ويحتل الملف الليبي أهمية في سياق التفاعل بين البلدين، وكان من المحطات الخلافية الكبرى إذ وصلت إلى مستوى التلويح بمواجهات عسكرية.
يرى الخبراء أن التنسيق بين البلدين يسهم في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المحلية الليبية، كما ينعكس على المنظومة الدولية، انطلاقا مما تمثله مصر بوزنها الإقليمي والدولي كدولة جوار، وما تمثله تركيا من تأثير من خلال حضورها في الغرب الليبي.
وفق الخبراء، فإن التوافق بين البلدين الأولي يتمثل في عدم الإضرار بمصالح أي من البلدين والأمن القومي، على أن يتم العمل على تعزيز الحوار والنقاش من أجل إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، ومن ثم توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية في الغرب والشرق.
وتعد الزيارة الحالية هي أول زيارة رسمية على مستوى الرؤساء منذ 11 عاماً، حيث كانت آخر زيارة لأردوغان عندما كان رئيساً للوزراء في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2012، فيما كانت آخر زيارة إلى مصر على هذا المستوى للرئيس السابق عبد الله غول في فبراير/ شباط عام 2013.
وتدعم تركيا الحكومة الموجودة في الغرب الليبي، وكذلك المجلس الأعلى للدولة الذي يحظى بأغلبية من التيارات الإسلامية وجماعة الإخوان، والذي يمثل الجسم الثاني إلى جانب البرلمان الليبي، في جميع التوافقات بشأن القوانين الانتخابية والمراحل الانتقالية.
بشأن إمكانية التوافق بين البلدين على رؤى متقاربة من شأنها دفع الملف الليبي نحو الأمام، قال مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير عزت سعد، إن هناك توافق ومصلحة مشتركة بين البلدين من أجل إعادة الاستقرار في ليبيا، وهو لا يعني تطابق وجهات النظر بين البلدين.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن الإعلان خلال الزيارة عن التنسيق من أجل الاستقرار في المنطقة، بما فيها الملف الليبي، يوضح رغبة البلدين في دعم الاستقرار.
وأوضح أن العلاقات بين البلدين جرى ترقيتها لمرحلة وصفت بالاستراتيجية، وهو ما يعني تفعيل الحوار بين البلدين بشكل شفاف، والنقاش حول القضايا الخلافية والشائكة.
ويرى أن أحد أهم المعوقات في ليبيا تتمثل في الأدوار الدولية المنخرطة في المشهد الليبي ما يعني أن التوافق بين مصر وتركيا يتطلب التنسيق مع الأطراف المنخرطة هناك.
وأشار إلى أن احتمالية التنسيق بين تركيا ومصر وروسيا فيما يتعلق بمسار التسوية في ليبيا، هو الأقرب والأجدر من حيث الفعالية، نظرا للتقارب وإمكانية التفاهم، بعيدا عن موقف الدول الغربية صاحبة الرؤى المغايرة في الملف الليبي.
رغم التقارب بين البلدين وتطبيع العلاقات على أعلى مستوى تظل بعض النقاط في الملف الليبي شائكة، ومنها وجود المرتزقة، والذين تقول تركيا أنهم خبراء وصلوا إلى هناك بطلب من الحكومة الليبية، فيما أكدت مصر مرارا ضرورة مغادرتهم من أجل الاستقرار والعمل على انتخاب مؤسسات ليبية لإنهاء المراحل الانتقالية.
في الإطار، قال محمد السلاك، المتحدث السابق باسم المجلس الرئاسي الليبي، إن التنسيق بين البلدين يحمل أهمية كبرى، انطلاقا من المكانة الاستراتيجية والسياسية والتأثير الإقليمي لهما.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن هذا التنسيق بمثابة اختراق استراتيجي حال ما تم البناء على اللقاء واستثماره بشكل إيجابي.
ويرى أن التعاون المصري التركي في الحالة الليبية يحقق تقدما، خاصة في ظل التعقيدات والتشابكات الداخلية وعلاقة الأطراف المحلية بالبلدين، بما ينعكس إيجابا على التقدم نحو العمل على وجود مؤسسات حكم منتخبة.
وأشار إلى أنه "رغم القضايا والمصالح المشتركة، لكن بعض الركائز المهمة لمصر تتمثل في عملية سحب المرتزقة، وهي خطوة لم تقدم فيها ليبيا أي خطوة، في ظل إصرار الجانب التركي على وجود هذه القوات تحت مسمى خبراء".
وفق السلاك، فإن مذكرات التفاهم بين تركيا والحكومات الليبية في الغرب لم تنشر بشكل علني، في ظل تحفظ وقلق بشأن ما تنطوي عليه الاتفاقية أو مذكرات التفاهم، ما يتطلب جدية من تركيا وحسن نية في التعاون مع القاهرة في إطار السعي لأمن واستقرار الإقليم.
فيما قال محمد معزب، عضو المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، إن لمصر مصالح كبيرة في ليبيا، منها ما هو أمني، كتأمين الحدود الغربية، وتدفقات القوى العاملة في ليبيا، والعقود مع الشركات المصرية.
في المقابل، فإن لتركيا أيضا مصالح مهمة كتعزيز الاتفاقية البحرية، والتعاقدات، وخاصة في مجال الإنشاءات.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن البلدين لهما أهداف اقتصادية وأمنية، ولابد لهما من التنسيق السياسي لدعم الاستقرار في ليبيا.
وتعمل الأطراف الليبية خلال لقاءات متعددة، خلال الفترة الأخيرة، على تعزيز الحوار والنقاش للتوصل لتوافقات بشأن إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
وأوضح أن "لكل من البلدين ثقل في المجتمع الدولي، بما تمثله مصر شرقـا وما تمثل تركيا غربا، ما يعني تأثيرهما في المجتمع الدولي لصالح القضية الليبية".
ويرى أن المصالح المشتركة باتت تحدد العلاقة بين البلدان، حتى في حال عدم وجود حدود مشتركة، وهو الأمر الذي يجمع مصر وتركيا في المشهد الليبي.
وفي نوفمبر 2023، وافق البرلمان التركي على المذكرة الرئاسية بشأن تمديد مهمة الجيش التركي في ليبيا 24 شهرا إضافيا.
وأحالت الرئاسة التركية في 24 نوفمبر2023 مذكرة إلى رئاسة البرلمان لتمديد مهام القوات التركية في ليبيا 24 شهرا إضافيا، تبدأ من 2 يناير/ كانون الثاني 2024 وتنتهي في يناير 2026.
وأوضحت وكالة "الأناضول" أن المذكرة حملت توقيع الرئيس رجب طيب أردوغان، وجاء فيها: "هدف إرسال قوات تركية هو حماية المصالح الوطنية في إطار القانون الدولي، واتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة ضد المخاطر الأمنية التي تسببها جماعات مسلحة غير شرعية في ليبيا".
وأرسلت تركيا قواتها إلى ليبيا في 2 يناير 2020، وجرى تمديد مهامها في 21 يونيو/ حزيران 2021 لـ18 شهرا. ودعت المذكرة البرلمان إلى التصديق على تمديد مهام القوات التركية في ليبيا لـ24 شهرا بدءا من 2 يناير 2024.