"سكبة" رمضان و"الأكلة البيضاء".. طقوس رمضانية تجسد أصالة التكافل في سوريا

سكبة رمضان والأكلة البيضاء.. طقوس رمضانية تجسد أصالة التكافل في سوريا
في الأزقة العتيقة، حيث حجارة البيوت تعرّش على أكتاف بعضها، في بوح سرمدي لحكايا الألفة والمحبة التي تكتنف ساكنيها، تحمل الطفلة ماريا (9 سنوات) بين يديها "سكبة رمضان".
Sputnik
على مهل، تسير ماريا نحو منزل الجيران، تدّق الباب بارتباك وهي تحاول المحافظة على توازن الصحن الذي تحمله بيدها الأخرى، وما أن يفتح لها، حتى تسلّم "السكبة"، لتعود أدراجها إلى منزلها محمّلة بـ"سكبة" مقابلة من الجيران.
"سكبة رمضان"، هي صحن تتفنّن ربة المنزل بسكب ألذ ما حضّرته لمائدة الإفطار، وإرساله إلى جاراتها القريبات، في تقليد موروث لم يُنسَ بالتقادم ولم يرخِ التطور العمراني بثقله ليزيحه عن قائمة العادات الرمضانية التي لا تزال حاضرة في أذهان الأجيال المتعاقبة.
في حي "الطابيات" بمدينة اللاذقية، حيث الأزقة العتيقة والأبواب المتجاورة والشرفات المتكئة على حجارة بعضها بعضا، ما أن يقترب موعد الإفطار حتى تبدأ أبواب المنازل بالتناوب في إرسال سكبة رمضان بين الجيران، فما أن تنتهي مبادلة السكبات حتى ترى مائدة الإفطار عامرة بأصناف مأكولات عدة.
سكبة رمضان والأكلة البيضاء.. طقوس رمضانية تجسد أصالة التكافل في سوريا
"سكبة" رمضان و"الأكلة البيضاء".. طقوس رمضانية تجسد أصالة التكافل في سوريا
السيدة عائشة عبيد (أم عمر)، تحرص على ارسال سكبة يومياً إلى جاراتها، محافظة على هذا التقليد الرمضاني الموروث، وتعليمه لبناتها اللواتي سيحافظن بدورهن على هذه العادة الأصيلة المرتبطة بالتراث الشعبي.

الحديث عن السكبة، له شجون وذكريات تسترجعها أم عمر، على عجل وحنين لتلك الأيام الخوالي.

تروي أم عمر لـ"سبوتنيك": "السكبة جزء من موروثنا الشعبي، وعاداتنا وتقاليدنا، إذ أذكر طفولتي عندما كانت أمي تطلب مني أن أحمل السكبة إلى جيراننا، ويجب أن يكون صحن الطعام مميز يحتوي على أطيب طبخة أعدّتها والدتي للإفطار".

وتضيف: "كنت أحمل السكبة إلى الجيران، ولا أعود للمنزل من دون أن تحمّلني الجارة سكبة ما أعدته للإفطار، وهي تقول لي: "صحن السكبة ما بيرجع فاضي.. هو صحن الخير والبركة".

"سكبة" رمضان و"الأكلة البيضاء".. طقوس رمضانية تجسد أصالة التكافل في سوريا
وأشارت أم عمر إلى أن السكبة البيضاء، وهي الصحن الذي يكون فاتحة شهر رمضان، حيث جرت العادة أن تقوم النسوة في أول أيام رمضان بطبخ أكلة مكوناتها من اللبن كالشاكرية، كبة لبنية، ششبرك، مضيفة: "تقليد متوارث للتفاؤل ولتكون جميع ايام رمضان بيضاء وفيها بشارة خير".

وتستذكر أم عمر، عندما كانوا يتجمعون حول مائدة الإفطار، كيف المائدة تكون زاخرة بأنواع عدة من الطبخات المختلفة بالمقادير وفن الطبخ الذي يختلف من ربة منزل لأخرى، وتتابع: "كل طبخة أطيب من الأخرى، حيث كانت النسوة يتفنّن بالطبخ وكأنهن في تنافس على لقب أفضل "طباخة".

وأكدت أم عمر أن رؤية الأطفال قبل الإفطار يتناوبون من باب لباب وهم يحملون سكبة رمضان، مشهد يبعث السعادة في النفوس لما يحمل هذا المشهد من دليل على المحبة والألفة بين الناس.
وبينت أم عمر أن السكبة "لم تندثر بفعل تعاقب السنين والأجيال، لكنها تراجعت عما كان عليه الخال في السنين الخوالي، فالتطور العمراني جعل الجيران لا يختلطون ببعضهم، ناهيك أن غلاء المعيشة والوضع الاقتصادي الصعب، فرض قيوداً على السكبة في الأحياء الشعبية القديمة التي لا تزال تحافظ عليها لكن بشكل خجول، سواء من ناحية المكونات التي باتت نباتية أكثر وذلك بعد أن كانت في الماضي تعتمد على اللحوم، أو من ناحية عدم الالتزام بارسال السكبة يومياً".
وأضافت أم عمر: "ليس شرطاً أن تحتوي طبخة السكبة على اللحوم، فأنا أرسل لجارتي سكبة خبيزة أو تبولة وهي تبادلني بسكبة فتوش، مؤكدة أن السكبة الرمضانية بقيمتها المعنوية وليس المادية".
وشددت أم عمر على أهمية أن نعلم أولادنا الحفاظ على هذا الموروث انطلاقاً من تبادل الأكل، وأن يعم الخير بين الجيران فإذا كان جارك بخير فأنت بخير.
مناقشة