بهذه العبارات، حدثتنا الفلسطينية "هناء مغامس" التي هربت من الحرب إلى تونس لتدرس المحاماة وتكون صوت الفلسطينيين الغائب في قطاع غزة.
بعد تهجيرها، توجّهت عائلة هناء إلى لبنان، هناك حيث قتلت والدتها أمام عينيها وهي تنتظر سماع آذان صلاة المغرب من الشرفة في شهر رمضان.
تقول هناء مغامس لـ"سبوتنيك" بأن ذلك كان أثناء حرب المخيمات في شهر مايو/ أيار عام 1985، على يد قناص، حيث شُن آنذاك هجوم على الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة.
لم تلتقِ هناء بعائلتها وأشقائها البالغ عددهم اثنا عشر فردا منذ سنة 1999 بعد أن عادوا إلى العيش في قطاع غزة، حيث لم تتمكن من العودة بعد وفاة والدها بسبب المعارك المتواصلة على الأراضي الفلسطينية.
كابوس الحرب
تقول هناء لـ"سبوتنيك " إن أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 تسببت في تشتت أهلها، حيث غادر إخوتها المنزل وانتقل بعضهم للعيش في المخيمات.
وتضيف: "رغم القصف ورغم تنبيهات الإخلاء، رفضت شقيقتي مغادرة البيت ونجت من الموت بأعجوبة بعد أن قصف الجيش الإسرائيلي أحد طوابق المبنى المجاور لها.. لقد كانت لحظات مرعبة".
لم يكن لهناء أية وسيلة تتواصل بها مع عائلتها سوى الهاتف وشبكات التواصل الاجتماعي المتذبذبة، فتقول بأن اللحظة التي ينقطع فيها الكهرباء تتقلص فيها آمال نجاة إخوتها من القصف، لاسيما وأن ثلاثة منهم يقطنون في مدينة "بيت لحم" في الضفة الغربية وهو المكان الذي تكثف فيه إسرائيل هجماتها ليلا.
تتابع هناء الحديث لـ"سبوتنيك " فتقول إن أحداث المستشفى الأهلي العربي (المعمداني سابقا) في قطاع غزة والذي تحول إلى بركة من الدماء جراء الانفجار الذي وقع في باحاته في الـ 17 من شهر أكتوبر الماضي، كانت الأصعب والأثقل على قلبها وحتى على قلوب التونسيين الذين خرجوا إلى الشوارع ليلا رافعين شعارات تطالب بطرد كل من السفير الفرنسي والأمريكي من تونس وإيقاف إطلاق النار.
وفي تلك الليلة، تقول هناء إن الاتصالات انقطعت مع إخوتها حتى أنه خيّل إليها بأنهم قتلوا كلهم، لأنهم كانوا يخبرونها دائما بأنهم في حال لم يتمكنوا من التواصل معها فإنهم قد يكونون رقما جديدا يُضاف إلى قائمة الجثث المنتشرة تحت الأنقاض.
وأضافت: "كان إخوتي يحدثونني عن حجم الدمار الذي لحق بالمباني والمدارس والمستشفيات وكيف أنهم لا ينامون ليلا ونهارا.. يقولون إنهم وإن لم يقتلوا تحت القصف فإنهم سيموتون جوعا وبردا".
وتصف الفلسطينية المواقف الدولية وخاصة الغربية إزاء الانتهاكات التي يتعرض إليها الفلسطينيين بـ"المخجلة".
وتعتبر هناء أن الاحتجاجات ووقفات التضامن التي تقوم بها العديد من المنظمات والنقابات في تونس هي "أفضل سلاح للمقاومة لفضح الجرائم التي يركبها جيش الاحتلال في حق الشعب الفلسطيني".
المحاماة لاسترجاع الحق الفلسطيني
بعد هروبها من الحرب إلى تونس، درست هناء المحاماة لكي تكون صوت من لا صوت له في قطاع غزة وتتمكن من الدفاع عن حق كل فلسطيني تعرض إلى الظلم والتهجير.
تفيد هناء لـ"سبوتنيك" بأنها لم ولن تنس أبدا المظلمة التي ارتكبتها إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني وكيف هجرت عائلتها في سنة (1948) من ديارهم ودمرت المئات من القرى الفلسطينية.
زرعت مشاهد التهجير والتقتيل والتدمير الألم والحسرة في نفسية هناء، الأمر الذي جعلها تبحث عن طريقة تعيد بها للفلسطينيين كرامتهم فقررت التواصل مع عدد من الحقوقيين والمنظمات الوطنية للمشاركة في تجميع الأدلة التي تثبت ارتكاب الجيش الإسرائيلي لمجازر في قطاع غزة بهدف تقديمها إلى محكمة الجنايات الدولية.
وثمنت الناشطة في المجتمع المدني موقف جنوب أفريقيا الذي جعل إسرائيل تمثل لأول مرة في تاريخها أمام محكمة العدل الدولية قائلة "تمنيت لو أن هذه المبادرة كانت من دولة عربية".
إسرائيل أمام محكمة الجنايات الدولية
ومن جانبه، أفاد عميد هيئة المحامين التونسيين، حاتم المزيو، لـ"سبوتنيك" بأن المحاماة التونسية منذ بداية عملية "طوفان الأقصى" وهي تقوم بما يمليه الواجب عليها من حيث التضامن مع الشعب الفلسطيني ومساندة المقاومة الفلسطينية في غزة، مشيرا إلى أنه من بين التحركات التي قامت بها المحاماة هي المشاركة في التظاهرات وأيام الغضب للمطالبة بإيقاف العدوان الإسرائيلي.
وأضاف المزيو أن المحاماة التونسية بصدد التواصل مع دولة الجزائر بخصوص تطورات الوضع في قطاع غزة كما قامت بالتنسيق مع اتحاد المحامين العرب بخصوص الشكاية التي سيتقدم بها إلى محكمة الجنايات الدولية، مشيرا الى أنه تم تفويض لجنة في الغرض.
وأكد عميد المحامين بأن الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين شكلت من جهتها لجنة خاصة قانونية تتولى التواصل مع ضحايا الحرب في غزة وتجميع كل المعطيات والأدلة التي تؤكد حدوث جرائم إبادة في قطاع غزة.
وأوضح مزيو أن اللجنة طلبت تحديد موعد مع المدعي العام لدى محكمة الجنايات الدولية في منتصف الشهر المقبل لتقديم الملف كاملا.