طرح الملف مجددا ضمن مجموعة من الملفات التي تشكل عقدة العلاقات بين البلدين، وسبب توتراتها منذ وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى الحكم.
وترى فئة كبيرة من الشارع الجزائري، وفق الخبراء، أن فرنسا لم تتخل عن سياستها الاستعمارية بعد، وأنها غير جادة في اتخاذ خطوات في هذا الشأن.
وترفض باريس الاعتذار عن الجرائم التي ارتكبتها خلال فترة الاستعمار، كما ترفض الإفراج عن الأرشيف الجزائري، وخرائط التفجيرات النووية.
وفي وقت سابق أكدت نحو 20 منظمة غير حكومية عبر ملف تم تقديمه للإليزيه، أن "سلوك طريق فهم الدوامة القمعية التي أدت إلى ممارسة التعذيب، الذي شكل الاغتصاب أداته الأساسية ليس تعبيرا عن الندم، بل هو عامل من عوامل الثقة بقيم الأمة".
جاء في مقدمة المنظمات "رابطة حقوق الإنسان و"المجندون السابقون في حرب الجزائر وأصدقاؤهم ضد الحرب".
وكان الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، قد اعترف أمام البرلمان سنة 2012 بالمعاناة التي عاشها الشعب الجزائري على يد الاستعمار الفرنسي، وقام كاتب الدولة المكلف بالمحاربين القدامى والذاكرة جون مارك تودتشيني، بتجسيد ذلك الاعتراف حينما تنقل في نيسان/ أبريل 2015، إلى مدينة سطيف للترحم على روح سعّال بوزيد، أول ضحية لمجازر 8 أيار/ مايو 1945.
ومن المرتقب أن يجري الرئيس الجزائري زيارة إلى باريس خلال الربع الأخير من العام، الأمر الذي دفع المنظمات الحقوقية والجمعيات لإعادة طرح الملفات الشائكة بين البلدين.
من ناحيته قال المؤرخ الجزائري الأستاذ الدكتور محمد الأمين بلغيث، إن العلاقة بين الجزائر وفرنسا من منظور الذاكرة "كما يسميها البعض" علاقة غير طبيعية، خاصة مع التساؤلات التي تطرحها بشأن ما إن كانت ما تزال فرنسا تسيطر أوتريد بسط نفوذها بشكل أقوى؟.
يضيف المؤرخ الجزائري بقوله " تتنفس فرنسا أوكسجين الزمن الاستعماري من أيام ألكسيس دي طوكفيل إلى جول فيري وغيرهما من أرباب الظاهرة الاستعمارية، ولن تستطيع فرنسا الخروج عن هذه الفلسفة، وهي سياسة الهيمنة والحلم الإمبراطوري".
وتابع في حديثه مع طسبوتنيك"، أن باريس "تتآمر علينا في كل حين، بل تشتمنا إذا تمنّع بعض الساسة ولم يخضعوا لابتزاز سادة الإليزيه، بل يسعون إلى الهيمنة على الجزائر؛، وبالمقابل يتودد البعض إلى فرنسا".
ولفت إلى أن الرئيس الفرنسي أول من سارع إلى تأييد دولة الفصل العنصري لتأييدها فيما يذهب له الغرب من أكاذيب وتحريف أي "حق إسرائيل القانوني في الدفاع عن نفسها والأغرب تصريح الرئيس الفرنسي بتشكيل قوة لسحق حماس".
ويرى المؤرخ الجزائري أن الرئاسة الجزائرية لا تجهل هذه المواقف وتشير أصوات برلمانية فرنسية حرة عن مشاركة نوعية لفرنسيين ضمن الجيش الإسرائيلي المدجج بالسلاح والقنابل الفوسفورية الأمريكية في قتل النساء والشيوخ والأطفال وتدمير المستشفيات والجامعات، في فلسطين.
وبشأن جدوى الزيارة قال المؤرخ "لا نتوقع تطورًا في العلاقات بين الدولتين، خاصة وأن "الدولة العميقة" في فرنسا تتحكم في مفاصل وسائل الإعلام الثقيلة، التي تسيطر عليها لوبيات صهيونية ويمينية متطرفة لا تزال تحن إلى زمن" الجزائر الفرنسية".
بشأن فتح الملفات الشائكة بين البلدين، يوضح المؤرخ الجزائري أن هناك أولويات، تبدأ بتجريم ليس الظاهرة الاستعمارية فحسب بل تجريم الجيش الإمبراطوري الذي قام بالاعتداء على دولة سيدة كانت تطعم فرنسا، إذا جاعت وتدافع عنها في مواجهة خصومها، وهذا ما تظهره الوثائق الأوروبية والفرنسية تحديدًا.
وتابع "أما قضية التعذيب وهتك حرمات النساء وبقر بطون النساء فهي ظاهرة فرنسية بامتياز لا تشبهها في التاريخ إلا بما تقوم به عصابات جيش الفصل العنصري في غزة منذ أكثر من خمسة أشهر".
واستطرد" تستتند الدولة الجزائرية في ملفاتها إلى ما تملك من وثائق وشهادات وتصريحات فاعلين لهذا تبدو قضايا القتل والتهجير والنفي والقضاء على أكثر من 58 %من ساكنة الجزائر من 1830 إلى غاية 1870م ليست مسألة بعيدة، وهي ملفات محرجة للرئيس ماكرون الذي يكرر دومًا أنه سوف لن يعتذر للجزائر، وبالمقابل يعتذر للخونة الجزائريين الذين قاتلوا إلى جنب معظم تشكيلات جيش فرنسا الاستعماري".
ويرى الخبير أن الملفات الأكثر حساسية الآن بين الجزائر وفرنسا، هي ملف التفجيرات النووية التي حدثت في 13 فبراير 1960 زمن الجمهورية الخامسة بقيادة الجنرال ديغول- ملف التعويضات وتطهير أماكن دفن النفايات النووية وتعويض الضحايا.
وختم بالقول إن الطرف الجزائري يراهن معرفته بشكل جيد حول الصراعات التي تعرفها فرنسا، ودورها في تأليب المعارضة في الخارج المدعومة من أطراف مشبوهة.
العقيد المتقاعد عبد الحميد العربي شريف الخبير الأمني والاستراتيجي الجزائري، يرى أن فرنسا لا تريد الاعتذار لأنها ارتكبت مجازر مروعة، حيث قتل أكثر من خمسة ملايين منذ 1832 إلى 1962، وضمنها مجازر جماعية، حيث أبيدت بعض القرى والمدن عن بالكامل.
وأضاف في حديثه لـ "سبوتنيك"، أن الإرث الاستعماري سيلاحق فرنسا، وأنها تخشى الاعتذار أو الاعتراف به، نظرا لأنها ستكون مطالبة بدفع التعويضات عن هذه الجرائم.
في العام 2017 وقبل زيارة ماكرون للجزائر بأيام اشترط وزير جزائري على باريس تقديم اعتذار علني عن جرائم الاستعمار الفرنسي، من أجل التطبيع الكامل للعلاقات الجزائرية الفرنسية.
وقال وزير قدماء المحاربين الجزائريين، الطيب زيتوني، في برنامج بثته الإذاعة الجزائرية الرسمية، في ديسمبر/ كانون الأول، إن العلاقات بين البلدين لن ترقى ولن تكون طبيعية إلا بتقديم الاعتذار والتعويض والاعتراف بالجرائم من قبل فرنسا، وهو مطلب شرعي يجب الاستجابة إليه.
وفي سبتمبر 2018 أقرت الرئاسة الفرنسية، بأنها استخدمت نظام التعذيب خلال حرب الاستقلال الجزائرية.
ويرى مراقبون أن تهرب فرنسا من الاعتذار قد يفتح عليها العديد الأبواب في كل أفريقيا التي ما زالت الكثير من بلدانها تدفع حتى اليوم ثمن استقلالها، وهو ما يفوق 50 مليار يورو سنويا.