وكان الجيش الإسرائيلي نفّذ مجزرة بحق النازحين في منطقة شمال غربي مدينة رفح، التي خُصصت لإقامة خيام للنازحين بعد تزايد أعدادهم من أنحاء القطاع إلى رفح، ويطلق على المنطقة التي قصفت في رفح، اسم "مخيم البركسات" لأنها تضم مراكز إيواء كبيرة مكونة من ألواح الصفيح، وتصنف ضمن "المناطق الإنسانية"، وتعتبر المنطقة الوحيدة التي شملتها خريطة نشرها الجيش الإسرائيلي للمناطق المسموح بوجود النازحين فيها.
وتضم المنطقة ما لا يقل عن 80 خيمة، وتؤوي أكثر من ثلاثة آلاف نازح، وبلغت حصيلة قتلى القصف الإسرائيلي على مخيم النازحين 45 قتيلا، بحسب وزارة الصحة في غزة، من بينهم 23 من النساء والأطفال وكبار السن، إضافة إلى إصابة أكثر من 249 آخرين، وخلّف القصف دمارا كبيرا في المخيم، وقد التهمت النار الناتجة عنه كل شيء، إلا الخوف والذكريات الصعبة التي لن تنسى، وشهادات مروّعة يرويها من عاشوا تلك اللحظات التي تفصل الموت عن الحياة.
النازحة أم جبر، نزحت من شمالي قطاع غزة مع من تبقى من عائلتها، وتنقلت في عدة مناطق، حتى وصلت إلى "مخيم البركسات"، وتروي أم جبر لحظات صعبة للغاية، شاهدت خلالها ما حدث بعد سقوط الصواريخ الإسرائيلية على الخيام، وقالت لوكالة "سبوتنيك":
وأضافت: "ألواح الصفيح لا تحمي من بداخلها، والقصف كان عنيف بشكل جنوني، والصواريخ ربما وزن الواحدة منها 2000 رطل من المتفجرات، سقطت لتدمير المخيم الذي نعيش فيه، وقد قالوا لنا إنه مكان أمن، لكني أقول لا يوجد مكان أمن هنا ولم يعد لنا مكان نذهب عليه، حتى جارنا الذي كان يشجعنا على البقاء هنا، قتل أبنه جراء القصف، لذلك لا أعتقد أنه سيبقى أحد منا هنا بعد الآن".
وفي وقت القصف، كان أبو محمود في منطقة قريبة من المخيم، وشاهد ما حدث داخل مكان الإيواء، وقد هرع مسرعا للمخيم لكي يطمئنعلى عائلته، وقال لـ"سبوتنيك":
ولا يعرف أبو محمود وباقي النازحين في هذا المخيم إلى أين يذهبون، بعدما تدمر المكان، وهم ينتظرون بالقرب من المكان الذي قتل فيه أقربائهم، وحرقت خيامهم، حتى تؤمن أماكن جديدة لهم، سواء في منطقة المواصي أو في دير البلح.
وتشهد محافظة رفح تصاعداً في القصف الجوي والمدفعي واستمرار تعميق العمليات البرية الإسرائيلية في معظم أحيائها، وفي منطقة دوار العلم برفح لم يتمكن النازحون من نقل القتلى والمصابين إلى أي مستشفى قريب، حتى وصول سيارات نقل خاصة، في مشهد قاتم يملئه البكاء.
وبجانب سيارة تكدست فيها جثث القتلى، يقف الشاب سعيد، وقد خنقته العبرات، وينتظر نقل أشقائه مع باقي القتلى، ويقول لوكالة "سبوتنيك":
وأضاف: "نزحنا من شمال قطاع غزة، وتنقلنا إلى أكثر من مكان، وقالوا لنا هنا منطقة أمنة، والآن قصفنا وقتلنا، لقد كانوا أطفال صغار يلعبون، يظنون أنهم في منطقة أمنة، قتلوا وتقطعت أجسادهم".
ويصوت مجلس الأمن الدولي، اليوم الخميس، على مشروع قرار جزائري لوقف الحرب الإسرائيلية المستمرة على رفح، وينص مشروع القرار على أنَّ مجلس الأمن قد "يقرر أنَّ إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، يجب أن توقف فورا هجومها العسكري، وأي عمل آخر في رفح".
ويذكر أن هذه الجلسة تعد أول تحرك من قبل مجلس الأمن منذ الهجوم الذي شنته الطائرات الإسرائيلية على خيام اللاجئين في رفح، وكانت محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة، قد أمرت قبل اسبوع، "إسرائيل بوقف فوري لعملياتها العسكرية وأي تحرك آخر في محافظة رفح، وضرورة المحافظة على فتح المعبر، لتمكين دخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة".
وطالبت المحكمة بموجب تدابير مؤقتة، أن تقوم دولة إسرائيل ووفقا لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، باتخاذ الإجراءات الملموسة لضمان وصول أي لجنة تحقيق أو تقصي حقائق للتحقيق من الأمم المتحدة في اتهامات الإبادة الجماعية الموجهة لها دون أي عائق.
ورغم الإدانات الأممية والدولية، يواصل الجيش الإسرائيلي حربه على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وبلغ عدد القتلى 36171، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، وعدد الإصابات 81420، فيما لا يزال آلاف الضحايا تحت الأنقاض.