وتؤشر نتائج الانتخابات إلى قرب وصول اليمين المتطرف إلى سدة الحكم في فرنسا، حيث تمكّن حزب التجمع الوطني الفرنسي من الحصول على نصيب الأسد من أصوات الناخبين (32%)، وهو ما قاد الرئيس إيمانويل ماكرون إلى حلّ البرلمان والإعلان عن انتخابات تشريعية مبكرة، تزامنا مع تقدم ملحوظ للحزب اليميني المتطرف "البديل من أجل ألمانيا"، الذي أصبح ثاني أكبر قوة سياسية في انتخابات البرلمان الأوروبي في ألمانيا.
ويهدد صعود اليمين المتطرف الأوروبي بتضييق الخناق على المهاجرين غير النظاميين المعرضين للترحيل القسري وحتى الأجانب الموجودين على الأراضي الأوروبية خاصة بعد اعتماد المؤسسات الأوروبية ميثاقا موحدا بشأن الهجرة في مايو/أيار الماضي.
وتتبنى أيديولوجية أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا سياسة معاداة الأجانب والمهاجرين غير النظاميين ومعاداة الديمقراطية نوعا ما.
وكان "حزب البديل" قد ناقش بالفعل في اجتماع سري في بوتسدام خططا حول إمكانية ترحيل أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين من ألمانيا تحت مسمى "إعادة الهجرة".
التضييق على المهاجرين
وفي السياق، قال رئيس جمعية الأرض للجميع عماد السلطاني لـ "سبوتنيك"، إن الأشهر القادمة ستكون حبلى بالتضييقات على المهاجرين نتيجة صعود اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية الأخيرة.
وأضاف: "هذه المتغيرات السياسية ستفرز عن اتخاذ إجراءات جائرة في حق المهاجرين على غرار الترحيل القسري والمعاملات غير الإنسانية التي عرف بها اليمين المتطرف الأوروبي".
ويرى السلطاني أن اتفاقيات الهجرة التي وقعتها دول العبور ومنها تونس مع إيطاليا ودول أوروبية أخرى ساهمت في صعود اليمين المتطرف في الانتخابات، مضيفًا: "الاتفاقية التي وقعتها تونس مثلا قلصت بنسبة 60% من تدفقات المهاجرين غير النظاميين إلى السواحل الإيطالية".
وقال الحقوقي إن هذه الاتفاقات هي من أوصلت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إلى سدة الحكم بعد أن استغلتها كورقة سياسية في الانتخابات.
ولفت السلطاني إلى أن ملف الهجرة غير النظامية تحوّل من ملف إنساني إلى ملف سياسي، قائلا: "كل من يدخل السباق الانتخابي في أوروبا يعد الناخبين بترحيل المهاجرين وبطردهم وسجنهم وبتجاهل حقوقهم المكفولة بالمواثيق الدولية، وكل الأحزاب اليمينية المتطرفة صعدت إلى السلطة على ظهور المهاجرين".
وأشار السلطاني إلى أن وضع المهاجرين غير النظاميين سواء المتواجدين على الأراضي الأوروبية أو الذين يفكرون في العبور من تونس سيتعقد أكثر على ضوء الانتخابات الأوروبية الأخيرة.
وتابع: "المهاجرون في تونس يمرون بظروف صعبة وستزداد صعوبة في قادم الأيام، بفعل السياسات الأوروبية التي تسعى إلى تحويل تونس إلى سجن لهؤلاء المهاجرين".
إجراءات متشددة في الأفق
ويرى الوزير التونسي السابق والباحث في مجال الهجرة، المهدي المبروك، في تصريح لـ "سبوتنيك"، أن كل المؤشرات كانت تنبئ بصعود أحزاب اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية الأخيرة، مستفيدةً من السياق الاجتماعي المتوتر والأزمات الاقتصادية الحادة داخل الدول الأوروبية.
وقال المبروك إن هذه النتائج ستنعكس بشكل مباشر على المهاجرين النظاميين منهم وغير النظاميين، متوقعًا أن تطرأ تغييرات جديدة على مستوى القوانين التي ستصبح أكثر تشددا من الميثاق الموحد للهجرة.
وأضاف: "بعد أن كانت الهجرة غير النظامية ينظر لها كخطر اجتماعي يهدد بتغيير التركيبة الديموغرافية والهوية الأوروبية، الآن ينظر لها كخطر أمني وكمرادف للإرهاب".
وأشار المبروك إلى أن فوز اليمين المتطرف سيؤدي إلى اعتماد سياسات أكثر صرامة على صعيد التصرف في أدفاق المهاجرين القادمين إلى أوروبا، خاصة في سياق الضغوطات على دول شمال أفريقيا وخاصة تونس.
وتابع: "هذه النتائج ستنعكس أيضا على سياسات الإدماج، خاصة في ظل الحديث عن تعديلات في مستوى إسناد الجنسية واستقدام المهاجرين والعقوبات على الجريمة ولم الشمل العائلي".
ولفت الوزير التونسي السابق إلى أن هذه التشديدات ستنسحب على جميع الدول الأوروبية وستشمل بالأساس الجاليات العربية والمسلمة والأفريقية بشكل عام.
ورقة انتخابية
ولا يخفي المتحدث الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، في حديثه لـ"سبوتنيك"، تخوفه من تداعيات ولوج اليمين المتطرف إلى مراكز السلطة في أوروبا، خاصة وهو الذي يقود خطابات معادية للمهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء.
وقال: "وصول اليمين المتطرف الأوروبي إلى مواقع القرار سيعزز سياسات الهجرة الأوروبية التي لا تحترم حقوق المهاجرين في فضاء "شنغل"، وتونس ليست بمعزل عن هذه التطورات".
ويتوقع بن عمر أن تتسع دائرة الترحيل القسري للمهاجرين التونسيين على كامل الفضاء الأوروبي، بعد أن انطلقت في كل من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وسويسرا.
ولفت المتحدث الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى أن مستقبل التونسيين الأجانب المتواجدين على الأراضي الأوروبية بشكل نظامي سيكون أيضا على المحك، خاصة في ظل التقييدات التي طالت المساعدات الاجتماعية المخصصة للمهاجرين ووضعية المهاجرين القصر.
وقال بن عمر "إن أحزاب اليمين استغلت ملف الهجرة كورقة انتخابية للفوز بالانتخابات، على غرار رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني التي استفادت من اتفاقات الهجرة التي وقتها مع دول الجنوب ومنها تونس وليبيا ومصر ولبنان وموريتانيا".