ما الذي يمكن أن تحدثه تلك الخطوة في الاقتصاد المصري، وما هو مردود الدفعة الأولى من الصفقة ومقدار الفجوة التمويلية والإجراءات الاقتصادية المنتظرة وتأثيرها على سعر الصرف والفائدة ومعدل التضخم في البلاد؟
بداية تقول حنان رمسيس، الخبيرة المصرية في سوق المال: "قد تفيد الدفعة الثانية من صفقة "رأس الحكمة" في الإفراج عن العديد من السلع المتواجدة داخل الموانئ، كما أنها قد تفيد في استقرار سعر الصرف ويمكن أن تعمل على تخفيض الدولار مقابل الجنيه بنسبة بسيطة جدا (قروش)".
الفائدة والتضخم
وأضافت رمسيس، في حديثها لـ"سبوتنيك": "يمكن للنظام المصرفي المصري، أن يستغل هذه الدفعة في تخفيض معدلات الفائدة وبالتالي تبدأ معدلات التضخم في الانخفاض تدريجيا، نظرا لأن البلاد ستكون قادرة على توفير السلع التي يحتاجها المواطن، لأن العرض هنا يمكن أن يزيد عن الطلب وبالتالي تنخفض الأسعار وفقا لقانون السوق، والتركيز الأكبر في تلك الفترة على سلة الأغذية مثل الذرة والألبان وغيرها".
وأشارت رمسيس إلى أن "الأمر قد يتغير وترتفع الأسعار كلما حل موعد تسديد أحد الأقساط والفوائد المستحقة على مصر، وهذا يعود إلى أننا لا نزال نسير على نفس المنوال، فليست هناك زيادة في الإنتاج وبالتالي الحركة التصديرية لم تنمو أو تتغير بالقوة الكافية لتوفير الدولار من أجل استقرار سعر الجنيه".
سعر الصرف
وتابعت رمسيس، بالقول: "هناك بعض الآراء تتحدث عن انخفاضات متتالية وشهرية للدولار مقابل الجنيه حتى يستقر السعر عند 40 جنيها للدولار الواحد، كل تلك الآراء نظرية وليست عملية، لأن العرض عندنا متواجد ومعلن أما الطلب فهو طلب مختفي لأنه لا يسمح للفرد العادي أن يحصل على الدولار، الذي يحتاج إليه من النظام المصرفي إلا لظروف معينة".
ولفتت رمسيس إلى أن "التغير الذي حدث كان هو السماح للمستورد أو المصدر بأن يحصل على المتحصلات الدولارية لكي يسدد المستحقات في وقتها، لكن في الحقيقة أن الأزمة لا تزال موجودة كما هي ويجب على الدولة أن تعمل على إيجاد حلول جذرية لتلك الأزمة وليست عمليات تسكين مؤقتة".
الأزمات الحادة
من جانبه، يقول الباحث المصري المتخصص في العلاقات الدولية والاقتصاد، أبو بكر الديب: "في اعتقادي أن صفقة "رأس الحكمة" ستضع الاقتصاد المصري على طريق التعافي، لكن الأزمات الحادة المتعلقة بالدولار لن تنتهي فورا نظرا للظروف التي تمر بها البلاد".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "ما جرى من توقيع صفقة "رأس الحكمة" كانت إجراءات مهمة للغاية تستهدف رفع معدلات الاستثمارات والسياحة، وبالتالي توفير عملة صعبة للاقتصاد المصري ما يقلل الضغط على الدولار وينعش الجنيه ويزيد الدخل القومي ويوفر فرص عمل، وعند انتعاش الجنيه مقابل الدولار سينعكس ذلك بالسلب على أسعار الذهب وبالتالي تبدأ بالانخفاض، وقد ارتفعت سندات مصر الدولارية قبيل الإعلان عن استثمارات جديدة وبعدها".
نتائج إيجابية
وأشار الديب إلى أن "ديون مصر الخارجية بلغت 164.5 مليار دولار، بنهاية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، من بينها نحو 48.5 مليار لصالح الدول العربية تشمل ودائع طويلة وقصيرة الأجل، وتعد الإمارات أكبر دائن عربي، حيث تتضمن الاتفاقية تطوير مدينة رأس الحكمة علاوة على تنازل الإمارات عن وديعة بقيمة 11 مليار دولار في البنك المركزي المصري، على أن يتم تحويلها إلى الجنيه واستخدامها في تمويل المشروع".
وقال الباحث المصري أن "صفقة رأس الحكمة بين مصر والإمارات، سينتج عنها عدة نتائج إيجابية على مستوى الاقتصاد المصري، منها تحجيم وإنها السوق الموازي للدولار بصورة عاجلة وهذا ما تحقق حتى الآن، علاوة على استقرار سوق الصرف وانخفاض سعر الدولار وعودة تحويلات المصريين في الخارج إلى القطاع المصرفي، وانخفاض معدل التضخم وأسعار الفائدة".
وتضمنت الدفعة الأولى التي تسلمتها مصر، عقب توقيع الصفقة الاستثمارية الكبرى "رأس الحكمة"، 15 مليار دولار، مقسمة إلى 10 مليارات دولار جاءت سيولة من الخارج مباشرة، بالإضافة إلى تنازل دولة الإمارات الممثلة في شركة أبوظبي القابضة، عن جزء من الودائع الموجودة بالبنك المركزي المصري، والتي تمثل 11 مليار دولار، تم استخدام 5 مليارات منها في الدفعة الأولى وتم تحويلها من دولار إلى جنيه مصري حتى يتم استخدامها من قبل شركة أبوظبي التنموية وشركة المشروع في إنشائه.
بينما تأتي الدفعة الثانية بإجمالي 20 مليار دولار، عبارة عن 14 مليار دولار تأتي سيولة مباشرة، بالإضافة إلى الجزء المتبقي من الودائع التي تمثل 6 مليارات دولار، وبهذا يكون هناك 24 مليار دولار سيولة مباشرة، بالإضافة إلى 11 مليار دولار كودائع سيتم تحويلها بالجنيه المصري، لاستخدامها في تنمية المشروع، بحسب صحف مصرية.
وكان مجلس الوزراء المصري، قد وافق على قرارات غدة تخص مدينة رأس الحكمة بالساحل الشمالي بمحافظة مطروح، وذلك ضمن مخطط تنمية وتطوير تلك المنطقة الواعدة، حيث تمت الموافقة على مشروع قرار بإنشاء منطقة حرة خاصة تحت اسم "شركة مشروع رأس الحكمة للتنمية العمرانية" بمدينة رأس الحكمة، إلى جانب الموافقة على مشروع قرار رئيس مجلس الوزراء بإنشاء منطقة استثمارية بمدينة رأس الحكمة.
ويعاني الاقتصاد المصري من أزمة تمويل ممتدة، حيث يبلغ العجز في تمويل الموازنة العامة نحو 15 مليار دولار، على مدار السنوات الخمس المقبلة، كما يشكل عجز الميزان التجاري مع الخارج أزمة ضاغطة على العملة المحلية، والتي فقدت نحو نصف قيمتها، في الفترة من مارس/ آذار 2022 وحتى يناير/ كانون الثاني 2023، وهو ما أدى لموجات تضخمية متتالية بلغت ذروتها، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لتصل إلى 24.9 في المئة، وفقًا لبيانات البنك المركزي، ما أدى بدوره لرفع سعر الفائدة، وهو ما يفاقم أزمة الدين العام مجددا.
رأس الحكمة... أضخم صفقة استثمار في تاريخ مصر
© Sputnik