وأعلنت وزارة الداخلية التونسية، يوم الأربعاء الماضي، في بيان لها، أنه تم "تأجيل فتح المعبر الحدودي برأس الجدير إلى يوم الاثنين 24 جوان (يونيو/ حزيران) 2024، بناءً على طلب السلطات الليبية".
وأكدت الداخلية التونسية أن "المعبر سيبقى على وضعيته الحالية إلى حين فتحه يوم الاثنين، على أن تتواصل حركة مرور الحالات الاستعجالية والطبية والدبلوماسية".
وكان من المقرر أن يتم فتح المعبر كليا، يوم أول أمس الخميس 20 يونيو الجاري، وفقا لبنود الاتفاق الأمني، الذي وقّعته تونس مع حكومة الوحدة الوطنية الليبية، في 12 يونيو 2024.
وتضمّن الاتفاق "فتح البوابات الأربع المشتركة بمعبر رأس الجدير، لدخول المواطنين من البلدين وتسهيل حركة التجارة، بالإضافة لحل مشكلة تشابه الأسماء لمواطني البلدين".
كما التزم الطرفان التونسي والليبي بـ"فتح 6 مراكز للتسجيل الإلكتروني لسيارات المواطنين الليبيين، وعدم فرض أي رسوم أو غرامات مالية غير متفق عليها، وضبط المعبر وعدم وجود أي مظاهر مسلحة".
"اتفاق هش"
وفي تصريح لـ"سبوتنيك"، يرى رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبد الكبير، أن "تأجيل فتح معبر رأس الجدير الحدودي هو أمر منتظر بالنظر لفشل كل الاجتماعات التي سبقت إمضاء الاتفاق الأمني".
وقال عبد الكبير إن "هذا الاتفاق كان هشا من أساسه"، مشيرًا إلى أن "إضفاء الصبغة الأمنية على هذا الاتفاق كان محل معارضة من جل الأطياف الحقوقية والسياسية، خاصة وأنه لم يسبق لتونس أن كان لها مشكلة أمنية مع ليبيا".
وأضاف: "حتى في أعتى المشاكل بين الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، والرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، أغلقت الحدود دون إطلاق رصاصة واحدة، وحتى في قلب ملحمة بن قردان سنة 2016 (معركة مع إرهابيين)، بقي معبر رأس الجدير مفتوحا وبالتالي المشاكل الأمنية لم تكن مطروحة".
وأردف عبد الكبير، بالقول إن "تونس بقيت على الحياد بعد تبادل إطلاق النار بين جماعة "زوارة" وقوات وزارة الداخلية التابعة للوحدة الوطنية الليبية، في آذار/ مارس الماضي، وكان من المفترض أن يتم تجاوز مسألة غلق المعبر بعد توقيع الاتفاق".
وتابع: "كان على وزير الداخلية الذي ترأس الوفد التونسي، أن ينتبه إلى مثل هذه المسائل وأن يكون الاتفاق شاملا، وأن يتطرق إلى النقاط التجارية، تشابه الأسماء، تسجيل السيارات، الاعتداءات المتكررة على المواطنين التونسيين في ليبيا، بعض التضييقات لليبيين في تونس".
وأضاف عبد الكبير، بالقول: "من ضمن النقاط التي نص عليها الاتفاق هي الحفاظ على التبادل التجاري والعودة إلى الاتفاقات المبرمة بين البلدين"، مشيرا إلى أن "هذه الاتفاقات بقيت مبهمة خاصة تلك المتعلقة بالتبادل التجاري الرسمي على مستوى المؤسسات والشركات والمصانع والتبادل التجاري المتعلق بصغار التجار، الذي يهم 70 بالمائة من التونسيين الذين يعبرون إلى ليبيا، والذين تطلق عليهم في تونس تسمية "تجار الحقيبة".
وأكد الحقوقي أن "70 مدينة حدودية بين تونس وليبيا، تعيش طيلة عقود من التبادل التجاري الذي يحصل عن طريق معبر رأس الجدير"، وشدد على أن "تقنين التبادل ضمن اتفاقات سيحافظ على كبار التجار ولكنه سينهي في المقابل صغار التجار".
خلافات داخلية
ويرى رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبد الكبير، أن "خلافات ليبية داخلية حالت دون حل أزمة المعبر"، مشيرًا إلى أن "الاتفاق الأمني الذي وُقّع استبعد طرفا مهما في المعبر وهو بلدية زوارة، التي تعود لها مهمة التصرف في المعبر منذ عشرات السنوات".
وتابع: "عندما تقوم وزارة الداخلية الليبية بتغيير هذا المعطى بعد سنوات، من المؤكد أن الطرف المعني لن يقبل بذلك"، وشدد عبد الكبير على أن "التسويات الليبية عموما هي تسويات هشة".
ومضى عبد الكبير، بالقول: "الاتفاق الممضي نص على فتح المعبر يوم 13 يونيو الجاري، لدخول الحالات الإنسانية والإسعاف والشخصيات الدبلوماسية"، متابعا: "ولكن في اليوم الأول سجلنا دخول 10 سيارات فقط، مقابل 5 سيارات إسعاف ودبلوماسي واحد في اليوم الثاني، ولم تدخل أي سيارة في اليوم الثالث والرابع".
ونقل عبد الكبير لـ"سبوتنيك"، من مصادر ليبية، أن "جهات أمنية ليبية تتبع أطرافا معينة هي من ترفض فتح المعبر وكانت تتصدى لمن هو متجه إلى معبر رأس الجدير، وهو ما جعلنا نتوقع عدم فتح المعبر كما كان مقررا، يوم 20 يونيو 2024".
وشدد عبد الكبير على أن "المسألة الداخلية لم تسوى وإلى الآن هناك خلاف ليبي- ليبي، على مسألة ترتيب الأولويات المتعلقة بعدد من النقاط، من ضمنها استبعاد بلدية زوارة من الإشراف على المعبر، واستبعاد قيادات أمنية من منطقة زوارة ونقلها إلى أماكن أخرى، وطريقة التبادل التجاري".
وأشار عبد الكبير إلى "وجود صراع حقيقي بين الأطراف المؤيدة لحكومة الدبيبة والمعارضة لها، الذي ظهر سياسيا وأثّر حتى على المعبر وعلى علاقة زوارة بحكومة الدبيبة وبوزير الداخلية، إلى درجة أن زوارة تعتبر نفسها أقلية مستقصدة".
ويرى عبد الكبير أن "تونس أخطأت في إمضاء الاتفاق وأنه يجب عليها التدارك وأن تضغط دبلوماسيا بحث الدولة الليبية على حل أزمة المعبر، خاصة وأن تونس لم تكن طرفا في المشكل".
ضربة قاسمة للحركة التجارية
ويقول وزير التجارة التونسي الأسبق، محسن حسن، لـ"سبوتنيك"، إن "الغموض يكتنف الأسباب التي تقف وراء تأجيل فتح معبر رأس الجدير الحدودي"، مشددا على "وجود تلكؤ من الطرف الليبي في هذه المسألة".
ورجّح حسن وجود "أيادٍ خارجية أججت أزمة المعبر"، مشيرًا إلى أن "الجوانب الجيوسياسية دفعت باتجاه تعطيل فتح معبر رأس الجدير".
وأكد أن "تواصل غلق هذا المعبر لا يصب في مصلحة تونس أو ليبيا، خاصة وأنه يعتبر شريان الحياة لكلا الطرفين".
وأضاف: "جزء كبير من أهالي الجنوب التونسي يعيشون من التجارة بين البلدين، حتى وإن كانت هذه التجارة موازية فإن لها دورا اجتماعي مهم جدا، فهي تؤمن مصادر رزق لعدد كبير من التونسيين وتخلق حركية اقتصادية في المناطق الحدودية في ظل غياب منطقة حرة بين البلدين".
ولفت الوزير الأسبق إلى أن "تواصل غلق المعبر أثر على السياحة وخاصة منها الطبية، حيث تعطّل دخول الليبيين إلى تونس سواء للتداوي أو للسياحة".
وأردف حسن، قائلا: "في ظل عدم وجود نقل بحري وعدم تطور النقل الجوي، فإن النقل البري عبر معبر رأس الجدير يعتبر هو الأساسي في التعامل بين البلدين، على اعتبار أن معبر الذهيبة لا يزال بعيدا ومكلفا، وبالتالي فإن تعطل فتح معبر رأس الجدير يحد من تدفق السلع بين البلدين وهو ما أضر بالاقتصاد الوطني التونسي وحتى الليبي".
وفي علاقة بالمسألة الأمنية، يرى محسن حسن، أنه "على عكس ما يتصوره البعض، فإن تواصل غلق معبر رأس الجدير سيشكل سببا من أسباب عدم الاستقرار الأمني والاجتماعي على الحدود".