وتأتي المشاركة التونسية في خضم وضع مالي صعب تمر به البلاد، فاقمه تعثر تحصيل تمويلات جديدة خاصة بالعملة الصعبة بعد فشل مفاوضات سابقة مع صندوق النقد الدولي، بسبب رفض الرئيس التونسي قيس سعيد لما وصفه بـ "الإملاءات المدمرة" التي فرضها الصندوق مقابل حزمة دعم مالي بقيمة 1.9 مليار دولار.
وبحسب بيان لوزارة الاقتصاد والتخطيط، وحصلت "سبوتنيك" على نسخة منه، يضم الوفد التونسي المشارك كلا من وزيرة الاقتصاد والتخطيط فريال الورغي، ومحافظ البنك المركزي التونسي فتحي النوري، ومديرة ديوان رئيس الحكومة سامية الشرفي.
وتسعى الجهات التونسية من خلال هذه الزيارة إلى عرض توجهاتها الاقتصادية الحكومية "الرامية إلى الرفع من نسق النمو الاقتصادي والمحافظة على التوازنات المالية وتحسين الأوضاع الاجتماعية، في إطار رؤية تونس الاستراتيجية 2035 التي تم وضعها والمخطط التنموي 2023-2025".
ووفقا لذات البيان، سيتولى الوفد التونسي عقد مجموعة من اللقاءات مع كبار مسؤولي بعض المؤسسات المالية الإقليمية والدولية ونظرائهم من بلدان صديقة وشقيقة، بهدف التباحث في "تعزيز التعاون خاصة في هذه المرحلة الدقيقة التي تواجه فيها كافة دول العالم ولاسيما الدول النامية عديد الصعوبات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، فضلا عن التحديات المستجدة في الآونة الأخيرة في علاقة بالتغيرات المناخية والطاقة والأمن الغذائي. "
فرصة للحصول على تمويلات خارجية
يقول الخبير الاقتصادي بسام النيفر، في تصريح لـ "سبوتنيك"، إن اجتماع الربيع يمثل فرصة للوفد التونسي الذي تم تعيين أعضائه حديثا للتعرف إلى نظرائهم في البلدان الأخرى وممثلي المؤسسات المالية الدولية.
وتابع: "تتمثل مهمة وزيرة الاقتصاد والتخطيط في تقديم فكرة عن استراتيجية تونس في تحسين اقتصادها في الفترة المقبلة ومسار تنفيذ الإصلاحات التي ستعتمدها لتحقيقها، أما محافظ البنك المركزي فمهمته الأساسية هي التعريف بالاستراتيجية النقدية للبنك".
ويرى النيفر أن الوفد التونسي يسعى إلى الاستثمار في هذه المشاركة لتعبئة موارد مالية خارجية في ظل توقف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وذلك من خلال توطيد المعاملات مع الدول الشقيقة والصديقة التي قد تكون بديلا للصندوق.
ويوضح النيفر أن رفض الرئيس التونسي الصريح لإملاءات الصندوق لا يمنع تونس من المشاركة في مثل هذه الملتقيات الدولية خاصة وأنها تمتلك صفة العضو في صندوق النقد الدولي.
ويلاحظ الخبير الاقتصادي أن تونس تعاني من صعوبات حقيقية في تعبئة الموارد الخارجية اللازمة لسد عجز الموازنة الذي بلغ 3.2 مليار دولار.
وبسؤاله عن احتمالية عودة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، قال النيفر إن "الخطاب الدبلوماسي التونسي يتبنى دائما مقولة أن الباب ما يزال مفتوحا مع هذه المنظمة الدولية المانحة، ولكن واقعيا الجهات الرسمية التونسية ترفض هذا النوع من الإصلاحات التي يطلبها الصندوق وتعتبرها تمس بالجانب الاجتماعي وبالتالي لا يمكن الحديث عن تمويلات من صندوق النقد الدولي".
مفاوضات معلقة بقرار تونسي
بدوره، قال أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية، رضا الشكندالي، لـ "سبوتنيك"، إن الهدف من هذه الاجتماعات السنوية هو التعريف بالبرامج التي ستتبناها المؤسسات الدولية ممثلة في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للأطراف التي تدفع حصصا مالية فيها.
ولفت إلى أن اجتماع الربيع سيحدد أيضا المواضيع المهمة التي ستركز عليها هذه المؤسسات في الفترة المقبلة والتي سترتكز أساسا على التغيرات المناخية والمسائل الطاقية والمديونية.
وأضاف: "بالنسبة لتونس، مدى الاستفادة من هذه الاجتماعات مرتبط بوجود قرار رسمي بمواصلة التعامل مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي من عدمه".
وتابع: "إذا قررت تونس تغيير موقفها، فهذه الاجتماعات تعتبر فرصة لربط جسور التواصل مع الصندوق، خاصة في ظل التغيرات الجيوسياسية الأخيرة في الشرق الأوسط وتأثيرات الحرب على غزة التي يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع الأسعار العالمية للنفط وهو ما سيخلق صعوبات بالنسبة لتونس في الحصول على الموارد الخارجية من المحروقات".
ويرى الشكندالي أن مقاربة الصندوق تختلف عن مقاربة الرئيس التونسي الذي يعتبر أن الشروط التي يفرضها صندوق النقد الدولي على تونس لمنحه الاعتمادات المالية المطلوبة تمس من السيادة الوطنية والسلم الأهلي.
وأضاف: "إذا توفرت تونس رؤية واضحة للإصلاح الاقتصادي وحكومة متشبعة بهذه الرؤية فإنها يمكن أن تقنع بها صندوق النقد الدولي، وهذا يعتمد بالأساس على قدرة الفريق الحكومي على الاقناع".
ويعتقد أستاذ الاقتصاد أن يمكن لتونس التعامل مع صندوق النقد الدولي من منطلق ثنائي وأن تفرض شروطها، "لأن الجهات المانحة في النهاية تبحث عن ضمان لاسترجاع قروضها في المدة الزمنية المحددة، وهذه الضمانات تعتمد على مؤشرات محددة على غرار نسبة النمو وحجم الصادرات".
رفض للإملاءات الخارجية
وفي مناسبات عدة، شدد الرئيس التونسي قيس سعيد على رفضه التام لما وصفه بـ "إملاءات" صندوق النقد الدولي وبالتدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلي لتونس، معتبرًا أن سيادة تونس هي خط أحمر لا يمكن لأي دولة تجاوزه.
وفي خطوة غير مسبوقة، أعلن سعيّد خلال إشرافه على اجتماع مجلس الأمن القومي مساء أمس، أنه سيتولى دعوة بعض السفراء الأجانب لحث عواصمهم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لتونس.
وقال سعيد: "من يعتقد أنه يمكن أن يبسط وصايته على تونس فهو مخطئ.. نحن نتعامل مع أشقائنا وأصدقائنا ولكن في احترام متبادل لسيادتنا ومن يعتقد أنه يمكننا أن يربكنا فلينزع هذا الوهم''.
ويرى القيادي في حركة البعث، صهيب مريزيقي، أن الدول المقصودة بهذا الخطاب هي بالأساس الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا التي تسعى إلى التحكم في المشهد السياسي في تونس وتبسط توجهاتها السياسية والاقتصادية من أجل الضغط على تونس والمس من سيادتها، وفقا لقوله.
وتابع في تعليق لـ "سبوتنيك": "هذا الخطاب فيه أيضا تلميح لإيطاليا التي تؤدي رئيسة وزرائها غدا الأربعاء زيارة إلى تونس للتفاوض على ملف الهجرة غير النظامية، حيث أكد الرئيس على أن تونس لن تكون مقرا أو نقطة لعبور الأفارقة من جنوب الصحراء الذين تكثفت تجمعاتهم في عدد من المحافظات التونسية".
واعتبر مريزيقي أن استدعاء سفراء هذه الدول أصبح خطوة ضرورية من أجل الحفاظ على علاقة الود والتحالف السياسي والدبلوماسي والاقتصادي مع هذه الدول ومن أجل تكريس مبدأ استقلال القرار الوطني.
وتبنى المريزيقي التساؤل نفسه الذي طرحه الرئيس قيس سعيد: "لماذا لا تتدخل تونس في الشأن الإيطالي أو الفرنسي أو أي دولة أخرى؟"، مشيرًا إلى أن تونس تحترم المواثيق الدولية وسيادة الدول.