين الشرق الأقصى وشمال أوروبا بنسبة 124% منذ تصاعد الأزمة في منتصف ديسمبر 2023. وزادت الأسعار بين الشرق الأقصى والساحل الشرقي للولايات المتحدة بنسبة 45%، كما ارتفعت الأسعار إلى البحر الأبيض المتوسط. بنسبة 118%.
وفق مؤشر مؤشر شنغهاي للشحن بالحاويات (SCFI) الذي يقيس متوسط تكلفة حاوية بطول 20 قدمًا يتم شحنها من شنغهاي إلى أوروبا، وهو المقياس الأكثر استخدامًا لتكلفة الشحن قد وصل إلى 3101 دولارًا لكل حاوية بعد أن كان 2871 دولارًا يوم الجمعة الماضي 12 يناير، أي ارتفع بنسبة 310٪ عن المستوى الذي شهده في بداية نوفمبر.
كما ارتفعت أقساط الشحن من البحر الأبيض المتوسط إلى شمال أوروبا إلى 800 دولار لكل أجنبي، وهي زيادة صارخة عن القسط السابق البالغ 250 دولارًا، أي بزيادة نسبتها 220%، وارتفعت أيضًا معدلات التوصيل من شمال أوروبا إلى آسيا بنسبة 44%.
تأثر سلاسل التوريد
وأدى ارتفاع أسعار الشحن وأوقات نقل البضائع الأطول والتأخير في سلسلة التوريد إلى الضغط على قدرة الشحن الجوي، حيث تم اللجوء إلى الشحن الجوي كخيار بديل، وتوقع المحللون ارتفاع أسعار الشحن الجوي.
- بعد ساعات فقط من الهجمات التي قادتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على اليمن بهدف منع تجدد الهجمات على السفن المارّة في البحر الأحمر، ارتفعت أسعار النفط بشكل كبير.
وفق الباحث فإن جميع المؤشرات الآنفة الذكر، تقود إلى ارتفاع أسعار السلع وسلاسل التوريد وتكاليف إنتاج السلع في أوروبا بالدرجة الأولى والولايات المتحدة وارتفاع معدلات التضخم التي ما زالت هذه الدول تعاني من آثاره منذ الأزمة الأوكرانية، وبالتالي تأثر حجم استهلاك المواطنين ومستوى معيشتهم.
فيما يقول الخبير الاقتصادي المصري محمد أنيس، إن حجم التأثر طبقا لما أعلنته هيئة قناة السويس، وصل حجم التأثير إلى انخفاض بنحو 40 % في حركة المرور والإيرادات.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن إيرادات القناة بلغت نحو 10 مليار العام الماضي، ما يعني أن التراجع الحالي عكس المسار الذي كانت تعمل به القناة.
تأثر الاقتصاد المصري
ولفت إلى أن القناة تعد المصدر الأهم بالنسبة لروافد العملة الأجنبية بالنسبة للاقتصاد المصري، خاصة أنه تدخل ضمن الموارد السيادية المملوكة للدولة، ويزيد الضغوط على توفر العملة الأجنبية في ظل الظروف الصعبة الحالية.
واستبعد أنيس عملية إغلاق البحر الأحمر، نظرا لأهميته للعالم، وكذلك في حال دخول إيران في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة فإن الخطر الأكبر سيكون على مضيق هرمز.
يقول الدكتور أحمد الشامي مستشار وخبير اقتصاديات النقل ودراسات الجدوى، إن التوترات الحاصلة ليست بالحجم المقابل لها من التأثير.
ويرى أن شهر يناير يمكن أن يكون أسوأ الشهور بالنسبة للإيرادات الخاصة بالقناة، ما يترك أثره على الاقتصاد المصري، في ظل النقص الشديد للعملة الأجنبية.
ويرى أن اتساع رقعة الصراع في البحر الأحمر، تؤثر بشكل كبير على مضيق هرمز، كما باب المندب وقناة السويس، ما يترك أثره على العالم بشكل كبير.
ولفت إلى أن تغييرات المسار عبر رأس الرجاء الصالح، لم يصل إلى نسبة كبيرة، لكنه سيؤثر على سلاسل الإمداد، في ظل تضخم عالمي كبير، يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد العالمي.
ويرى أن التوتر في البحر الأحمر يعد من أهم وسائل الضغط على الاقتصاد المصري، خاصة في بعد أن دخل الاقتصاد المصري إلى مرحلة الاستقرار، لكنه عاد إلى منطقة هشاشة مرتقبة.