وبحسب الخبيران، فإن إسرائيل و"حزب الله" لا يريدان حربًا شاملة واسعة، فيما تبذل الجهود الدولية دبلوماسية مكثفة لنزع فتيل التوتر، والحيلولة دون دخول معركة شاملة تمتد آثارها المدمرة على المنطقة برمتها.
وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية، الجمعة، أن إسرائيل تعد خطة لعملية برية محتملة في لبنان، في خضم التصعيد العسكري مع "حزب الله" المستمر منذ أشهر.
وقالت القناة 13 الإسرائيلية، إن الجيش "يقوم بصياغة خطة للدخول البري إلى لبنان"، وتابعت: "في إطار الاستعدادات لاحتمال نشوب حرب في الشمال، كلف الجيش العميد موشيه تمير بمسؤولية إعداد عدة خطط محتملة لعملية برية في لبنان بمستويات مختلفة".
سيناريو وارد
قال أسامة وهبي، الناشط المدني اللبناني، إن وسائل الإعلام العبرية دأبت منذ فترة ليست بالقصيرة بكتابة سيناريوهات وتسريب معلومات تتحدث عن أن اقتحام لبنان بريًا أصبح أمرا واقعًا، وأن إسرائيل لا تستطيع إبقاء النازحين في شمال فلسطين المحتلة، باعتباره ملفا ضاغطًا على حكومة نتنياهو، وأنها تريد حل هذه الأزمة مع لبنان، وأن تبعد حزب الله من الحدود وأن تقوم بضرب البنى التحتية للمقاومة، حتى لا يعود يشكل أي تهديد على الجانب الإسرائيلي.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، فإن الحديث عن إقرار خطة لاقتحام لبنان أمر اعتاد عليه الجانب الإسرائيلي على مدى عقود، وأنه مستعد دائما للحروب مع كل الأطراف التي تهدده، وهو سيناريو وارد الحدوث، لكن لا يزال هناك جهود جبارة واستثنائية يقوم بها الموفد الأمريكي لمنع جر المنطقة لحرب شاملة، خاصة بين لبنان وإسرائيل، لأنه يعرف أن هذه الحرب ستكون مكلفة للطرفين.
وأكد أن تجهيز خطة لاقتحام لبنان أمر وارد، والجيش الإسرائيلي اعتاد على الحروب المستمرة وهذه السيناريوهات دائما موجودة في سجلاته، لكن ليس هناك ما يؤكد أن هذا قد يحدث قريبًا، لأن الجهود مستمرة، وآخر لقاءات للمبعوث الأمريكي مع المسؤولين اللبنانيين، لم يتحدث عن انسحاب "حزب الله" من الحدود بعمق 10 كيلومترات، لكن تحدث فقط عن وقف إطلاق النار من الجانب اللبناني، وهو ما يعتبر تخفيضا لسقف الشروط الأمريكية والإسرائيلية من أجل تهدئة الأمور.
ومضى قائلًا: "في لبنان حزب الله أيضا يقول ويصرح ويمارس على الأرض كل ما يؤدي إلى عدم اتساع الحرب والذهاب لمواجهة شاملة، لأنه بدوره يعلم أن هذه الحرب ستكون مكلفة على لبنان وبيئة الحزب، لأنه في حال تم الحرب ودمر جنوب لبنان والضاحية الجنوبية، ليس هناك من يعمر ويعيد البناء كما حدث في عام 2006".
وأوضح أن العرب في عام 2006 كانوا داعمين للحزب في حربه ضد إسرائيل، وبعد توقف الحرب جاءت السعودية وقطر وقاموا بتعمير الجنوب، لكن اليوم حزب الله ذهب بعيدًا في معاداة دول الخليج العربي على خلفية الحرب مع الخليج و"أنصار الله"، وبالتالي قد يبقى لبنان بعد الحرب لعقود دون إعادة إعمار ما سوف تدمره إسرائيل في حال شن الحرب على الجنوب.
كلفة باهظة
من جانبه اعتبر الدكتور علي عبدو، الأكاديمي والمحلل السياسي اللبناني، أن هناك حديثا عبر قنوات الإعلام الإسرائيلية منذ أيام يدور حول إيعاز رئيس هيئة الأركان للجيش الإسرائيلي بإعداد خطط عسكرية لعملية برية ممكنة في لبنان، خاصة بعد الفشل الذريع الذي واجهه هذا الجيش في حربه على قطاع غزة وتكبده العديد من الخسائر.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، الجيش الإسرائيلي يحاول إعادة تطوير وتصحيح الخطط التي كانت موضوعة، خاصة أن حربهم مع لبنان لم تنته، وبالتالي من غير الممكن ألا يكون الجيش الإسرائيلي قد وضع خطط في السابق، لكن الحديث يدور عن تعديلها وتطويرها وفق الخسائر التي واجهها في غزة.
وتابع: "نسمع أن إسرائيل تمهل لبنان حتى 15 مارس/ أذار للتوصل إلى تسوية سياسية وإلا فإن التصعيد سيكون سيد الموقف، وفي الشكل الأخير الواضح، أنه لا تسوية سياسية على الحدود اللبنانية طالما الحرب في قطاع غزة مستمرة، وأن جبهة لبنان غير منفصلة عن الحرب هناك، وهو ما أعلنته قيادة المقاومة في أكثر من مناسبة، بأن جبهة لبنان إسناد للقطاع، وهو التزام من قبل حزب الله وباقي محور المقاومة، عملا بمبدأ وحدة الساحات.
أما في المضمون، والكلام لا يزال على لسان عبدو، فإن هذه التصريحات لا تعدو كونها تهويلًا إعلاميًا، خاصة أن الحرب في جنوب لبنان قائمة منذ أحداث 7 أكتوبر وترتفع حدتها وفقا لظروف المعركة والتطورات الميدانية.
ويرى أن إسرائيل قلقة جدًا، وتهدد لبنان منذ أشهر، وتعاني في غزة دون تحقيق أي أهداف معلنة، ويبدو أن المعطيات تغيرت، والأمور باتت أكثر تعقيدًا، وأن نتنياهو استطاع توجيه إدارة بايدن باتجاه رغباته، مستغلًا ضعف الرئيس الأمريكي وتوزيع الأدوار الذي بات واضحا بين نتنياهو وبعض المسؤولين في الإدارة الأمريكية الحالية.
واستطرد بالقول: "لا يمكن التأكيد أنه لن تكون هناك حرب في المنطقة، وليس حربا على لبنان، باعتبار أن بيروت في حالة حرب مع إسرائيل تتوسع وفقا للمعطيات والظروف، كما لا يمكن التأكيد بأن الحرب واقعة كما يصرح الجيش الإسرائيلي"، مؤكدًا أن الواقع يشير إلى عدم نية الجميع بتوسيع الحرب باستثناء نتنياهو، ولكن لهذا التهور كلفته العالية، حيث لا يمكنه دخول لبنان بريًا، نظرا لقوة المقاومة وجهوزيتها بكافة فصائلها".
وبين أن حركة أمل وفصائل أخرى أكدت أن أي اجتياح بري يمثل تعديا على السيادة اللبنانية وأنه سيواجه بكافة الإمكانيات المناسبة، كما أن الدخول الإسرائيلي في لبنان يعقبه دخول مضاد للمقاومة اللبنانية إلى الجليل، ولن تكون المعارك داخل لبنان فقط، لكن داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
إذا أرادت إسرائيل استخدام سياسة الأرض المحروقة كما فعل في غزة، فإن تكلفة هذا الموضوع باهظ جدًا ودون نتيجة، وسبق أن اختبر هذه الخسارة في غزة، ولن تستطيع الدول التي تدعمه من الاستمرار في دعمه خلال حرب مقبلة على لبنان ستكون كلفتها ووقتها أطول من غزة.
ويعتقد عبدو أن المنطقة دخلت في معارك استنزاف طويلة، وإسرائيل تلعب على حافة الهاوية، وهي مربكة في ظل عدم وضوح عدد من الاستحقاقات خاصة الانتخابات الأمريكية، فيما فصائل المقاومة رغم كل الآلام والتضحيات تربح استراتيجيًا، وهي الأقل انهاكًا، خاصة أنهم أصحاب أرض يهاجمون بإمكانيات متواضعة أخرى باهظة تدفعها إسرائيل ومن يدعمها.
يشار إلى أن وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، كان قد اتهم يوم الثلاثاء الماضي، "حزب الله" اللبناني بـ"جر المنطقة إلى تصعيد خطير".
وقال غالانت، خلال لقائه مع آموس هوكشتاين، مبعوث الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى الشرق الأوسط، إن "عدوان حزب الله يقربنا من نقطة الحسم فيما يتعلق بعملنا العسكري في لبنان"، بحسب موقع "واي نت" الإسرائيلي.
وشدد غالانت على أن هذا قد "يجر المنطقة إلى تصعيد خطير"، مؤكدا في الوقت ذاته ضرورة الالتزام بالجهد السياسي.
من جهته، أكد الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصر الله، أن "هدف إسرائيل من استهداف المدنيين هو الضغط على المقاومة لتتوقف عن مساندة غزة".