وقد ألقى رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، الضوء على أهمية إصدار قوانين فعالة تتناسب مع التطلعات الدولية والمحلية لمكافحة الإرهاب، خلال مشاركته في المؤتمر القانوني الدولي الأول للقضاء العسكري، حيث أشار إلى أن هناك حاجة ملحة لتعزيز الإجراءات القانونية وتحديد نطاق التجريم للأفعال الإرهابية.
القرار الحكومي يسعى إلى تطويع القوانين القائمة لتتماشى مع التحديات الحديثة، وتحقيق رصانة أفضل في التصدي للمخاطر الأمنية. فما الذي يعنى بتجريم العمليات الإرهابية في ليبيا، وما الذي يمكن أن يضاف إليها من قوانين تجرم العمليات الإرهابية التي تعد جريمة إرهابية؟
غياب الخطط الاستراتيجية
يقول الأكاديمي المحلل السياسي مجدي الشبعاني: "تبحث العمليات الإرهابية عن بيئة خصبة أو حاضنة، وليبيا ليست استثناء أن تكون حاضنة لهذه الجماعات الإرهابية في العديد من المدن الليبية، وباعتبار أن الإرهاب يمثل في حد ذاته تطرفا فكريا قبل أن يكون جريمة، وأن مكافحته وفق القانون الليبي ومن الصحيح أنه تم تجريمه والنيابة العامة تؤدي دورا بارزا في التحقيق في قضايا الإرهاب، وكذلك لقضاء الليبي الذي قضى في الكثير من القضايا الإرهابية منها قضايا تنظيم داعش (الإرهابي المحظور في روسيا وعدة دول) وغيرها".
ويرى الشبعاني في تصريحه لـ "سبوتنيك"، أن الإرهاب يحتاج لما هو أعمق من التشريعات، وأن القانون موجود وليبيا تحتاج إلى عمل استراتيجي يتمثل في محاربة هذا الفكر بالتوعية واستغلال المنابر والدور الإعلامي، وإعداد الدراسات الدقيقة والدراسات الاجتماعية والاقتصادية والدينية والتعمق في أسباب هذه المشكلة، وإيجاد الحلول للمكافحة والمنع، كما أن التوعية في المدارس مهمة جدا لتحصين هذا الجيل من تسرب الأفكار الإرهابية لديهم.
معتبرًا أن الخطط الاستراتيجية يجب أن تكون بمساهمة الجميع كلا بدوره، وشدد على ضرورة أن تكون هذه الخطط قابلة للتنفيذ عن طريق الحكومات المتواجدة حاليا، ومن خلال وزارات الداخلية والدفاع والشؤون الاجتماعية والأوقاف، وبالتالي فإن للحكومات الليبية دور مهم في ذلك.
وأوضح بأن "حالة الانقسام السياسي الذي طالت الإدارات الوسطى والوزارات والمباحث الجنائية وأجهزة مكافحة الإرهاب، وكذلك خروج مأموري الضبط القضائي من تحت سلطة مجلس الوزراء، وأصبحوا تابعين للمجلس الرئاسي، سبب هذا الأمر في تشتت الجهود وأصبحت الجهود مكررة، التحقيقات مكررة والمنظومة غير موحدة، وهذا الأمر يعد مناخا خصبا في أن يعمل الإرهاب بشكل حر مستغل هذه الظروف".
واعتبر أن موضوع ازدواجية الحكومات الآن لن يحقق أي نتيجة مرجوة في تنفيذ أي عمل استراتيجي لمكافحة الإرهاب.
وقال إن "حكومة الدبيبة باعتبارها تملك الأموال والقرار في العديد من الوزارات السيادية وغيرها، وتملك الميزانية التي تمكنها من العمل بشكل أكثر توافقي لوضع استراتيجية تصرف لها الميزانيات، ولو أنها نفذت الخطط عن طريق البلديات أو بعض مديريات الأمن، وعملت على تقليص الأجهزة الأمنية حتى يتم توحيد هذه الجهات وتركيز الجهود ضد أي عملية إرهابية وتحصين المجتمع منها".
وأشار بأن:
"الإرهاب الآن أصبح يستخدم في الأمن السيبراني وشبكة الإنترنت وأصبحت بعض العلميات الإرهابية تتمثل في القرصنة والاستيلاء على بعض الأموال، والحصول على المعلومات والبيانات لمقايضة أطراف لكي تصبح الدولة أو الشركات الاستثمارية أو غيرها من بعض الأطراف التي تمول من خلال الرقابة على الأموال".
لذلك يرى الشبعاني بأن هذه الجماعات قد تنتهز غياب الدولة وعدم سيطرتها على الحدود بالانشغال في تهريب الذهب لتقوية نفسها وإيجاد مورد لها، باستغلال موارد الدولة كسيطرتها على النفط وتهريب البشر بشكل مخالف للقانون لتقوية نفسها، وبالتالي تكون مقاومة هذه التشكيلات صعبة جدا في حال وجدت مورد وممول ذاتي لها.
الإرهاب وعدم الاستقرار
ومن جهته، يرى المحلل السياسي الياس الباروني، في تصريح خاص لـ "سبوتنيك"، أن مسألة القضاء على الإرهاب مسالة شائكة ومعقدة، ترجع لعدم وجود تعريف محدد لمصطلح الإرهاب، هناك من يوظف تعريف الإرهاب وفق رؤيته ووفق مبتغاة في فرض سياسة الأمر الواقع، خاصة وأن بعض الأطراف تتقاذف الاتهامات بتهمة الإرهاب، وهذه المسألة معقدة في ظل التخبط بسبب غياب تعريف محدد للإرهاب.
وأكد بأن للقضاء على الإرهاب يعتمد على الاستقرار السياسي والاقتصادي للدولة، وأن هذه العوامل تساعد على فرض الأمن والاستقرار ومشجعة على عدم دخول الدولة في نفق العمليات الإرهابية من قبل الجماعات أو الأفراد أو الدول، وأن مسألة الإرهاب والاستقرار السياسي مرتبطتان ببعضهما البعض كلما غاب الاستقرار كلما زادت العمليات الإرهابية، وفي ظل وجود الانقسام السياسي وغياب توحيد المؤسسات يشجع على انتشار العمليات الإرهابية في البلاد.
وأشار بأن هناك إشكالية كبيرة وهي عدم سيطرة الحكومة على المجموعات المسلحة، لأن ليبيا تعاني في مختلف المناطق من انتشار المجموعات المسلحة، وهذا الأمر يشوه الدولة ويضعف دورها في إصدار الأوامر، بالإضافة إلى عدم انصياع هذه المجموعات للدولة، وبالتالي يكون ولاء الأفراد فيها لأشخاص وربما لأيادي خارجية مسيطرة على هذه الجماعات.
ولفت الباروني أن:
"ليبيا تعاني من هذه المشكلة منذ سقوط نظام القذافي في 2011"، مشددا على ضرورة وجوب وضع رؤية حقيقية لبناء جيش قوي تحت سلطة حكومة مدنية، مع أخذ الجانب الإيجابي للمجموعات المسلحة في دورها مع القوات العسكرية في المنطقة الغربية في القضاء على تنظيم داعش في مدينة سرت.
وأوضح بأن عدم الاستقرار السياسي وغياب توحيد المؤسسات يساهم في نمو الجماعات الإرهابية، وكذلك الدول التي تقوم بتصدير الإرهاب من خلال الجماعات الإرهابية أو الأفراد الذين يعملون على أخذ الأوامر من هذه القوى وسيتم ملء الفراغ بعمليات إرهابية، ومن هنا فإن الإرهاب مشكلة أرقت المجتمع الليبي، وأرقت أداء الحكومة بشكل عام وأضعفت من أدائها وساهمت في إهدار أموال الدولة في سبيل مكافحة هذه الآفة.
معتبرًا أن عدم سيطرة الدولة على المنافذ البرية والجوية والبحرية التي تخضع لسيطرة بعض الجماعات والقبائل والمناطق أضعف سيطرة الدولة على هذه المنافذ وأضعف قدرتها على اتخاذ القرار الصحيح، وبالتالي جعل الدولة عرضة للتهديد والابتزاز من هذه الجماعات أو الأفراد أو المدن التي تسيطر على هذه المنافذ.
وشدد بالقول على ضرورة أن تكون هناك رؤية مشتركة بين الحكومة وبين البلديات التي تقع في نطاقها هذه المنافذ وكيفية سيطرة الدولة عليها حتى تتحقق المنفعة للدولة من ناحية، والتنمية المكانية من ناحية أخرى، لأن أغلب المناطق التي تقع في نطاقها منافذ شعرت بأنها تعاني من التهميش، لذلك دأبت أغلبها في ممارسة التهريب، وأن هذا الأمر أضر باقتصاد الدولة وأمنها، لذلك يجب على الدولة أن تحقق التنمية المكانية المستدامة في هذه المناطق، حتى تكون مناطق استقطاب لكل المستثمرين، والباحثين عن فرص الاستثمار بكل أنواعها، وتقلل من الهجرة غير الشرعية والتهريب والإشكاليات الأخرى.
وشدد على ضرورة أن تساهم الحكومة في القضاء على الإرهاب بوضع خطط شاملة في تحديد من هو الإرهابي من عدمه، وسن قوانين رادعة ضد من يمارسون الإرهاب داخل ليبيا، وهي رؤى مشتركة بين الحكومة والمجالس التشريعية في ليبيا لتشارك في وضع سياسة عامة على كافة الأصعدة في القضاء على هذه الآفة التي تعاني منها ليبيا بشكل خاص والمجتمع الدولي بشكل عام.
أزمة غياب الإمكانيات
ومن جانبه، يقول المحلل السياسي عبد الله الديباني، إن الإرهاب مصطلح فضفاض يجب أن يعرف الإرهاب وما المقصود بالإرهاب، لم يعرف مصطلح الإرهاب في المجتمع الدولي ولا في المنظمات الدولية حتى هذه اللحظة، ما تعيشه ليبيا في الحقيقة هو تواجد المجموعات الإرهابية فيها، وكان هذا التواجد ملحوظا في السابق متمثلة في مدينة درنة ومدينة بنغازي، هذه التشكيلات لديها جذور في الجنوب الغربي للبلاد وفي غرب العاصمة تتمثل في مدينة صبراتة وبعض المناطق الأخرى.
وأضاف الديباني في تصريحه لـ"سبوتنيك"، أن هذه التشكيلات والجماعات الإرهابية ليست على وئام واحد أو توجه واحد، تختلف باختلاف انتماءاتها الإسلامية المتشددة.
وتابع أنه سيتم القضاء على الإرهاب بدعم المؤسسة العسكرية، وتقديم الدعم اللوجستي والمادي لها، الدعم المتمثل في الأسلحة والأجهزة المتطورة لمكافحة التنظيمات الإرهابية والقضاء عليها في ليبيا، ولفت إلى خطورة حظر استيراد الأسلحة الذي يتجدد طيلة الفترات الانتقالية الذي أثر على ملف مكافحة الإرهاب في شرق البلاد وغربها.
ودعا إلى ضرورة رفع الحظر لشراء الأسلحة من أجل القضاء على هذه الجماعات الإرهابية التي نمت وترعرعت في السنوات الماضية في شرق البلاد، وقامت بتنفيذ العديد من العمليات الإرهابية في السابق.
وأكد بأن المؤسسة العسكرية تقوم بجهود كبيرة اليوم وذلك بمكافحة الجماعات الإرهابية في شرق البلاد، وذلك لمعرفتها بخطر هذه التشكيلات المسلحة، مؤكدا بأن المنطقة الشرقية تنعم الآن بالأمن والأمان في شرق البلاد.
وشدد على ضرورة مكافحة هذه التشكيلات المسلحة من خلال معرفة إيديولوجيا كل تنظيم على حدة، لأن هناك تشكيلات مسلحة إرهابية، ومنها تشكيلات ذات إيدولوجيا سياسية، أي يجب ضم هذه التشكيلات من خلال أفرادها للمؤسسات العسكرية والأمنية، حتى يتم ضمان عدم انضوائها تحت أي جماعة إرهابية خاصة وأن هذه التشكيلات تملك سلاحا وعتادا يمكن أن يشكل خطرا كبيرا على ليبيا وأمنها.
وقال الديباني إنه في ظل هذا العبث وعدم توحيد المؤسسة العسكرية في شرق البلاد وغربها وعدم منحها الإمكانيات الحقيقية وإعطائها الدعم اللوجستي، والدعم المادي ستصبح ليبيا موطنا خصبا لنمو أي تشكيل مسلح إرهابي أو أي جماعة إرهابية، هذا الأمر غير مستبعد ولا يمكن القول بأن ليبيا بعيدة عن تكوين تنظيمات إرهابية.
مؤكدا أن الجماعات الإرهابية اليوم مصدر خطير لكل دول العالم وأوروبا وخاصة بأنها قادرة على استخدام الشواطئ الليبية المطلة على الاتحاد الأوروبي، وهذا الأمر يتطلب دعم المؤسسة العسكرية في غرب البلاد وشرقها.
وأشار بأن المنافذ في شرق البلاد وجنوبها هي تحت سيطرة القوات المسلحة، ويجب أن تحظى هذه المنافذ بالدعم الكامل، لأن إهمالها سوف يفقد السيطرة على هذه المنافذ الحيوية وقد يساهم في دخول الإرهابيين من جنوب ليبيا، أو في دول الجنوب الأفريقي كتنظيم بوكو حرام وغيرها من الجماعات الإرهابية والتي تشكل خطرا كبيرا على التراب الليبي ودول شمال أفريقيا وجنوب أوروبا، وعدم السيطرة على أمن المنافذ سيكون عاملا مساعدا في نشر الإرهاب في ليبيا.
مشددا على ضرورة رفع حظر دعم ليبيا بالسلاح من المجتمع الدولي وتقديم الدعم والإمكانيات في المؤسسة العسكرية في شرق البلاد وغربها حتى يتم القضاء على الجماعات الإرهابية.