فما الذي يحمله الرئيس التركي إلى العراق في أو زيارة له منذ أكثر من عقد من الزمان وما هى الملفات المهمة والاستراتيجية المتوقع التوافق أو التوقيع عليها..ولماذا جاءت تلك الزيارة عقب عودة السوداني من واشنطن .. وهل تسمح إيران لتركيا ببسط نفوذها في العراق؟
بداية يقول عبد الملك الحسيني، المحلل السياسي العراقي، إن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق بعد أكثر من عقد من الزمن، تكتسب أهمية كبرى على صعيد تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين التي ظلت تشهد توترات طيلة الفترة الماضية.
حلول حقيقية
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قال في آخر تصريح له من واشنطن عن تلك الزيارة بأنها المرة الأولى التي نجد فيها رغبة حقيقية بين العراق وتركيا بالذهاب إلى الحلول وليس ترحيل للملفات".
وتابع الحسيني: "من خلال تصريحات المسؤولين في كلا الدولتين، فإن هذه الزيارة لن تكون عابرة وستشهد حلولا حقيقية لعدد من الملفات العالقة بين البلدين وعلى رأسها الملف الأمني المتضمن لنشاط حزب العمال الكردستاني الذي يتخذ من الأراضي العراقية منطلقا لتنفيذ عملياته باتجاه الحدود التركية".
ملفات على الطاولة
وأشار المحلل السياسي إلى أن" هناك تصريح لافت لرئيس الوزراء العراقي ويعد الأول من نوعه منذ أكثر من عقدين خلال زيارته لواشنطن، ولعله لأول مرة يصدر من مسؤول حكومي رفيع يحمل إشارة ضمنية إلى تنظيم PKK، حيث قال "لن نسمح بأن تكون الأراضي العراقية منطلقا للاعتداء على تركيا".
ومضى بقوله: "كذلك يحظى الملف الاقتصادي بين البلدين بأهمية كبرى، وتحرص أنقرة على تعزيز التبادل التجاري بينها وبين بغداد الذي يتجاوز الـ 15 مليار دولار سيما وأن العراق يحتل المركز الخامس عالميا من بين الدول الأكثر استيرادا من تركيا بعد ألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا".
وقال الحسيني: "الملف الأبرز والأخطر بالنسبة للعراقيين هو ملف المياه، حيث تحرص الحكومة العراقية على أن يحظى هذا الملف باهتمام كبير على طاولة الحوار مع الرئيس أردوغان والوفد المرافق له، على أمل أن يكون هناك حل جذري لهذه المشكلة لكي تعود الحياة الى نهري دجلة والفرات وتنعش الوضع الاقتصادي في العراق خاصة على مستوى القطاع الزراعي وتوليد الطاقة".
المشروع الأكبر
وعلى الصعيد الاستراتيجي يقول المحلل السياسي" "يٌعد طريق التنمية المشروع الأكبر على مستوى المنطقة الذي يعول عليه البلدان(تركيا والعراق) والذي يربط ميناء الفاو الكبير على الخليج العربي بتركيا من خلال شبكات السكة الحديدية والطرق، ومن شأن طريق التنمية هذا الذي تبلغ تكلفته 17 مليار دولار، أن يشكّل رابطاً جديداً بين آسيا وأوروبا، أو كما وصفه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بأنه سيربط الشرق بأوروبا من خلال ميناء الفاو".
وتابع: "هذا من شأنه أن يحدث تحولا في البنية التحتية للمواصلات في العراق، التي تشهد ترديا كبيرا، خاصة شبكات الطرق والسكك الحديدية التي فاقمت تكلفة التجارة والتبادل التجاري، ما أدّى إلى عرقلة الحركة الدولية والإقليمية للسلع والخدمات، ووفقا للحكومة العراقية، سيبدأ المشروع رسمياً في 2024 ويمتدّ على ثلاث مراحل حتى عام 2050".
ولفت الحسيني: "إلى أن هناك حزمة من الاتفاقات والمذكرات التي سيتم توقيعها بين البلدين أثناء هذه الزيارة، ولكن الذي يعول على مخرجات هذه الزيارة والاتفاقيات التي ستصدرعنها، عليه أن يعرف أيضا أن تركيا تضع الملف الأمني وخصوصا ما يتعلق بحزب العمال الكردستاني ملاصقاً لتنفيذ هذه الاتفاقيات".
توقيت حساس
من جانبه يقول عبد القادر النايل، عضو الميثاق الوطني العراقي: "تأتي زيارة الرئيس التركي للعراق بعد 12 عاما من الزيارة الأولى بعد الاحتلال الأمريكي، وتوقيت الزيارة المقررة يوم غدا هو توقيت حساس،لأنها تأتي في ظل تشابكات عدة ضمن ملفات متنوعة تشهدها المنطقة وتجاذبات إقليمية ودولية واسعة، ولاسيما في كثير من الملفات الخارجية كالحرب على غزة والوضع الاقتصادي عموما والنازحين وعدم الاستقرار في العراق وسوريا، مما عكس مشهد متصاعد جعل تركيا لاعباً رئيسا فيه".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "أن المعلومات الدقيقة تؤكد أن الرئيس التركي أردوغان سيوقع 37 مذكرة تفاهم مع الحكومة في العراق، تتعلق أغلبها بالطاقة والأمن والتجارة والصحة والمياه وأرجح أن أهم الملفات التي سيتم مناقشتها هي أزمة المياه التي يعاني منها العراق بسبب انخفاض مستوى مياه دجلة والفرات، وأما على الجانب التركي فمما لا شك فيه أن مشروع طريق التنمية تعتبره أنقرة هدفا استراتيجيا لها يعيد تحكمها في المشهد الاقتصادي العالمي، وسيكون من أولويات زيارة الرئيس التركي وهو يعتبر العمود الفقري لزيارته".
الترتيبات الأمنية
وأشار النايل، إلى أن "الجانب الأمني على الحدود العراقية -التركية يمثل أهمية كبرى في تلك الزيارة، نظرا لأن هناك ملفات تحتاج إلى عملية تكييف قانوني كالقواعد التركية التي جرى انشأها على الحدود العراقية والتي بلغت عددها 68 قاعدة إلى هذه اللحظة لحماية تركيا من هجمات حزب العمال الكردستاني".
وتابع: "لا شك أنه ضمن ملفات تبك الزيارة مناقشة وجود حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية، وسيتم الضغط على حكومة السوداني لإخراجه من العراق، كما أن ملف إعادة تصدير النفط من كردستان العراق سيكون حاضرا وبقوة، حيث سيخصص الرئيس التركي في برنامجه زيارة إلى أربيل، وهي رسالة واضحة بأن تركيا تدعم أربيل وترفض استهدافها".
تبادل المواقع
وأوضح النايل، "أن أهمية الزيارة تكمن في أنها تجيء مباشرة عقب زيارة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني إلى واشنطن مباشرة، حيث تضغط أمريكا لتقليص الوجود الإيراني والاعتماد على تركيا في ملفات مهمة، لذلك تحاول تركيا أن تكون بديل إيران للعراق في الملفات الاقتصادية والأمنية، وهذا بالتأكيد سيكون صعبا، لأن اللاعب السياسي الحالي المتمثل بالإطار التنسيقي واجنحته المسلحة ملتصقة بإيران وتحاول أن يكون العراق جميعه ملكا لإيران على جميع المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية".
مشيرا إلى أن "إيران ستعمل على إفشال اغلب الاتفاقيات بين حكومة السوداني وتركيا وتحاول الضغط للمماطلة في تنفيذها كما فعلت مع حكومة الكاظمي عندما وقع اتفاقية بين العراق والأردن ومصر لإنشاء طريق بري والربط الكهربائي مع الخليج ومد أنبوب النفط من البصرة إلى ميناء العقبة الأردني والتي لم تنفذ إلى الآن وهي تراوح في مكانها".
وتوقع عضو الميثاق الوطني،"رغم الزخم الذي يحيط بالزبارة وأهمية توقيتها إلا أن معظمها قد تقف أمام تنفيذه عقبات كبرى يتم صناعتها،لاسيما طريق التنمية والذي سيتم المماطلة فيه والسعي لافشاله، لأنه يتعارض مع الربط السككي وربط ميناء الخميني بميناء طرطوس السوري، وغيرها من المشاريع التي جعلت إيران تستفيد من الاقتصاد العراقي سنويا في ملف بيع الطاقة وتصدير المنتجات الغذائية إلى أكثر من 20 مليار دولار وبالتالي يعملون على المحافظة عليه".
القرار الكامل
ولفت النايل: إلى أنه" لابد من قراءة الوضع جيدا عند الدخول للعراق والتوقيع على اتفاقيات ومذكرات استراتيجية لأن حكومته لا تملك القرار الكامل، وعلى هذا الأساس فإن زيارة الرئيس التركي ستفيد حكومة السوداني، لكن لن تؤدي الغرض التركي الطامح إلى تنفيذ المصالح المشتركة مع العراق".
وأعلنت الخارجية التركية أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيجري زيارة إلى العراق قبل انتهاء أبريل/ نيسان الجاري.
كان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد أعلن في بداية مارس/أذار الماضي أن بلاده ستحل قضية الحدود مع العراق بشكل دائم في فصل الصيف المقبل.
وقال أردوغان، "نحن على وشك استكمال الحزام الأمني الذي يضمن أمن حدودنا مع العراق"، مشيرا إلى أنه "لا يزال هدفنا المتمثل في إنشاء ممر أمني بعمق 30 كيلومترا على طول الحدود السورية قائما".
وفي مارس/ آذار الماضي، وجهت بغداد مناشدة لأنقرة، بشأن حصتها من المياه من نهري دجلة والفرات، خاصة أن العراق يعاني من نقص كبير في كميات المياه أثرت على أنشطته الزراعية، التي كان آخرها إعلان وزارة الموارد المائية العراقية إيقاف زراعة الأرز والذرة الصفراء بسبب شح المياه في البلاد.