وسيحضر الرئيس التونسي، وفقا لبيان وزارة الخارجية التونسية، الذي تلقت "سبوتنيك" نسخة منه، ضيف شرف في الجلسة الافتتاحية للاجتماع الوزاري العاشر لمنتدى التعاون العربي الصيني، الذي سينعقد يوم 30 مايو/أيار الجاري، بالعاصمة بكين.
ووجهت الدعوة، بحسب المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، إلى رؤساء 4 دول عربية، هي تونس ومصر والإمارات والبحرين، وتمتد الزيارة من 28 مايو الجاري إلى يوم 1 يونيو/حزيران المقبل.
وتعتبر هذه الزيارة التي يؤديها الرئيس التونسي مهمة بالنسبة لبلد يعاني من أزمة اقتصادية مستفحلة ومن صعوبة في دفع عجلة الاستثمار والنمو وفي توفير الاعتمادات المالية اللازمة لتغطية عجز الموازنة.
وشهد التقارب التونسي الصيني تطورا ملحوظا في الفترة الأخيرة، حيث سبق هذه الزيارة لقاء جمع الرئيس التونسي قيس سعيد، بوزير الشؤون الخارجية الصيني، وانغ يي، في يناير/ كانون الأول الماضي، أكد خلالها سعيد "تطلع تونس إلى إرساء شراكات واعدة وبرامج تعاون جديدة مع الصين، في عدة ميادين".
كما تلقى الرئيس سعيد، في الآونة الأخيرة، دعوة من نظيره الصيني للمشاركة في الدورة المقبلة لمنتدى التعاون الأفريقي الصيني، التي ستلتئم في شهر سبتمبر/ أيلول 2024 في بكين.
وبحسب متابعين، تعكس هذه اللقاءات التونسية الصينية وأيضا التونسية الروسية، سعي تونس إلى بناء مسار جديد لسياستها الخارجية بشكل يعيد لها التوازن ويخلصها من "التبعية" لشركائها التقليديين، وهو مسار يدعمه الامتعاض التونسي من التدخلات الأجنبية بلغ حد مطالبة سعيد، في الآونة الأخيرة، باستدعاء سفراء بعض الدول الأجانب للاحتجاج على التدخل الخارجي في شؤون البلاد.
رسالة للشركاء الغربيين
وفي تصريح لـ"سبوتنيك"، قال الخبير الاقتصادي بسام النيفر، إن "هذه الزيارة مهمة بالنسبة لتونس وتكتسي أبعادا مختلفة، تتفرع إلى ما هو اقتصادي وما هو سياسي".
وأوضح، بالقول: "من الناحية الاقتصادية، تتطلع تونس إلى التقليص من العجز التجاري مع الصين، الذي يبلغ 5 مليارات دينار سنويا، من خلال التركيز على الاستثمارات".
وبيّن النيفر أن "تونس، وعلى عكس ما يعتقده البعض، لا تبحث عن الحصول على تمويلات بديلة عن صندوق النقد الدولي من الصين، وإنما عن استثمارات جديدة تساعدها على خلق الثروة وتنشيط الاقتصاد".
وقال النيفر إن "مجال التعاون الصيني يكمن خاصة في الاستثمار في البنية التحتية، الذي خطت فيه خطوات كبيرة خاصة في الجزائر ومناطق أخرى من شمال أفريقيا".
وأضاف: "من الناحية السياسية، يبدو واضحا أن تونس تتجه إلى بناء علاقات استراتيجية مع الشرق وأساسا روسيا والصين، خاصة في ظل التوتر الحاصل مع المعسكر الغربي ومع أوروبا خصوصا بسبب أزمة المهاجرين غير النظاميين والضغوطات المسلطة على تونس، في هذا الجانب".
وأشار النيفر إلى وجود نوع من "الحضر المقنع" الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي على تونس، من حيث التمويلات الخارجية، وهو ما دفعها إلى اعتماد منهج "التعويل على الذات"، الذي مكنها من خلاص ديونها الخارجية والداخلية ولكن على حساب التنمية.
وتابع: "هناك سعي تونسي واضح إلى فتح نوافذ جديدة مع الصين، التي يمكن أن تكون شريكا لتونس على صعيد الاستثمارات، ومع روسيا التي يمكن لتونس أن تصدر لها وتستورد منها الحبوب والنفط".
ولفت النيفر إلى أن "الرئيس التونسي بصدد إرسال رسائل إلى شركائه التقليديين مفادها أن تونس لن تبقَ مكبلة اليدين ولن ترضخ للضغوطات الخارجية، وأنه بإمكانها أن تجد شركاء جدد يحترمون السيادة الوطنية للبلاد".
توجه نحو الشرق
بدوره، قال الناشط السياسي طارق الكحلاوي، لـ"سبوتنيك"، إن "زيارة الرئيس التونسي إلى الصين، تندرج ضمن توجّه جديد نحو تنويع الشراكات الخارجية لتونس باتجاه الشرق".
وأضاف: "من الواضح أن هناك انفتاحا غير مسبوق على عدد من الدول، التي كانت العلاقات التونسية معها محدودة مقارنة بالشراكات مع الغرب التي تعود إلى منتصف الستينات، وهو توجه عبّر عنه الرئيس قيس سعيد، بشكل واضح حين أعلن أن عهدا جديدا بصدد التشكل".
وأشار الكحلاوي إلى أن "زيارة الرئيس التونسي لروسيا وأيضا لإيران، مؤخرا، تتنزل في هذا الإطار"، مضيفا: "لم تكن زيارة إيران مقتصرة على تقديم واجب العزاء وإنما هي زيارة برمجت سابقا ولها أهدافها".
وقال إن "زيارة الصين ليست زيارة عادية في إطار المشاركة في منتدى التعاون العربي الصيني، وإنما هي زيارة دولة من المتوقع أن تتمخض عنها جملة من الاتفاقات، خاصة في ظل وجود رغبة سياسية في تقوية العلاقات مع هذا البلد".
وتابع: "زيارة وزير الخارجية الصيني، مؤخرا لتونس، وافتتاحه الأكاديمية الدبلوماسية بحضور الرئيس التونسي قيس سعيد، لم تكن أيضا لحظة عابرة، والهدف منها تأكيد قوة العلاقات الجديدة بين تونس والصين".
ولفت إلى أن "هذا التقارب يتزامن أيضا مع تقارب تونسي روسي، أكدته الزيارات الأخيرة بين المسؤولين من الجانبين والاتفاقات حول تزويد تونس بالحبوب وزيارة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى تونس، التي انتقد فيها بشكل واضح السياسات الغربية في المنطقة".
وقال الكحلاوي إن "كل هذه التطورات تؤشر على رغبة متبادلة بين تونس والشق الشرقي ممثلا في روسيا والصين وإيران، لمزيد من تقوية العلاقات دون أن تكون هناك قطيعة واضحة مع المحور الغربي".
خطوة لإعادة التوازن للعلاقات الخارجية التونسية
وفي تعليق لـ"سبوتنيك"، أشار وزير الخارجية الأسبق أحمد ونيس، إلى أن "هذه الزيارة تؤكد عمق العلاقات التي تجمع تونس بجمهورية الصين الشعبية".
وقال إن "تونس تعتبر أن البعد الصيني ضروري لإحداث التوازن في السياسة الخارجية التونسية"، مضيفا: "لا يجوز أن نبقى في استقطاب البحر الأبيض المتوسط وشمال المتوسط وضمن الجاذبية، التي تفرضها علينا الولايات المتحدة الأمريكية".
ولفت ونيس إلى أن "تونس تعتبر أن المرجع الصيني هو مرجع مهم من أجل ماضيه ونضاله ومن أجل وفاء الصين للقيم والمبادئ التي قامت عليها الحركة الوطنية التونسية".
وأشاد ونيس بالخطوة الصينية ومبادرة الرئيس شي جين بينغ، الذي وجّه الدعوة إلى الرئيس التونسي قيس سعيد، الذي استجاب لها، وقال إن "هذه الزيارة ستعيد ترتيب محور السياسة الخارجية التونسية ترتيبا صحيحا".
وأشار ونيس إلى أن "الصين تسعى أيضا إلى لعب دور الوساطة في إدارة التفاوض بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل"، مشددا على أن "دور الصين لا يجب أن يقتصر على المناطق العربية وإنما يجب أن يكون لها دور عالمي وتاريخي، خاصة وهي التي تمتلك صفة العضو القار في مجلس الأمن الدولي".
وفي هذا الإطار، يرى الناشط السياسي طارق الكحلاوي، أن "الصين ترغب في لعب دور متقدم في الصراع العربي الإسرائيلي، بشكل حذر، خاصة مع تراجع التأثير الأمريكي ومصداقية السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة وتراجعها حتى عن حل الدولتين وعدم تمسكها بالقرارات الأممية".
وأضاف: "الصين بصدد ملاحظة هذا الأمر وهي تحاول التقدم بثبات في المنطقة بدءا بالدور الأساسي الذي لعبته في المصالحة الإيرانية السعودية، وهو تقدم حذر تسعى فيه إلى عدم استنساخ الدور الغربي ويأخذ بعين الاعتبار استقلال القرار الوطني في المنطقة العربية".