الصناعة الحلبية التي تعاني ظروف إنتاج قاسية، رفعت أسعار الألبسة وأخرجتها من حسابات أغلب العائلات، لكن بركة عيد الفطر أعادتها مع الحلويات إلى قائمة الاستهلاك رغم الغلاء الكبير، إلا أن خصوصية عيد الفطر عند الحلبيين، تلزمهم بالاحتفاء به وجعله سعيداً قدر الإمكان، حتى مع كل الضغوط الاقتصادية والتهديدات الأمنية المتواصلة التي تتربص بهذه المدينة شمالي سوريا.
تتحدث السيدة حميدة شيخ محمد، وهي أم لثلاثة أولاد، لـ"سبوتينك"، عن خصوصية عيد الفطر والاستعدادات لاستقباله، قائلة: "تلزمنا بركة العيد إدخال الفرح إلى قلوب أفراد العائلة وخاصة الأطفال، وهذا يتطلب شراء الألبسة وتحضير الحلويات".
أسواق حلب القديمة تفتح ذراعيها لعيد الفطر
© Sputnik . Sohaib Omraya
تعيش شيخ محمد ظروفا استثنائية مع عائلتها لناحية منطقة سكناها، قائلة عن هذا الأمر: "نحن من سكان جسر النيرب قرب مطار حلب الدولي، ونتعرض كل فترة لحالة من الرعب والذعر بسبب الضربات الإسرائيلية المتكررة، لكن سرعان ما نتخطاها، لذا يحق لنا بعد كل هذه الضغوط عيش فرحة العيد".
أسواق حلب القديمة تفتح ذراعيها لعيد الفطر
© Sputnik . Sohaib Omraya
وتضيف شيخ محمد: "غلاء الألبسة يحرمنا من شرائها لكل أفراد العائلة، ما يضطرنا إلى ترتيب الأولويات والاكتفاء بتأمينها للأطفال".
وتؤيدها بذلك الثلاثينية، ميس يوسف، وهي أم لطفلين، بالتأكيد على ضرورة عيش فرحة عيد الفطر وشراء مستلزماته ولو بالحد الأدنى، فتقول لـ"سبوتنيك": "من حق أطفالي عيش فرحة العيد كغيرهم من الأطفال، حتى لو شكّل ذلك إرهاقاً وضغطاً معيشياً نتيجة ارتفاع أسعار السلع والألبسة والحلويات".
أسواق حلب القديمة تفتح ذراعيها لعيد الفطر
© Sputnik . Sohaib Omraya
وتضيف يوسف: "بركة عيد الفطر توجب علينا عدم حرمان الأطفال من الفرح ومنع إحساسهم بالاختلاف عن الآخرين".
الريف "بيضة القبان"
تعتمد الأسواق الشعبية في مدينة حلب على أهالي الأرياف، الذين غابوا عنها خلال سنوات الحرب نتيجة تقطع السبل بين الريف والمدينة بسبب إجرام المجموعات الإرهابية وسيطرتها على أقسام من مدينة حلب وأريافها.
أسواق حلب القديمة تفتح ذراعيها لعيد الفطر
© Sputnik . Sohaib Omraya
لكن بعد تحرير مدينة حلب على أيدي الجيش العربي السوري وحلفائه، وعودة القسم الأكبر من الأرياف إلى سيطرة الدولة السورية، ها قد عاد الريفيون إلى عادتهم السابقة في التسوق من أسواق مدينة حلب، وإن بنسبة أقل بسبب غلاء أجور النقل.
أسواق حلب القديمة تفتح ذراعيها لعيد الفطر
© Sputnik . Sohaib Omraya
خلال الأيام القليلة الماضية، لوحظ قدوم أهل الريف بأعداد كبيرة كما في السنين التي سبقت الحرب.
وجيه إبراهيم، القادم من منطقة مسكنة في أقصى ريف حلب الشرقي، تحدث عن التحضير لعيد الفطر، قائلا لـ"سبوتنيك": "العيد له خصوصيته عند كل المسلمين، نبدأ في التحضير له في العشر الأواخر من شهر رمضان، عبر النزول إلى أسواق المدينة وشراء الألبسة والحلويات".
أسواق حلب القديمة تفتح ذراعيها لعيد الفطر
© Sputnik . Sohaib Omraya
ويضيف إبراهيم: "نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة، نلجأ كأغلب العائلات إلى تصميدية أو لمة يتم جمعها قبل فترة، وتخصص لشراء احتياجات العيد".
"البركة في الحوالات"
تكلفة العيد المرهقة تؤكدها السيدة الخمسينية، عائشة مرعي، التي تشدد على أنها ما كانت لتقدر على شراء أي من مستلزمات عيد الفطر، الذي يختلف بفرحته، حسب قولها، عن عيد الأضحى، لولا الحوالات الخارجية التي يرسلها أبناءها من المغترب، على نحو يمكنها من إحياء طقوس العيد.
أسواق حلب القديمة تفتح ذراعيها لعيد الفطر
© Sputnik . Sohaib Omraya
أما السيدة السبعينية، التي عرفت عن نفسها بأم جمعة، والقادمة من ريف حلب، تبدو على وجهها علامات التعب، فتحاول البحث عن الحلويات الأقل سعراً لشرائها من دون تفكير بالمطلق بشراء الألبسة، فأحوال عائلتها المادية المحدودة لا تسمح بذلك، لذا تحاول عيش تقاليد العيد بشكل اقتصادي.
حركة جيدة
ينتظر تجار حلب الأعياد لتحريك أسواق العاصمة الاقتصادية لسوريا، والتي تعاني ركوداً نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة الناجمة عن الحصار الأمريكي وتداعيات الحرب والزلزال.
أسواق حلب القديمة تفتح ذراعيها لعيد الفطر
© Sputnik . Sohaib Omraya
وبالفعل، فقد ساهم عيد الفطر في تحريك أسواق المدينة الشعبية وغيرها، إذ شهدت حركة جيدة وخاصة مع تقديم التجار عروضا وتخفيضات كثيرة، كما يشير التاجر عبد الرؤوف عبد الرزاق، إلى أن "حركة الأسواق في حلب هذا العام تبدو أفضل من العام الفائت".
يخالفه التاجر أبو راتب، الذي قال لـ"سبوتنيك": "حركة جيدة لكنها ليست أفضل من العام الفائت، فالوضع الاقتصادي هذا العام أقسى، لكن سكان المدينة يشترون ولا يحرمون أنفسهم من بهجة العيد"، قبل أن يعود ليتفق مع زميله في المهنة بالتأكيد على أن "الحوالات وزكاة الفطر زادا الحركة التجارية عن السابق".
أسواق حلب القديمة تفتح ذراعيها لعيد الفطر
© Sputnik . Sohaib Omraya
بائع بسطة عشريني وسط سوق "التلل"، يصرخ بأعلى صوته داعياً المتسوقين إلى الشراء عبر تقديم عروض وتخفيضات مغرية، وجود ازدحام على غير العادة، يفرح التجار، حسب قوله، فهم ينتظرون العيد لتحسين حركة البيع وتعويض خسائرهم وخاصة أن الناس لم تعد تشتري ألبسة إلا مرة في العام، سنة إلى سنة نتيجة الظروف المعيشية الصعبة.
أسواق حلب القديمة تفتح ذراعيها لعيد الفطر
© Sputnik . Sohaib Omraya
ويعتقد البائع ياسر الحسن، الذي يبيع ألبسة للأطفال على إحدى البسطات التي تنافس المحال التجارية في أسعارها أن "الناس تأقلمت مع الأوضاع الاقتصادية القاسية، التي لم تمنعها من عيش فرحة العيد، لكن كل حسب مقدرته".
أسواق حلب القديمة تفتح ذراعيها لعيد الفطر
© Sputnik . Sohaib Omraya
وبيّن التاجر حسن، في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن أسعار الألبسة تعد غالية جداً لدرجة يستصعب عليه ذكرها للزبائن أحياناً، علماً أن المشكلة تكمن في أسعار السلع الغذائية وعدم الاهتمام بالزراعة، فلو خفضت أسعار هذه السلع مع تقديم الدعم الكافي للمزارعين سيحصل نوع من التوازن بحيث تتمكن الأسر جميعاً من شراء احتياجاتها من الألبسة وحتى الحلويات.
أسواق حلب القديمة تفتح ذراعيها لعيد الفطر
© Sputnik . Sohaib Omraya
ويلفت حسن إلى أن "الأوضاع الاقتصادية المتفاقمة في العاصمة الاقتصادية حولته من صاحب ورشة خياطة لتصنيع الألبسة وبيعها إلى تاجر صغير يشتري ألبسة وييبعها على البسطة من أجل تأمين كفاف يومه وتأمين احتياجات عائلته".