غير أن إيطاليا أخذت خطوات منفردة لمعالجة هذا الملف مع دول الشمال الإفريقي المتمثلة في ليبيا وتونس على وجه الخصوص، فهل ستثمر هذه الجهود في الحد من هذه الظاهرة؟
ربما تتضح الكثير من الأمور والنقاط حول هذا الملف عقب الزيارة المرتقبة لرئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني في السابع عشر من أبريل الحالي إلى تونس.
البحث عن الحلول
التحركات الايطالية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، تأتي بالنيابة عن دول الاتحاد الأوروبي، إذ تعد روما البوابة الأولى لوصول المهاجرين إلى القارة العجوز، وفقا للمحلل السياسي إدريس أحميد، الذي يعتقد أن تعهد حكومة ميلوني بإيقاف الهجرة لإيطاليا يأتي في إطار الوعود الانتخابية، بالإضافة إلى المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها إيطاليا.
وتابع أحميد في تصريحه لـ "سبوتنيك" أن ملف الهجرة موضوع كبير يشغل بال الكثير من الدول وعلى رأسها دول الشمال المغاربي، لأنه يتعلق بهذه الأمواج البشرية التي تتحرك من الدول الإفريقية من أجل البحث عن فرص العيش الكريم، بسبب المعاناة التي تعاني منها الدول الإفريقية وعدم الاستقرار، بالإضافة إلى هيمنة الدول الاستعمارية عليها، مما جعل شباب هذه الدول بالمغامرة في الصحراء للوصول إلى أوروبا عبر دول الشمال الإفريقي.
وأوضح أن هناك تحركات أوروبية في نقل المهاجرين وكيفية الحد منها ومعالجة أسبابها، مشددا على ضرورة تغيير الدول الأوروبية سياستها وخلق تنمية حقيقية في إفريقيا، وإنهاء السيطرة الاحتكارية الأوروبية على اقتصاد أفريقيا.
يرى أحميد أن زيارة ميلوني المرتقبة لتونس سوف تتناول موضوع الهجرة الذي تطور وأصبح ينطلق بأعداد كبيرة، جاء بعد القرارات الأوروبية بعد تعديل السياسات الخاصة بالهجرة والتي تنص على إعادة المهاجرين لأوطانهم أو لدول العبور، وهذه مشكلة كبيرة بدأت بالفعل حيث تم إعادة أعداد من المهاجرين بالفعل إلى ليبيا وهذه مشكلة كبيرة لأن المهاجرين لا يريدون الاستقرار في ليبيا ودول العبور، وإنما يريدون العودة إلى أوروبا من جديد وهذه مشكلة كبيرة.
وأكد أن حكومة ميلوني تعي جيدا أن تونس تعاني من أزمات اقتصادية وتعهدت بتقديم مساعدات لتونس، وربما هناك تباينات في الموقف الأوروبي فيما يتعلق في دعم تونس، إذ أن تونس ترى أن موضوع السيادة هو اولوية.
وأشار إلى تصريحات الرئيس التونسي قيس السعيد التي قال فيها إن "تونس لن ترضى بموضوع السياسات الأوروبية فيما يتعلق بموضوع الهجرة ولن تكون تونس مأوى للمهاجرين"، مضيفا أن ليبيا تعاني من تراكم الكثير من المهاجرين بسبب عدم استقرارها والظروف السياسية التي تمر بها ومن الصعب السيطرة على هذا الملف.
واعتبر أن ليبيا هي النقطة الأضعف فيما يتعلق بتوجهات أوروبا من ناحية مسألة توطين هؤلاء المهاجرين في ليبيا خاصة في الغرب الليبي الذي يعاني نقص الأمن بالإضافة إلى الكثير من الإشكاليات الأخرى.
وتوقع أن تكون هناك زيارة للحكومة الإيطالية إلى ليبيا لمناقشة هذه الملفات المتكررة التي تحتاج لحل جذري يتمثل بموقف دولي موحد لمعالجة أسباب الهجرة، واعتبر أن معالجة موضوع الهجرة غير الشرعية يتعلق بضرورة تغيير السياسات الأوروبية الكبرى تجاه إفريقيا التي ترى بأن أفريقيا مواقع ثروات كبيرة.
جهود فردية
من جهته، يرى المحلل السياسي التونسي باسل الترجمان إن إيطاليا تحاول أن تلعب دور في أفريقيا في ظل تراجع الدور الفرنسي في شمال أفريقيا، وفي ظل تباين في السياسات الأوروبية خاصة وأن إيطاليا تستشعر بأنها تم إهمالها أوربيا في مواجهة قانون الهجرة، وبالتالي تحاول أن تلعب دورا منفردا من أجل حماية مصالحها أو مصالح الأمن القومي الإيطالي.
وتابع الترجمان في تصريح خاص لـ "سبوتنيك": "إيطاليا تتحرك مع دول المنطقة عبر رؤية ايطالية خارج إطار السياسات الأوروبية المُشتركة التي تعتبرها إيطاليا قد قامت بالغدر بها لأن دول الاتحاد الأوروبي لم تلتزم ولم تحترم تعهداتها في التعاطي مع ملفات الهجرة القادمة باتجاه أوروبا، وبالتالي فإن هذا التحرك الايطالي تجاه ليبيا وتونس بحكم الموقع الجغرافي، وأن إيطاليا تريد حلول تخفف ضغط تدفق الهجرة غير الشرعية باتجاه شواطئها".
وأشار إلى أن "تكرار الحديث عن ملف الهجرة هو أحد الملفات الحارقة في إيطاليا، خاصة وأن حجم المهاجرون تجاه ايطاليا كبير، وأن إيطاليا تريد أن تحد حلول في ظل تخلي الإتحاد الأوروبي عن دعمها ومساندتها وتركها وحيدة تعاني مصيرا يأبى الاتحاد الأوروبي أن يتعاطى فيه، وأنها تعاملت بنفس المنطق حيث إنها سهلت للمهاجرين مغادرة أراضيها باتجاه بقية دول الاتحاد الأوروبي".
وأوضح أن "ملف الهجرة لا يتعلق بليبيا وتونس وايطاليا فقط، لأن هذا الملف كبير وعميق وشائك وبه الكثير من التقاطعات التي يصعب أن يكون هناك حل محلي لها في ظل عدم وجود رؤية استراتيجية يمكن أن تساهم في إنهاء هذه الأزمة التي تسببت بها الدول الاستعمارية التي احتلت دول أفريقيا والتي لاعلاقة ليبيا أو تونس بها، بل وكانت ليبيا وتونس ضحايا هذا الاستعمار وأن كانت نتائجه أقل دموية وإجرام في نهب الثروات مثلما ما جرى في القارة الإفريقية".
محاولة ترقيع
واعتبر أن زيارة مليوني تأتي في محاولة ترقيع بعد تعهدها للرئيس التونسي قيس السعيد بجملة من التعهدات التي لم تحترمها إيطاليا واحترمتها تونس وليبيا والجزائر احترمتها بشكل كبير الكثير من التعهدات التي نفذتها وحيده بعيدا عن أي دعم أو مساندة.
وقال إن ميلوني تريد أن يكون هناك تشديد، ولكن ما هو الموقف الإيطالي تجاه تونس، خاصة وأن القضية ليست قضية تونسيه أو ليبيه، هناك جهود كبرى قامت بها الدولتان ومنها على سبيل المثال نجاح وزارة الداخلية الليبية بحكومة الوحدة الوطنية التي قامت بالسيطرة على معبر رأس جدير الحدودي مع تونس والذي سوف يساهم في ضبط الحدود بين البلدين، لأن هذا الأمر سوف ينعكس إيجابا على تونس لأنه من مصلحة تونس أن تعيش في أمن وسلام لأن هذا الأمر سوف ينعكس إيجابا على تونس والعكس صحيح.
وأكد أن نجاح ليبيا في السيطرة على حدودها سوف يساهم في نجاح البلدين في مكافحة ملفات الهجرة الغير شرعية التي يعلم الجميع أن هناك جريمة منظمة في أوروبا تقوم بالإتجار بالبشر، وليس من المعقول أن يأتي المهاجر على قدميه يسير آلاف الكيلومترات في الصحراء ليصل إلى البحر المتوسط هذا الأمر لا يتم إلا عن طريق عصابات منظمة تقوم بالاتجار بالبشر.
وتابع أن "جهود البلدين ستكون منصبة على كيفية حماية حدودهما، ولكن في ظل غياب الإسناد والدعم الدولي والموقف الدولي الصارم والصريح لن يكتب لكل هذه الجهود بالنجاح في قارة تعيش الفقر والجوع والتهميش وتسرق وتنهب ثرواتها من أجل أن يعيش غيرها بخير وسلام".
وأشار إلى أن إيطاليا تبحث اليوم عن جهود محلية من أجل الحد من تدفق المهاجرين عن أراضيها ولكن هذا الأمر يتجاوز حدود إمكانيات هذه الدول، من يقوم بنقل هؤلاء المهاجرون هم عصابات وجماعات دولية تستفيد من جمع الأموال من المهاجرين، وطالما لم تكن هناك رؤية حقيقية لدول الاتحاد الأوروبي التي نهبت ثروات القارة الافريقية ببناء اقتصاديات هذه الدول وإنهاء منظومات الفساد التي زرعتها لنهب أموالها وثرواتها سيبقى الحال على ما هو عليه ولا يستطيع أحد أن يحمي أحد حدود الآخرين.
وشدد على ضرورة أن يتم العمل والبناء لخلق آمال حقيقية ليعيش الأفارقة في أوطانهم بكرامة، وليس بنهب ثرواتهم ثم الطلب من ليبيا وتونس أن تمنع تدفق المهاجرين من أراضيها، فليست ليبيا وتونس من نهبت ثروات هذه الشعوب.