مع دخول المنطقة في توترات على أكثر من جهة، باتت القواعد العسكرية الأمريكية ضمن الأهداف التي حددتها فصائل المقاومة في اليمن وسوريا والعراق، ما دفع العراق للتحرك سياسيا من أجل مفاوضات لمغادرة القواعد الأمريكية، فيما تكثف فصائل المقاومة في سوريا من استهداف القواعد التي تصفها بقوات احتلال.
يرى خبيران أن الخروج الفرنسي من أفريقيا، يمكن أن تعيشه واشنطن في قادم السنوات، نظرا لسياستها المشابهة للسياسة التي انتهجتها فرنسا، رغم الاختلاف في العديد من العوامل.
ولم تقتصر عمليات المقاومة في الدول الثلاث على استهداف القواعد العسكرية الأمريكية في سوريا والعراق، بل امتدت للأردن، ما أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين وإصابة أكثر من ثلاثين آخرين.
رغم استبعاد الخبيرين تكرار السيناريو الفرنسي مع الجانب الأمريكي في الوقت الراهن، لكنهما أوضحا صعوبة استمرار الوضع الحالي بالنسبة للقوات الأمريكية في العراق وسوريا على الأقل.
بالأمس استهدفت القاعدة الأمريكية في حقل "كونيكو" للغاز شرقي سوريا ما أدى لوقوع انفجارات عنيفة داخل القاعدة.
وأوضح مراسل "سبوتنيك" أن قاعدة الجيش الأمريكي في حقل "كونيكو" للغاز في شرقي سوريا تعتبر من أكبر القواعد العسكرية، وقد تعرضت لهجوم عبر رشقة صاروخية وعلى دفعتين خلال أقل من ساعة ، ليل السبت 3 شباط / فبراير.
يشار إلى أن الهجوم الجديد هو الثالث من نوعه الذي يستهدف هذه القاعدة بعد القصف والاعتداءات التي نفذتها الطائرات الأمريكية على مواقع داخل سوريا والعراق وعلى حدود البلدين.
وقبل أيام، أكد وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، أن "قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، موجودة بدعوة من الحكومة العراقية".
وقال حسين، في مقابلة مع قناتي "العربية" و"الحدث"، إن "العراق هو من يحدد الحاجة لبقاء القوات الأمريكية من عدمها"، مشددًا على ضرورة تهيئة الداخل قبل بدء المفاوضات لانسحاب هذه القوات من العراق.
وأضاف أنه "على ضوء نتائج المفاوضات سيتم اتخاذ القرار اللازم، سواء بالانسحاب أو جدولة الانسحاب"، متابعًا: "لا نريد خلق حالة فوضوية في العلاقات مع واشنطن".
يقول الخبير الأمني والاستراتيجي المغربي محمد الطيار، إن فرنسا حددت الأهداف الاستراتيجية عند دخولها لمنطقة الساحل، لكنها لم تتناسب مع الإمكانات المالية، فضلا عن التوازنات السياسية التي لم تستطع تحقيقها هناك طيلة 8 سنوات.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن التواجد الأمريكي في سوريا والعراق يشكل عنصر توتر في المنطقة، كما يحرج الحكومات المتعاقبة على العراق، ويعد مبررا لحشد العديد من القوى السياسية لطرد القوات الأجنبية.
ويرى وجود واشنطن في المنطقة يساعد في انتشار الجرائم المرتبطة بعمليات تهريب السلاح، وعدم قدرة المؤسسات على بسط سيطرتها على كامل ترابها.
ولفت إلى أن التواجد العسكري الأمريكي في سوريا الذي جاء تحت ستار التحالف الدولي لمواجهة التنظيمات الإرهابية، هو في الحقيقة يأتي في إطار الصراع على النفط السوري والعراقي أيضا.
وشدد على أن الأصوات المتعالية في المنطقة المطالبة بضرورة خروج القوات الأجنبية، لن تجد واشنطن معها حيلة إلا عبر اتفاقيات جديدة، لكن استمرار وجود قواتها بالشكل الحالي أصبح من الصعب استمراره.
يقول المحلل الاستراتيجي اللبناني محمد سعيد الرز، إن دراسة موقع المنطقة العربية ومعها القارة الأفريقية في المعادلات الدولية يوضح أنها تنقسم محورين، أولهما قطب عالمي جديد تنضوي تحت رايته الصين وروسيا ومجموعة دول "بريكس" ومنظمة "شنغهاي"، وهو محور يقدم رؤية استراتيجية للشرق الأوسط تقوم على مبدأ التكامل وتبادل البرامج التنموية والتعاون التجاري.
موضحا أن محور الشرق يسيطر على أكثر من 40 في المئة من التجارة العالمية، وهو في أوج ازدهاره الاقتصادي والتنموي والالكتروني مع صفر مشاكل وأزمات، كما يفتح أوسع مجالات الصداقة على قاعدة احترام المؤسسات الوطنية والانتماءات القومية، وفق نظرية تقول بالاستثمار بديلا عن الاستعمار.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن "المحور الثاني يتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية، وحلف الأطلسي ومعهما وراثة الاستعمار القديم الثقيل والدموي والمتجدد بسطوته على مقدرات الشعوب، وإهدار قيمها ووأد حقوقها في الحرية والسيادة وتقرير المصير، وهذا المحور لا يعترف إلا بسيادة مصالحه، وهو يعمل لاستمرار تقدمه بنهب مقدرات الدول النامية والسطو على ثرواتها الطبيعية ومواردها وثقافتها وعلمها وقيمها وشخصيتها الدينية".
ولفت إلى أن "ممارسات محور الغرب الاستعمارية تجسدت في مختلف الدول العربية بالحصار ومحاولات تغيير خرائطها والاستيلاء على مواردها، كما هو الحال في لبنان وسوريا وعموم الخليج ودول المغرب العربي، وكذلك في أفريقيا ودولها وشعوبها المستعبدة، وآبار بترولها ومناجم ذهبها ومعها تاريخ أسود بالجرائم والمجازر والاسترقاق".
وأشار إلى أن "الغرب لم يكتف بكل ممارساته، بل أن أسهم في احتلال فلسطين وعمل على خلق "كيان عنصري" فوق أرضها كحاجز بين مشرق العرب ومغربهم، وقاعدة لتنفيذ المشاريع الغربية الاستعماري".
ولفت إلى أن "جميع شعارات الغرب انكشفت، وبدأت المواجهة مع قوى الأطلسي بكل تفرعاتها، وما حصل في عدد من دول أفريقيا ضد الاستعمار الفرنسي دليل واضح، بمثل ما شكلت عملية طوفان الأقصى وثورات الشعب الفلسطيني من انتفاضة الحجارة حتى الآن دليلا أكثر وضوحا، وكذلك الأمر بالنسبة للمواجهات القائمة مع القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة العربية والتي سيعجل انتصار المقاومة في غزة في خروجها".
ويرى أن محور الشرق التكاملي التعاوني أكثر تماسكا في الوقت الراهن، وأنه يتمدد حضاريا نحو المنطقة في حين أن محور الأطلسي الغربي يعاني من مشاكل استراتيجية اقتصادية وسياسية واجتماعية.
وأوضح أن دعوات الانفصال في كاليفورنيا وتكساس والأزمات الاقتصادية الحادة في أمريكا، وانتفاضات شرائح المجتمع الفرنسي تلقي الضوء على مرحلة الانحسار الاستعماري، بما في ذلك التواجد العسكري الغربي.
واستطرد أن "الهزيمة لأي قوة في العالم تحل حينما تسقط مشاريعها بمواجهة إرادة الشعوب وقواها الحية، مهما امتلكت من ترسانات عسكرية، وتصبح مرحلة انتقالية صعوباتها وتعقيداتها، لكن خواتيمها تشير إلى تراجع كبير في المنظومات الاستعمارية لصالح تقدم حضاري أكبر في حركات التحرر والعدالة وحقوق الإنسان".
وتعرضت جميع القواعد التابعة لقوات الجيش الأمريكي أو ما يسمى قوات "التحالف الدولي"، بدءا من قاعدة التنف في ريف حمص على الحدود السورية - الأردنية - العراقية، مرورا بقواعد حقل "العمر" النفطي وحقل "كونيكو" للغاز في ريف دير الزور، وصولاً إلى قواعد الشدادي وخراب الجير والمالكية في ريف الحسكة، تعرضت خلال الأشهر الماضية إلى أكثر من 200 هجوم صاروخي أو عبر الطائرات المسيرة الانتحارية والتي خلفت خسائر بشرية ومادية كبيرة لم يفصح عنها الجيش الأمريكي.