هل يسهم قرار المجلس بفرض حظر التسليح على جوبا في استقرار جنوب السودان أم يزيد الأوضاع تعقيدا.. ولماذا أصرت واشنطن والاتحاد الأوروبي على تمرير القرار في الوقت الذي تستعد فيه جوبا لاستكمال تنفيذ بنود اتفاق السلام وبشكل خاص الترتيبات الأمنية؟
بداية، يقول الكاتب والمحلل السياسي في جنوب السودان، مايكل ريال كريستوفر، إن قرار مجلس الأمن بشأن مد حظر التسليح عن جوبا أتى في توقيت غير موفق، نظرا لما تمر به البلاد من احتقان سياسي ومشاكل قبلية تدور رحاها حتى هذه اللحظة في أعالي النيل.
حالة الاحتقان
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "قرار مجلس الأمن وإن كان يستند إلى حجج من بينها تقليص عدم وصول السلاح إلى المليشيات، إلا أن القرار في حقيقته يزيد من حالة الاحتقان ويضعف هيبة الدولة وقدرتها على السيطرة ولا يعالج الأزمات، كما أنه يفتح الباب أمام المزيد من المشكلات، خاصة في المناطق الحدودية مع السودان الشمالي وتدفق الآلاف من المواطنين هربا من الحرب الدائرة منذ أكثر من عام بين الجيش السوداني والدعم السريع".
وتابع كريستوفر: "أعتقد أن تعامل المجتمع الدولي وخاصة مجلس الأمن به نوع من التقصير وعدم التقييم السليم للوضع السياسي الداخلي والتداعيات السلبية التي يمكن أن تترتب على هذا القرار".
قرار مسيس
وأشار المحلل السياسي إلى أن القرار الذي اتخذه مجلس الأمن بشأن مد حظر التسليح لعام إضافي تشوبه شبهة التسييس من قبل المجموعات الدولية التي تعمل على تأجيج الصراعات في جنوب السودان والإقليم بشكل عام لمصالح سياسية وجيوسياسية في البلاد، علاوة على المصالح الاقتصادية.
وحول ردود الفعل في جوبا على القرار، يقول كريستوفر: "لم يكن هناك رد رسمي من الحكومة في جوبا، لكن عدد من نواب البرلمان استهجنوا تلك الخطوة وهذا القرار، ونتوقع في الأسبوع القادم خروج وزير الإعلام في تصريح خاص بقرار مجلس الأمن وكذلك قد تعقد الحكومة اجتماع قريب تعلن فيه الموقف الرسمي من قرار مجلس الأمن".
ويعتقد كريستوفر، أن يكون الهدف من قرار مجلس الأمن هو الضغط على الحكومة من أجل استكمال الترتيبات الأمنية في اتفاق السلام الذي جرى التوقيع عليه مع المعارضة، وهذا الأمر قد يكون رئيسي وراء موافقة مجلس الأمن على التمديد وإن كانت هناك سلبيات من وراء القرار تتفاقم مع مرور الوقت.
تداعيات سابقة
من جانبه، يقول المحلل السياسي بجنوب السودان، أندريا ماج، إن "قرار مجلس الأمن بتجديد حظر السلاح على جنوب السودان لمدة عام لم يأت من فراغ، فالجنوب دخل في حرب عام 2013، والدولة تستقبل الملايين داخليا وخارجيا، ولا يزال العنف يضرب بعض المناطق".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "هناك استقرار كبير في جنوب السودان لا نستطيع التغافل عنه، لكن هناك بعض المشاكل القبلية والعشائرية، في الوقت ذاته هناك عدد من المليشيات تحاول زعزعة الأمن والاستقرار".
وتابع ماج: "قرار حظر السلاح لم يفرض على حكومة جنوب السودان فحسب، إنما فُرض على كل من هو في جنوب السودان سواء كان حكومة أو مليشيا أو جهات متمردة، وهذا الأمر لا نستطيع القول بالإيجاب أو النفي أنه يصب في صالح جنوب السودان".
شكوك غربية
وأشار المحلل السياسي، إلى أن "حكومة جوبا تحتاح للسلاح من أجل تسليح قواتها المسلحة والقوات الأمنية لمواجهة المجموعات الخارجة عن القانون والمتمردة على الدولة، في نفس الوقت نجد أن انتشار السلاح ووصوله إلى أيدي المتمردين يمثل خطرا كبيرا على البلاد، لذا فإن رؤية مجلس الأمن قد تستند إلى أن وجود السلاح في جنوب السودان يعزز الصراعات لذا صدر قرار المجلس لوقف العدائيات أو تقليل العنف في البلاد".
ويعتقد ماج، أن "الحظر قد يتم تجديده لمدة أربع أو خمس سنوات قادمة قبل أن يتم رفعه، هذا الأمر قد يتسبب في عدم مقدرة الحكومة على بسط هيبة الدولة في كل مناطق جنوب السودان، لكن هناك شكوك لدى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي في حكومة جوبا، وأن رفع حظر التسليح قد يجعلها تتخذ خطوات غير أخلاقية، علاوة على تعزيزها للصراعات الداخلية، علاوة على أن المجتمع الدولي يردد حتى الآن أن حكومة جوبا لم تستطيع حتى الآن تكوين جيش وطني ذو عقيدة عسكرية".
القضية الكبرى
وحول العقبات التي تقف في طريق تنفيذ مخرجات اتفاق السلام وخاصة الترتيبات الأمنية، يقول المحلل السياسي: "أعتقد أن عدم الصدق هو القضية الكبرى في جنوب السودان، علاوة على عدم وجود الإرادة السياسية لدى الأطراف المتحاربة وشركاء السلام والنخب السياسية، لأنهم يتحدثون فقط ولا يفعلون وتلك هى المشكلة، لكن اتفاق السلام في حد ذاته جيد وتم تطبيق جزء كبير منه على الأرض، ونتوقع أن تكون هناك انتخابات في نهاية شهر ديسمبر/ كانون الأول المقبل".
وأصدر مجلس الأمن الدولي قبل يومين قرارا بتمديد حظر التسليح عن جنوب السودان لمدة عام جديد، وحصل القرار الذي تبنته الولايات المتحدة، على 9 أصوات، من أصل 15 عضوا، فيما امتنعت ست دول عن التصويت وهي "روسيا، والصين، وموزمبيق والجزائر وسيراليون، وغانا" ومدد القرار أيضا حظر السفر وتجميد الأصول على جنوب السودان في قائمة العقوبات حتى 31 مايو/ أيار 2025 بحسب "صحيفة التغيير" السودانية.
و فرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حظرا على الأسلحة على جنوب السودان لأول مرة في يوليو/ تموز 2018، في أعقاب تجدد العنف في يوليو 2016، الذي أدى إلى انهيار اتفاق السلام لعام 2015 الموقع لإنهاء سنوات من الصراع.