الناتو يدشن خطة قديمة منذ 20 عاما لمواجهة روسيا
ضم حلف شمال الأطلسي كل من بلغاريا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينا، قبل 20 عاما، ضمن فترة توسع كاسحة لما بعد الحرب الباردة، والآن تشكل الأنشطة التي يقوم بها الناتو (برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية) في أوروبا الشرقية ومنطقة البحر الأسود تهديداً مباشراً لروسيا.
Sputnikقالت وزارة الخارجية الروسية لـ"سبوتنيك"، يوم أمس الخميس، إن أنشطة حلف شمال الأطلسي في أوروبا الشرقية ومنطقة البحر الأسود هي جزء من الاستعدادات لصراع محتمل مع موسكو.
وأضافت وزارة الخارجية الروسية أن حشد الكتلة العسكرية في رومانيا وبولندا ودول البلطيق أمر استفزازي ويؤدي إلى تفاقم التوتر العسكري على طول محيط الحدود الروسية ويخلق تهديدات لأمن البلاد.
وفقًا للدكتور جورج زامويلي، زميل أبحاث كبير في معهد السياسة العالمية ومؤلف كتاب "القنابل من أجل السلام"، لوكالة "سبوتنيك"، فإنه بدأت عسكرة الناتو في أوروبا الشرقية وساحل البحر الأسود تتكثف منذ عام 2014، في أعقاب انقلاب "الميدان" في أوكرانيا وبدء الحرب في دونباس.
وأضاف زامويلي أنه "كانت تلك فرصة لعسكرة حلف شمال الأطلسي على نطاق واسع، وأعني أن حلف شمال الأطلسي حاول بوضوح تبرير ذلك من خلال الادعاء بأنه كان يتصرف بشكل دفاعي ردًا على روسيا، لكنه بالطبع كان يبني بالفعل على العسكرة التي كانت ضمنية بالفعل في توسيع حلف شمال الأطلسي".
مسيرة الناتو الممتدة لعقود في الشرق الأوروبي
وفي عام 1999، شرعت الكتلة العسكرية (الناتو) التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية في مسيرتها نحو الشرق من خلال ضم بولندا والمجر وجمهورية التشيك إلى عضوية حلف شمال الأطلسي في عام 1999.
وفي الجولة التالية من التوسع (وهي الخامسة منذ تأسيس الناتو)، تم ضم كل من بلغاريا، وإستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا، ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا إلى الحلف في عام 2004، وتم قبول دول غرب البلقان بين عامي 2009 و2020، في حين تم استيعاب فنلندا والسويد في الحلف في عامي 2023 و2024 على التوالي، مما عزز وجود الناتو في بحر البلطيق.
وفي عام 2008، قطع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي آنذاك، جاب دي هوب شيفر، وعداً للحكومة الأوكرانية الموالية للغرب بقيادة فيكتور يوشتشينكو، بقبول الدولة الواقعة في أوروبا الشرقية (أوكرانيا) في الحلف.
ومع ذلك، وجدت أوكرانيا نفسها منقسمة بشأن هذه القضية. وكانت المناطق الشرقية من أوكرانيا أكثر ميلاً إلى الحفاظ على العلاقات مع روسيا، التي عارضت بشدة توسع حلف شمال الأطلسي شرقاً، واعتبرت روسيا هذا التوسع بمثابة انتهاك لالتزام الغرب بعدم الاقتراب من حدودها بعد نهاية الحرب الباردة.
وقد غيَّر الانقلاب الذي دعمته الولايات المتحدة الأمريكية في فبراير/ شباط 2014 كل شيء، مع استيلاء نظام كييف على السلطة، وإسكات الموالين لروسيا، وإطلاق العنان للحرب على دونباس، ومنذ ذلك الحين، زادت الدول الأعضاء في الناتو دعمها للقوات الأوكرانية من خلال توفير التدريب والأسلحة، بالإضافة إلى ذلك، تم إنشاء عدد هائل من القواعد السرية لوكالة المخابرات المركزية، 12 في المجمل وفقًا للتقارير، في جميع أنحاء الدولة الواقعة في أوروبا الشرقية.
ويشيد الموقع الإلكتروني للحلف بتعزيز الجناح الشرقي للناتو، ويصفه بأنه "عنصر مهم في الردع والدفاع للناتو"، وبدءًا من عام 2017، نشر الناتو أربع مجموعات قتالية متعددة الجنسيات بحجم كتيبة في إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا، بقيادة المملكة المتحدة وكندا وألمانيا والولايات المتحدة، على التوالي.
وسعى الناتو أيضًا إلى ضمان تحركات سلسة لقواته عبر أوروبا، بما في ذلك إلى جوانبه الشرقية، وروّج لإنشاء ما يسمى بمنطقة "شنغن العسكرية" في عام 2017، ودعا الكتلة إلى تفكيك العقبات المادية والقانونية والتنظيمية والإدارية داخل الاتحاد الأوروبي أمام تسهيل عملية نقل الأسلحة والقوات، وقد اكتسب هذا المفهوم زخماً خلال الصراع في أوكرانيا.
إن
العملية العسكرية الخاصة التي قامت بها موسكو، والتي بدأت رداً على توسع حلف شمال الأطلسي المستمر وعسكرة المناطق المتاخمة لروسيا، استخدمت من قبل الكتلة العسكرية عبر الأطلسي كذريعة لمزيد من التوسع.
منذ فبراير/ شباط 2022، عزز الناتو المجموعات القتالية الأربع الموجودة على جناحه الشرقي وأنشأ أربع كتائب متعددة الجنسيات في بلغاريا والمجر ورومانيا وسلوفاكيا، مما ضاعف عدد القوات على الأرض. واعتبارًا من فبراير 2024، بلغ عدد قوات الناتو على أرض الجناح الشرقي 150 ألف جندي، وفقًا لمجلة "فورين بوليسي".
كما عززت الكتلة العسكرية عبر الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية قواتها البحرية والجوية من بحر البلطيق في الشمال إلى البحر الأسود في الجنوب، على مقربة من الحدود الروسية.
الناتو يوسع وجوده في البحر الأسود وبحر البلطيق
فبعد انضمام فنلندا والسويد إلى عضوية منظمة حلف شمال الأطلسي، نجح الحلف في تحويل بحر البلطيق إلى "بحيرة" للحلف، بالإضافة إلى ذلك، بدأت الكتلة العسكرية في توسيع قاعدة "ميهايل كوجالنيشينو" الجوية السابعة والخمسين للقوات الجوية الرومانية والتي ستستوعب ما يصل إلى 10000 جندي من جنود الناتو ومدارج جديدة ومنصات أسلحة، وتقع القاعدة الموسعة بالقرب من ميناء كونستانتا على البحر الأسود، على بعد نحو 80.1 ميلاً من الحدود الأوكرانية ونحو 186 ميلاً من مدينة أوديسا الساحلية.
وقال زامولي: "إذا نظرت إلى الخريطة، فمن الواضح أن البحر الأسود يمثل جائزة استراتيجية رئيسية لحلف شمال الأطلسي، وأعني، لديهم بالفعل بحر البلطيق، لقد أغلقوا بحر البلطيق ويزعمون بغطرسة في الواقع أن بحر البلطيق هو بحيرة تابعة لحلف شمال الأطلسي، وكان هذا دائمًا هو الهدف وراء انقلاب الميدان في عام 2014 في أوكرانيا، لأن الهدف لم يكن مجرد ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، بل الاستيلاء على البحر الأسود. ولديهم بالفعل رومانيا وبلغاريا وتركيا، ثم يتم دفع روسيا فعليًا إلى شرق البحر الأسود، وسيتحول البحر الأسود إلى حد كبير إلى بحيرة تابعة لحلف شمال الأطلسي".
ووفقا له، "كان هذا هو هدف فيكتوريا نولاند (دبلوماسية أمريكية مناهضة لروسيا)، وهو أن (الولايات المتحدةالأمريكية) تريد شبه جزيرة القرم، ولهذا السبب كان تحرك روسيا في عام 2014 لضمان إعادة دمج شبه جزيرة القرم في روسيا بمثابة ضربة كبيرة لحلف شمال الأطلسي".
نهاية لعبة الناتو.. ما هي؟
وشدد زامولي على أن "الهدف العام هو التقليل من شأن روسيا كقوة عظمى، وأعني، إذا كنت تسيطر بالفعل على منطقة البلطيق ثم إذا سيطرت على البحر الأسود، فإن روسيا ستتضاءل كثيرًا، وهذا أيضًا جزء من الهدف وراء حرصهم على ضم أوكرانيا إلى الناتو، لأنه بعد ذلك، في الأساس روسيا محاطة بدول تابعة لحلف شمال الأطلسي. وبالطبع، سوف تصبح قواعد أمامية لحلف شمال الأطلسي. وروسيا محاطة بتحالف عسكري معادٍ، وبالتالي فهي غير قادرة بأي شكل من الأشكال على فرض نفسها في العالم".
وأضاف: "الآن بالطبع، الأمر مختلف قليلاً لأنهم يعرفون بعد الحرب أنه مهما كانت النتيجة النهائية، فإن روسيا سوف توسع سيطرتها على ساحل البحر الأسود. الآن، وإذا استولت روسيا على أوديسا وقامت ببناء خط أرضي يصل إلى بريدنيستروفيا، فسيتم تدمير خطة السيطرة على البحر الأسود بالطبع".
"ليس لدى روسيا أي خطط لمهاجمة الناتو"
وبحسب الخبير، فإنه "على الرغم من ادعاء إدارة بايدن وزعماء الناتو بأن موسكو حريصة على مهاجمة الدول الأعضاء في الحلف إذا "سمح لها" بالفوز في أوكرانيا، فمن الواضح أن روسيا ليس لديها أي خطط من هذا النوع".
وأوضح زامولي أن تأكيد الغرب الغريب هو "الطريقة الوحيدة التي يمكنهم من خلالها إقناع الجمهور بدعم سياسة خارجية من الواضح أن الجمهور لا يدعمها"، مضيفًا أنها "لم تكن ناجحة جدًا حتى الآن".
وأشار إلى أن "عليهم أن يقدموا الأمر بطريقة مفادها أن روسيا هي المعتدي، في حين أن الواقع، والذي كان من الواضح أنه تم إبقاؤه بعيدًا عن الجمهور، والحقيقة هي أن هذه الحرب قد أثارها توسع الناتو، ولقد كان الناتو هو الذي كان يتصرف بطريقة عدوانية، وكان الناتو هو الذي دفع حدوده نحو روسيا، وهو الذي أراد دمج العديد من الدول التابعة داخل حدوده، وبالفعل، هذا هو الناتو الذي يبني هذه القاعدة الجوية الضخمة بالقرب من كونستانتا".