وأمس الاثنين، وصل نائب مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، جوشوا هاريس، إلى تونس وكانت أولى لقاءاته مع كاتب الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج منير بن رجيبة.
ولا تبدو هذه الزيارة بمعزل عن التطورات الإقليمية والدولية، حيث تهدف بحسب بيان وزارة الخارجية التونسية إلى "دعوة المجتمع الدولي إلى التحرك من أجل وقف العدوان الإسرائيلي والعمل على تحقيق سلام دائم في المنطقة يرتكز على حق الشعب الفلسطيني في استرداد أرضه وإقامة دولته وعاصمتها القدس الشريف".
وقد أكد كاتب الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج منير بن رجيبة، في هذا الإطار على موقف تونس الثابت من القضية الفلسطينية والحرب في غزة التي أدت الى أوضاع إنسانية كارثية لم يسبق لها مثيل، بحسب قوله.
زيارة استكشافية
ويؤكد الدبلوماسي السابق عبد الله العبيدي، لـ "سبوتنيك"، أن زيارة نائب مساعدة وزير الخارجية الأمريكية إلى تونس هي "زيارة استطلاع واستكشاف" لمدى تغيّر الموقف التونسي من الجانب الأمريكي خاصة مع تواصل العدوان على الأراضي الفلسطينية واصطفاف الولايات المتحدة الأمريكية مع إسرائيل في الحرب.
ويضيف العبيدي: "مكانة أمريكا في تونس اهتزت بدعمها لإسرائيل، حيث شعرت الأخيرة بفقدان مكانتها لا سيما مع التحركات المنددة بإيقاف إطلاق النار ورحيل سفير الولايات المتحدة الأمريكية من تونس".
ويرى الدبلوماسي السابق أن الزيارات المكثفة التي يقوم بها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى العديد من الدول ذات الوزن الاقتصادي الثقيل كمصر ودول الخليج دليل على أن أمريكا فقدت قوتها وتبحث عن كيفية استرجاعها وإعادة التموضع في المنطقة العربية.
ولفت العبيدي إلى أن زيارة المسؤول الأمريكي تأتي بعد الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الصيني في إطار جولة أفريقية تشمل كلا من مصر وتوغو والكوت ديفوار، وتسبقها زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وهو ما يدل على أهمية الموقع الجيوستراتيجي الذي تتمتع به تونس.
مخاوف من مزاحمة الشرق
وقال العبيدي: "الغاية من هذه الزيارة هي معرفة بوصلة المواقف التونسية على الصعيد الاقتصادي وإن كانت هناك نية للاتجاه نحو الشرق مثلما أكد وزير الخارجية التونسي نبيل عمار في تصريحات إعلامية سابقة".
من جهته، أفاد الناشط السياسي طارق الكحلاوي، في تصريح لـ"سبوتنيك"، بأن الجانب الأمريكي أصبح متخوفا من التركيز الروسي الصيني على شمال أفريقيا ولذلك تأتي هذه الزيارة من أجل أن تفرض أمريكا مكانتها في المنطقة.
ويعتقد القيادي بفي "زب البعث"، صهيب المزريقي، بأن هذه الزيارة لها بعد اقتصادي، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد أن تخسر علاقتها مع الجانب التونسي في السوق الاقتصادية، خاصة مع بداية تشكل قطب جديد تقوده روسيا والصين.
ويضيف المزريقي، في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن "أمريكا لاحظت تراجع نفوذها وفقدان مكانتها في شمال أفريقيا وتبحث من خلال زيارة نائب مساعدة وزير الخارجية بأن تكون هي الراعي الأساسي لدول العالم وأن تسترجع مكانتها في المنطقة من خلال البحث عن شراكات جديدة في المجال الاقتصادي من خلال تكثيف الزيارات واللقاءات مع الجانب التونسي".
ويرجّح المزريقي أن ترفع الولايات المتحدة الأمريكية يدها "نسبيا" على دعمها لإسرائيل في حال تقلصت مكانتها في شمال أفريقيا والشرق اقتصاديا.
ويرى المتحدث بأن الولايات المتحدة تسعى حاليا إلى احتواء الأزمة في قطاع غزة من خلال التوصل إلى تسويات ترضي الطرف الفلسطيني والأمريكي لا سيما بعد الضغوطات التي يشنها الشعب الأمريكي على حكومة بايدن.
محاولة جديدة للضغط على تونس
على الطرف المقابل، يرى الناشط في المجتمع المدني بتونس غسان بن خليفة، في تعليق لـ"سبوتنيك"، أن "زيارة نائب مساعدة وزير الخارجي الأمريكي إلى تونس تتنزل في إطار إقناع الطرف التونسي بالتراجع عن دعم الفلسطينيين، وذلك من خلال إيقاف جميع التحركات التضامنية التي تقوم بها الشبكة التونسية لمناهضة التطبيع أسبوعيا أمام السفارة الأمريكية للمطالبة برحيل السفير الأمريكي من تونس والتي تطورت على رفع دعاوى قضائية ضد إسرائيل".
وانتقد غسان هذه الزيارة التي تأتي في وقت ترتفع فيه أعداد القتلى في قطاع غزة على يد الجيش الاسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية، على حد قوله.
ويضيف غسان: "التحركات التضامنية مع الشعب الفلسطيني في تونس أمام السفارة الأمريكية أزعجت الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعم بشدة استمرار حرب الاحتلال في قطاع غزة، وهو ما يجعلها اليوم في وضع دبلوماسي صعب يهدد بمزيد تآكل نفوذها الدولي".
واعتبر بن خليفة أن الولايات المتحدة الأمريكية وإن كانت تصطف مع إسرائيل في الحرب، فإنها قد تجد نفسها اليوم تضغط عليها من أجل إنهاء الحرب سريعا حتى لا تفقد نفوذها الاقتصادي في عدة دول داعمة للقضية الفلسطينية.
ويواصل الجيش الإسرائيلي عمليات عسكرية ضد قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حينما أعلنت حركة المقاومة الفلسطينية "حماس" التي تسيطر على القطاع بدء عملية "طوفان الأقصى"، حيث أطلقت آلاف الصواريخ من غزة على إسرائيل واقتحمت قواتها مستوطنات إسرائيلية متاخمة للقطاع، ما تسبب بمقتل نحو 1400 إسرائيلي علاوة على أسر نحو 250 آخرين.
وتخللت المعارك هدنة دامت 7 أيام جرى التوصل إليها بوساطة مصرية قطرية أمريكية، تم خلالها تبادل أسرى من النساء والأطفال وإدخال كميات متفق عليها من المساعدات إلى قطاع غزة، قبل أن تتجدد العمليات العسكرية في الأول من ديسمبر/ كانون الأول الجاري.
وأسفر القصف الإسرائيلي والعمليات البرية الإسرائيلية في قطاع غزة منذ الـ7 من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عن مقتل أكثر من 25 ألف قتيلا ونحو 63 ألف مصاب، إضافة إلى آلاف المفقودين، حسب بيانات وزارة الصحة الفلسطينية في غزة.