هذا الأمر الذي أثر سلبا على المواطن الليبي في إتمام إجراءاته الإدارية والمالية الروتينية، كما أثر سلبا على التوزيع العادل للثروات وإداراتها.
غياب الدستور
وفي هذا الإطار يقول المحلل السياسي محمد محفوظ إن ليبيا ليس لها دستور ينظمها، وتفعيل الإدارة المحلية الحقيقية وإنهاء المركزية الموجودة بها منذ العهد الملكي، لن يتحقق بدون وجود دستور.
وتابع محفوظ في ،تصريح خاص لـ"سبوتنيك": "حتى في وجود قوانين أقرتها السلطة التشريعية سواء أكانت في البرلمان أو في المؤتمر الوطني، فهذه جميعها لا تكفي ولن تكون قادرة على تلبية متطلبات المرحلة طالما لم يكن هناك دستور يؤسس لهذا النظام".
وأضاف أن "الدستور الذي أعدته هيئة الدستور، يحتوي باب خاص للحكم المحلي أعطى صلاحيات موسعة للإدارة المحلية والمحافظات والبلديات، ولكن تم عرقلة هذا من المشروع من قبل المؤسسات الموجودة كمجلس النواب والأعلى للدولة وغيرها"، مشيرا إلى أنه لن يكون هناك أي حلحلة حقيقية في هذا الجانب إلا بعد أن يكون هناك دستور دائم للبلاد مهما تعددت الشعارات ومهما تم وضع ما وصفه بـ"حلول تلفيقية".
واعتبر محمد محفوظ أن مسألة تطبيق النظام الفيدرالي في ليبيا تظل مجرد خيار مطروح، ومعالجته لن تتم بهذه الصورة التي ينادي بها بعض دعاة النظام الفيدرالي لمحاولة تطبيق سياسة لي الذراع، لأن النظام الفيدرالي إذا ما كان يراد تطبيقه يجب أن يتم طرحه وفق نقاش مجتمعي واسع ووفق حوار واسع شامل بحيث يتبناه الليبيون بقناعة وليس بمحاولة فرضه من بعض الأطراف والشخصيات.
محاربة المركزية
فيما يرى المحلل السياسي الياس الباروني أن ليبيا تعاني من مركزية القرار منذ عقود طويلة من حيث صناعته وتنفيذه، ومن حيث عملية تقييم هذه القرارات التي تصدر من المركز أو العاصمة.
وأضاف الباروني، في تصريح لـ"سبوتنيك" أن غياب ثقافة الإدارة المحلية أدى إلى تدهور في عملية متابعة القرارات وتنفيذها، بالإضافة إلى البطء الشديد في تنفيذ هذه السياسات على أرض الواقع في كل المدن الليبية وخاصة وأن ليبيا ذات رقعة جغرافية كبيرة مقارنة بعدد السكان.
وأوضح الباروني أن كل ذلك بسبب عدم وجود سياسات يمكن تنفيذها على أرض الواقع لخدمة المواطن، بالإضافة إلى تشبث الحكومات على رأس الدولة، مضيفا: "القرارات المركزية، قد يفسرها البعض أنها نتيجة الفساد المنتشر في كافة أنحاء ليبيا، وخوف الحكومة المركزية من العبث بالأموال العامة عندما تقوم بتوزيعها".
ولكنه أردف: "كلما اعتاد المسؤولون في البلديات على الميزانيات سوف يتطور هذا المفهوم وينتج عنه وعي عند المواطنين في عملية متابعة هذه السياسات وأين تذهب الأموال، ولكن مع بقاء المركزية في العاصمة، لن يؤدي هذا الأمر إلى التطور الذي يتمناه المواطن في أداء مهامها على كافة الأصعدة".
وأضاف: "هذا الأمر سوف يستمر في العاصمة مع غياب الدستور والاستقرار السياسي، نتيجة الانقسام في الحكومات والمؤسسات في الشرق والغرب، وما يسببه من خوف المركز من انفلات الأمور نتيجة الولاءات هنا وهناك، وهذا الأمر يبعد الثقة بين المركز وبين الأطراف".
واعتبر المحلل السياسي الياس الباروني أن العامل الأساسي في عملية تعزيز الإدارة المحلية هو الاستقرار السياسي، وهذا الأمر لن يحدث ما لم يكن هناك دستور دائم ينظم الحياة داخل الدولة الليبية، ويحدد المهام سواء أكانت من الحاكم أو المحكوم وعلاقتهما ومعرفة مدى المسؤوليات المناطة من الحكومة المركزية والإدارة المحلية.
وقال: "أدت المركزية إلى الكثير من الإشكاليات منها فقدان الثقة بين الشعب والحكومة، والبطء في عملية السياسات التي يتخذها المركز في تنفيذ بعض متطلبات المواطنين في المناطق البعيدة، أو مناطق أطراف المركز، أو عدم الإحساس بالمسؤولية عندما تكون هناك مركزية في صنع القرار، وكل ذلك سيؤدي إلى فتور المواطنين وعدم شعورهم بالمسؤولية والانتماء".
واعتبر الباروني أن النظام الفيدرالي هو شكل من أشكال الأنظمة السياسية، وهذا ليس عيبا، ولكن لن يحدث هذا الأمر إلا في ظروف دولة مستقلة، وأن ليبيا تمر بظروف استثنائية، وهناك تكالب على ليبيا من الدول الخارجية والإقليمية لخطف البلاد وثرواتها، حيث أن البعد الجغرافي للدولة مهدد من هذه الأطراف، خاصة عند تطبيق نظام يمنح المناطق الليبية استقلالية كبيرة جدا، ولذلك فإنه ليس من المجدي أن يتم تطبيقه الآن.
تطوير الإدارة المحلية
وتابع: "بالإمكان تطور الإدارة المحلية بنظام المحافظات، ولنا في النظام الملكي مثال عندما كانت هناك ولايات وأن المملكة كانت متحدة، وبعد أن شكل هذا الأمر شكل خطرا على وحدة الوطن تم اللجوء إلى إتحاد الدولة الليبية من الأقاليم الثلاثة إلى نظام المحافظات العشر، وهذا النظام أكثر أمانا وسلامة لوحدة الوطن، وتسعى الحكومة هنا لتفتيت صنع القرار ودعم الإدارة المحلية ومشاركتها وتفعيلها".
وأكد المحلل السياسي الياس الباروني بأنه "ليس مع انتخاب البلديات، وأن على الشعب أن ينتخب الرئيس والرئيس هو الذي يكلف عمداء البلديات والمحافظين للمحافظات حتى يكون هناك متابعة وتنفيذ للسياسات المكلفين بها، وبالتالي أكثر نجاحا في عملية صنع القرار وتنفيذه وتقييمه داخل المدن والمحافظات".
وأوضح أن القضاء على المركزية يحتاج إلى استقرار سياسي ودستور، وأن هذا الأمر لن يستطيع التكهن به الآن نتيجة التجاذب والتأثير الدولي والإقليمي، ولكن هنا يمكن أن تكون الإدارة المحلية أكثر قوة وفاعلية من حيث اختيار أشخاص ذوي كفاءة عالية وقدرة على المواجهة وطلب الحقوق وكيفية التعاطي مع المركز، بعيدا عن الاختيارات الجهوية والقبلية.
واعتبر أن المسألة مرتبطة بين أمور السياسة الخارجية والسياسة الداخلية ولن تحل القضايا المحلية إلا بحل المشكلة السياسية الحالية والذهاب للمسار الدستوري الذي ينظم الحياة الليبية بشكل خاص،و لا يمكن أبعاد المسار السياسي والدستوري على ما يحدث من فوضى في عملية صنع القرار وتنفيذها وتقويهتا والرضا الشعبي تجاه هذه السياسات في ظل هذا التخبط الحاصل وعدم تحديد المسؤوليات في ظل غياب الدستور الذي ينظم الحياة بين الأفراد والحكومة.
النظام الفيدرالي
ومن جهة أخرى اعتبر المحلل السياسي محمد امطيريد في تصريحه لسبوتنيك أن مشكلة الإدارة المحلية مرتبطة بشكل مباشر بغياب الدستور والاستقرار السياسي في البلاد، وشكل الدولة والطبقة الحاكمة، والمقومات المتعارف عليها في المجتمع، وأن هذه المعطيات عندما تجتمع يمكن تحديد بقاء المركزية من غيابها.
وقال في ظل العقود السابقة كانت المركزية في ليبيا عنصر أساسي من مكونات الدولة الليبية، كانت المركزية تمارس في ليبيا لأكثر من خمسون عاما، وخاصة في نظام القذافي، بالرغم من أن النظام الملكي أعتمد على النظام الفيدرالي في شكل الحكم، وتكوين ثلاثة أقاليم في البلاد في شرقها وغربها وجنوبها، وفي عام 1963 تم توحيد الدولة الليبية وأصبحت متكون من ثلاثة أقاليم ولكن تحت حكم واحد.
وأكد بأن فترة النظام الملكي أفضل حقبة تنظيمية عاشتها ليبيا إداريا على الرغم من القصور الاقتصادي وقلة الإمكانيات التي تحدد طبيعة النظام المركزي من عدمه، ليبيا اليوم بمساحتها الجغرافية هي التي تعطي شكل النظام للدولة والأقرب هو النظام الفيدرالي، لأن النظام الفيدرالي يعتبر نظام ناجح لو تم إسقاطه على دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، والعديد من الدول التي طبقت النظام الفيدرالي.
بينما يرى أن النظام الفيدرالي هو الحل بسبب المساحة الجغرافية الواسعة للبلاد، بالإضافة إلى بعد المدن الليبية عن بعضها بالإضافة إلى تعدد المقومات الاقتصادية للدولة الليبية، كل هذه المعطيات هامة في انعكاس الإدارة وتنظيمها، وتوزيع الموارد بشكل عادل، وتسهيل معاملات المواطنين الذين يعانون من صعوبة إتمام إجراءاتهم التي لن تنتهي إلا بعد السفر إلى العاصمة طرابلس.
وأكد بأن المركزية مقلقة للشعب الليبي بشكل كبير جدا، بالإضافة إلى غياب المساواة في توزيع الاعتمادات البنكية بسبب تمركز المصرف المركزي في العاصمة طرابلس، الذي يمنح في الاعتمادات حسب العلاقات المعينة، ولن يكون هناك استقرار اقتصادي ما لم يكن هناك استقرار سياسي.
وقال المحلل السياسي محمد أمطيريد: "في المرحلة القادمة إن كانت العاصمة هي طرابلس وبنفس أسلوب المركزية، فإن الدولة الليبية سوف تعاني من فشل بسبب هذه المركزية، بسبب تعنت بعض الشخصيات التي تسيطر على الدولة".
وتابع: "يجب فصل المركزية وتقسيمها على الأقاليم، وتطبيق الحكم المحلي وإعطاء كل محافظة في تدوير اقتصادها المحلي لتطوير نفسها، فالمركزية ليست نموذج للعدالة"، مضيفا: "يجب تفعيل العمل بقانون (59) المجمد الذي قسم ليبيا إلى محافظات، وهذا القانون لم يفعل بشكل صحيح بسبب غياب تعيين المحافظين للمحافظات المستهدفة، فليبيا بحاجة لنظام المحافظات الشبيه بالنظام "اللا مركزي" الذي يمكن أن تستند عليها الهيئة الحاكمة القادمة، وقبل ذلك يجب الحديث عن الاستقرار السياسي والدستور الذي يسطر ملامح الدولة بشكلها الصحيح.
وقال إن الانقسام السياسي عزز المركزية والظلم وعدم المساواة بين الأقاليم الثلاثة، كل هذه الأمور تؤثر في عدم تطوير المدن والمناطق الليبية التي أصبحت تنتظر حصتها من العاصمة طرابلس، وبالتالي لن تنتج هذه المدن ولن تكون هناك حلول أو إنتاج وستصاب بالخمول الذهني.
وشدد المحلل السياسي على ضرورة أن يضمن الدستور الليبي القادم النظام الفيدرالي أو "اللا مركزي" أو تفعيل نظام المحافظات أو قانون (59) الذي صدر من المؤتمر الوطني وعدل من البرلمان الليبي"، مضيفا: حاولت بعض الحكومات تعديله، ولكن لم تستطيع لعدم تحديد البيئة الجغرافية لكل محافظة بسبب الصراعات الأيديولوجية وأراء بعض الأطراف في تلك المناطق، ما يعني أن الصراعات السياسية التي أثرت على النظام الإداري الليبية وعلى شكل الدولة".