في ظل تحديات اقتصادية وسياسية... تونس تمهد الطريق نحو الشرق

تشير الزيارات المتتالية لكل من وزراء خارجية الصين وروسيا وإندونيسيا لتونس، إلى تحول ملحوظ في سياسة تونس الخارجية، التي تتجه تدريجيا نحو الشرق وكسر محورية العلاقات مع الغرب.
Sputnik
واستقبلت تونس، قبل يومين، وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، الذي بدأ جولة أفريقية تشمل كلا من مصر وتونس وتوغو وكوت ديفوار.
تأتي هذه الزيارة، التي امتدت ليومين، بعد أسابيع قليلة من استقبال تونس لوزيرة الخارجية الإندونيسية ريتنو مرصودي، وبعد نحو شهر من زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، والتي سبقتها بـ3 أشهر زيارة وزير الشؤون الخارجية التونسية نبيل عمار، إلى موسكو.
إيطاليا: تعاونا مع ليبيا وتونس لمنع وصول 121 ألف مهاجر إلى سواحلنا
وتأتي هذه الزيارات واللقاءات المتبادلة في وقت تعثرت فيه المفاوضات بين تونس وصندوق النقد الدولي بشأن قرض تمويلي بنحو 1.9 مليار دولار، إذ يرى الرئيس التونسي قيس سعيد، أن "الطريق إليه معبد بالأشواك ويمكن أن يجرّ البلاد إلى حرب أهلية"، في إشارة إلى الإجراءات التي ترافق الحصول عليه ومن بينها إلغاء الدعم.

مصلحة تونس مع تنويع العلاقات

يرى الخبير الاقتصادي ووزير التجارة السابق محسن حسن، في تصريح لـ"سبوتنيك"، أن "زيارة وزير الخارجية الصيني، ومن قبلها زيارة وزير الخارجية الروسي، تعكس اهتماما بتونس وبتطوير العلاقات معها".
وقال حسن إن من مصلحة بلاده أن توطد علاقاتها مع كل من روسيا والصين ومع دول "بريكس" عموما، باعتبارها تشكل حلفا اقتصاديا مهما، وأن تسعى إلى تنويع قاعدة شركائها التجاريين والاقتصاديين، وألا تقتصر على العلاقات التقليدية مع الدول الغربية.
وأوضح الخبير، بالقول: "من غير المعقول أن 75 بالمائة من مبادلاتنا التجارية تتم مع دول الاتحاد الأوروبي فحسب، وثلاثة أرباع هذه النسبة مع 4 دول فقط"، مشيرا إلى أن هذه المحورية لها تداعيات ومخاطر كبيرة على الاقتصاد التونسي.
تونس.. قيس سعيد يتحدى صندوق النقد الدولي مرة أخرى
ويرى حسن أن "هذا التعاون الاقتصادي يجب أن يشمل مجالين، أولهما دعم الصادرات التونسية من أجل تقليص العجز التجاري مع هذه البلدان، وثانيهما دفع الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتلك البلدان في تونس".
وأضاف: "من مصلحة تونس أيضا أن تنوع شركاءها الماليين، خاصة بالنظر إلى الصعوبات الكبيرة والحيف الذي تعرضت له في السنوات الأخيرة في ظل النظام العالمي، الذي تتزعمه المؤسسات المانحة وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي، الذي شدد إجراءاته تجاه تونس بدعم من بعض الدول الغربية التي لها مخصصات كبرى في الصندوق".
أما من الناحية السياسية، فيرى حسن أن "تونس باتت في أمس الحاجة إلى تنويع علاقاتها خاصة بعد العدوان الإسرائيلي على غزة، الذي كشف مواقف صادمة ووجها مظلما لبعض الدول الغربية"، مضيفا "هذا الأمر يدفعنا كتونسيين إلى أن نكون حذرين في التعامل مع هذه البلدان وأن نبحث عن شركاء أكثر إنسانية على غرار روسيا والصين".

إقراض دون شروط مسبقة

ويرى أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية، رضا الشكندالي، أن "زيارة وزير الخارجية الصيني إلى تونس، تندرج في إطار تفعيل مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين بقيادة شي جين بينغ، لتطوير ممرات وبنى تحتية دولية".
لأول مرة... تونس تدخل في قائمة "سلبية" لصندوق النقد الدولي
وفي عام 2018، وقّعت تونس مع الصين مذكرة تفاهم بشأن مبادرة "الحزام والطريق"، تم بمقتضاها الاتفاق على إنجاز عدد من المشاريع في مجال البنى التحتية، وقد عرف بعضها الطريق إلى النور على غرار المستشفى الجامعي في صفاقس والمركز الشبابي والرياضي في بن عروس، وتحديث قناة لمياه الري في الوطن القبلي.
وقال الشكندالي: "تبحث الصين من خلال زيارتها إلى تونس وبلدان أفريقية أخرى عن أسواق جديدة لترويج صادراتها خاصة في أفريقيا، ومبادرة الحزام والطريق تسهّل نفاذ سلعها إلى هذه البلدان".
وأضاف الشكندالي: "في المقابل يمكن لتونس أن تستفيد من خاصية الاقتراض والتعامل الاقتصادي غير المشروط الذي تعتمده الصين، خلافا للدول الغربية والمؤسسات الدولية المانحة التي تفرض إملاءات اقتصادية وسياسية مسبقة".
بدوره، قال الخبير المحاسب ماهر بالحاج، لـ"سبوتنيك"، إن "توطيد علاقات التعاون بين تونس ودول الشرق سيقلص من هيمنة الغرب على بلاده التي بقيت رهينة لإملاءات صندوق النقد وللدول الغربية منذ عقود".
ويعتقد بالحاج أن "الدبلوماسية التونسية ستخطو خطوات جديدة باتجاه دول البريكس التي تسعى إلى فتح آفاق تعاون مع تونس دون قيود أو شروط مسبقة".
ما هي أبعاد زيارة لافروف إلى تونس؟
وشدد بالحاج على ضرورة أن يترافق ذلك مع معالجة العجز التجاري الكبير الذي تسجله تونس مع الصين، والذي ناهز 9.7 مليار دينار، خلال 11 شهرًا من عام 2023.

تناسق مع التحولات العالمية

وفي تعليق لـ"سبوتنيك"، قال السفير والدبلوماسي السابق، محمد إبراهيم الحصايري، إن "الدبلوماسية التونسية تتحرك في جميع الاتجاهات وتعطي أهمية أكبر فأكبر للعلاقات مع الشرق وبالأساس الصين وروسيا وللدول الصاعدة المنضوية تحت مجموعة البريكس".
ويرى الحصايري أن "تنويع العلاقات باتجاه الشرق هو أمر مطلوب بالنسبة إلى تونس خاصة في هذه المرحلة، على اعتبار أن مراكز القوة في العالم بصدد التحوّل"، مشيرا إلى أن بلاده مطالبة قبل أي وقت مضى بتوسيع علاقاتها مع الدول التي سيكون لها دور كبير في تشكيل العالم متعدد الأقطاب.
ويرى الحصايري أن توجّه تونس نحو بناء علاقات تعاون أكثر صلابة مع الشرق لا يفرض عليها التخلي عن علاقاتها التقليدية مع الغرب، مضيفا: "ولكن هذه العلاقات يجب أن تكون أكثر توازنا عمّا كانت عليه في العقود الأخيرة".
ويعتقد الدبلوماسي السابق أن مجالات التعاون بين تونس والصين وروسيا، لن تُبنى على نفس التصور الذي كانت عليه العلاقات التونسية الغربية، التي يحكمها التمويل، وإنما على أساس المصلحة المشتركة، بحسب قوله.
وأوضح، قائلا: "تعامل تونس مع الصين وروسيا، سيخلق حركية في العديد من المجالات بغض النظر عن الوضعية المالية الراهنة التي تمر بها بلادنا، والتي أعتقد أنها ستخرج منها ليس بفضل تمويلات صندوق النقد الدولي أو غيره من المؤسسات والدول المانحة، وإنما بفضل الاستثمار في كل الإمكانات الوطنية لخدمة الاقتصاد الوطني وبناء شراكات جديدة تقوم على التوازن".
مناقشة