وأوضح الخبراء أن هذه الجماعات (المحظورة في روسيا) تحاول الاستفادة من بعض التغيرات الأمنية، التي وقعت أخيرا في المنطقة، والتوترات في بعض دول المنطقة وهشاشة الرقابة على الحدود، بالإضافة لمحاولات بسط النفوذ بصورة قادت للتنافس بين العديد من التنظيمات هناك وتنظيم "داعش" الإرهابي (المحظور في روسيا ودول عدة).
وشهدت الساحة الأفريقية بروز العديد من التنظيمات خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد انهيار تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، وتسلل الكثير من عناصره باتجاه أفريقيا.
وفي وقت سابق، وقعت معارك بين "داعش" وتنظيم "نصرة الإسلام والمسلمين" المكوّن من اندماج 5 جماعات محلية تابعة لتنظيم "القاعدة"، في مناطق تادنجدجورن وفتلي وهرارا في مالي على الحدود مع بوركينا فاسو، وهو ما يتكرر من حين لآخر في محاولة لبسط النفوذ في هذه المناطق.
عن هذا الموضوع، يقول أحمد سلطان، الباحث في الحركات الإسلامية والإرهاب، إن "التهديد الإرهابي في الساحل والصحراء ما زال مرتفعا وفقًا للمعطيات الحالية، خاصة أن تنظيم "داعش" أجرى تغيرات على هيكله القيادي من أجل تقوية آلية القيادة والسيطرة وإعطاء فرعه في الساحل زخمًا أكبر".
ووفقا لحديث الباحث لـ"سبوتنيك"، تمثلت هذه التغيرات في دمج مكتب "الأنفال"، وهو القيادة الإقليمية لـ"داعش" في الساحل والصحراء في مكتب "الفرقان"، وهو القيادة الإقليمية لـ"داعش" في غرب أفريقيا، والذي يأتمر بإمرة أبو مصعب البرناوي، أمير فرع "داعش" في غرب أفريقيا، وأصبح فرع "داعش" في غرب أفريقيا يُقدم الدعم والمساندة والتمويل لفرع "داعش" في الساحل وهو ما يعطيه قدرة أكبر على الانتشار والتمدد.
يشير الباحث إلى أن "داعش في مالي، على سبيل المثال، أصبح يميل إلى أسلوب أقل حدة وتشددًا في التعامل مع السكان المحليين في مالي، من أجل استقطاب وجذب الدعم والتأييد، لكنه يتبع أسلوبا مغايرا في النيجر، على سبيل المثال، ويتشدد في ممارساته وتعاملاته مع السكان المحليين، كما أن التنظيم زاد في الفترة الأخيرة هجماته في بوركينا فاسو، ولديه إمكانيات لتوسيع هذه الهجمات لتشمل دولا أخرى منها بنين وغانا".
وأضاف: "من الناحية الجغرافية هناك توزيع ضمني للنفوذ بين الجماعات الجهادية في المنطقة وهي جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، المرتبطة بـ"القاعدة" في المغرب الإسلامي، وولاية الساحل، فرع "داعش" في الساحل والصحراء الأفريقية".
ولفت سلطان إلى أن "مستوى النفوذ الجغرافي يختلف باختلاف الدولة والمنطقة، لكن بشكل أساسي هناك تركز للجهاديين في مناطق الحدود الجغرافية القلقة بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وهناك نشاط أكبر في مناطق شمال مالي، في الوقت الحالي، وكذلك هناك نشاط محدود نسبيا في محيط العاصمة المالية باماكو، وهذا النشاط تقوم به جبهة تحرير ماسينا وهي جزء من فصائل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين".
وأردف سلطان، بالقول: "أما بخصوص التنسيق الأمني، يلاحظ أنه منذ انسحاب القوات الأممية ضعف التنسيق الأمني وتزامن ذلك مع الانقلاب في النيجر وما أثاره من توترات أثرت على مكافحة الإرهاب، ومع أن الدول الثلاث مالي والنيجر وبوركينا فاسو، سعوا لتنسيق عملياتهم ضد الجماعات الجهادية إلا أن هذا التنسيق يواجهه العديد من العوائق منها ضعف القدرات العسكرية ونقص المعلومات الاستخباراتية وكذلك نقص الدعم الدولي المخصص لعمليات مكافحة الإرهاب، ولذا ففي النهاية مخاطر انتشار وتمدد الجماعات الجهادية قائمة بالفعل وقد تشهد دول جديدة هجمات لهذه الجماعات في الفترة المقبلة خصوصًا أن الجهاديين يمتلكون القدرات لشن مثل هذه الهجمات في الوقت الحالي".
فيما يقول الشرقاوي الروداني، الخبير الأمني المغربي، إن "البيئة الحاضنة للجماعات الإرهابية أصبحت تتوسع، فيما يتزايد نشاط التنظيمات، نظرًا للمجموعة من العوامل".
يضيف الخبير في حديثه مع "سبوتنيك": "على المستوى الأمني، انسحاب القوات الأممية لحفظ الاستقرار في شمال مالي، وكذلك فشل اتفاق السلام المعروف بـ"اتفاق الجزائر"، الذي رفع من منسوب تحرك هذه الجماعات خصوصا في منطقة الحدود الثلاثة بين مالي، النيجر وبوركينافاسو".
يتابع، بقوله: "إن غياب نظرة دولية شمولية لمحاربة الإرهاب خلق واقع جيوسياسي جديد، جعل الجماعات الجهادية تسيطر على مجموعة من المناطق خصوصا مناطق شمال بوركينافاسو".
واستطرد، بالقول: "الفراغات الأمنية في منطقة ليبتاكو غورما وغياب سياسة أمنية مشتركة بين دول الساحل والصحراء، نظرا لوجود تراكمات بنيوية ذات طبيعة محلية و دولية، أعاد الصراع والمواجهة بين الدولة المركزية وهذه الجماعات الارهابية.
موضحا أن "التقلبات السياسية والأمنية في المنطقة رفعت من قيمة هذه الجماعات".
ويرى أن "تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى التابع لداعش يريد التموقع في منطقة خليج غينيا معتمدا، على قواعده الخلفية في الساحل ومناطق بحيرة تشاد، على حساب تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين، الذي يحاول استقطاب بعض الخلايا التابعة للحركة الجهاد في غرب أفريقيا، وكذلك تنظيم "ماسينا".
وتابع: "بالنسبة للجماعات الإرهابية التموقع في بعض المناطق الاستراتيجية يسمح لها بوضع اليد والسيطرة على تجارة المخدرات والسلاح، وهو ما سيمنح لها قدرة على التمدد والسيطرة على بعض الطرق والمسالك الآمنة".
على مستوى تقييم التنسيق الأمني بين الدول، يرى الخبير أن "هناك غياب للاستراتيجيات الشاملة في المنطقة بشأن محاربة الإرهاب، خاصة بعد التطورات الأخيرة أثر انسحاب مالي النيجر وبوركينافاسو، من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وكذلك انسحاب القوات الأممية من شمال مالي وقوات برخان".
ويرى أن "غياب قدرات عسكرية للدولة المركزية، وكذلك الإمكانيات اللوجستية الموجهة لمحاربة الإرهاب والدخول في الحرب اللاتماثلية، بالإضافة لأهمية التعاون الاستخباراتي الدولي الذي يبقى أمرا حيويا في معالجة هذه التحديات الأمنية".
فيما يقول الخبير الأمني إحسان الحافظي، إن "الجماعات الإرهابية في الساحل تستفيد من غياب من غياب التنسيق الأمني، وأزمة الدولة الوطنية في المنطقة".
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أنه "منذ اندحار "داعش" في الشرق الأوسط، تحولت منطقة الساحل إلى حاضنة جديدة لهذه الجماعات مستفيدة من وجود بنية تنظيمية تاريخيّة تحمل اسم الجماعة الإسلامية المقاتلة، التي اتخذت لاحق اسم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي".
وتابع، بقوله: "إن انتشار هذه الجماعات المتطرفة في الساحل واقع اليوم، حيث تنامت بفعل التأثير التي تمارسه هذه الجماعات على سكان المناطق الحدودية خاصة، في مثلث مالي بوركينا فاسو والنيجر، حيث تنشط أكثر الجماعات المتطرفة".
ويرى أن "أهم التعقيدات التي تواجهها هذه العمليات العسكرية هو اختباء التنظيمات المتطرفة، وراء شبكة من العلاقات الاجتماعية والتجارية، التي أنشأتها خلال فترة سيطرتها على مناطق من جغرافيا الساحل".
ومضى، قائلا: "الصراع في الساحل كان دائما بين "القاعدة" و"داعش"، حيث سعت هذه التنظيمات إلى استقطاب الجماعات المتطرفة في المنطقة وضمان ولائها وبيعتها، في إطار الارتباط بالتنظيم الأم، هذه الولاءات ظلت متغيرة دائما وتخضع لميزان التأثير العالمي والقوة".