"تأجير الأرحام"... عندما يضع الحصار والمرض المرأة في سوريا بين "خيارين أقساهما مر"

تقول رانيا في حديثها لـ "سبوتنيك": "مذ رأيت الإعلان بدأت أسأل وأستفسر عن عمليات استئجار الرحم، حتى قررت أن أخوض هذه التجربة وتواصلت مع صاحبة "الإعلان" وتم الاتفاق مقابل مبلغ مادي يكون على دفعات خلال شهور الحمل.

يقول الدكتور جميل الحوشان، عميد كلية الحقوق الثانية/ جامعة دمشق: لم تكن رحلة رانيا وسامر آمنة على طول الطريق، فأن الفاجعة لم تلبث أن وقعت حين أطلق الوليد صرخته الاولى في هواء الدنيا متسربلا من رحم أمه البديلة، إذ ذاك اشتعل الخلاف بين الأمّين على تثبيت النسب، وعلى من تقع الأمومة وتربية الطفل.

يؤكد الدكتور حوشان بأن المشكلة القانونية نشأت عن غريزة الأمومة التي اشتعلت في جوف الأم البديلة خلال سنين حملها، واصفاً الأمر بالمنطقي والمتوقع قياساً بملايين اللحظات التي مرت على جسدها وهي يحتضن هذا الكائن الحي بين جوارحه كجسد واحد.

انتهى الخلاف بين رانيا والأم البديلة بالمثول أمام القضاء للفصل بين الوالدتين المتنازعتين على الطفل الذي بدأ يكبر يوماً فآخر.

قصة أخرى انتشرت عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي جرت في مدينة حلب بعام 2021، حيث اتفقت زوجة تعاني من مشاكل في الرحم مع سيدة على استئجار رحمها، وجرت عملية التلقيح في المستشفى "التخصصي"، بعد الاتفاق بين السيدتين على دفع 2000 دولار أمريكي مقابل فترة استئجار رحم الأولى لصالح طفل الثانية.

إحدى السيدات تروي قصتها من خلال إحدى مجموعات الفيس بوك الخاصة بالنساء ومشاكلهنَّ تقول: "ساعدت زوجين غير قادرين على الإنجاب الطبيعي، لما رأيته من تعاسة في حياتهم الخالية من صوت الأطفال، لكن قبل الدافع الإنساني، فأنا أريد الأفضل لعائلتي، يجب أن أكون قوية من أجلي ومن أجل أطفالي بعد أن توفي زوجي في الحرب وتركني أصارع مصاعب الحياة وحدي دون معيل".

لا تزال عمليات استئجار الأرحام تثير جدلاً كبيراً في جميع دول العالم، إذ كانت الهند سابقاً مقصداً للراغبين في استئجار الأرحام، والآن حلت محلها الولايات المتحدة، كما أصبحت أوكرانيا واحدة أيضاً من أشهر مراكز استئجار الأرحام.

في سوريا لم يصل الأمر إلى ما يمكن وصفه بالظاهرة، فوفقاً لمن تربطهم علاقة وطيدة بهذا النوع من العمليات، فإن الحالات التي تم الوقوف عليها لا تزال قليلة بشكل ملحوظ تماماً.

وعلى الرغم من أن الدافع المادي في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها الغالبية الساحقة من السوريين، هو المتهم الأول وراء عمليات استئجار الأرحام، إلا أن الجانب النفسي يطل برأسه أيضاً في بعدما أرخى الخوف من المستقبل، وحالة عدم اليقين إزاء منطقة تغلي سياسياً وعسكرياً، له دوره أيضاً في التغيير الدرامي لما يمكن وما لا يمكن في هذه البيئة الاجتماعية التي لطالما كانت متصالحة مع ذاتها.

يقول الدكتور الاختصاصي هيثم عباسي في تصريح خاص لـ "سبوتنيك": "تتم عملية الإخصاب المساعد بالتأكد أولاً من سلامة الأعضاء التناسلية عند الزوجين ومن ثم تحديد سبب عدم الحمل بالطرق الفيزيالوجية الطبيعية، فإما يكون السبب ذكر أو أنثوي، وعلى هذه الأسباب يتم: إما استخدام الحقن للسائل المنوي المحضر ضمن الرحم أو التحضير لطفل الأنبوب".

وأكمل عباسي: "طبعاً في سوريا يستخدم النطاف والبيوض من الزوجين حصراً، ولكن في بقية الدول يوجد إمكانيه لشراء واستخدام متبرع وأخذ المطلوب، وهنا لدينا: نطاف من متبرع، بيوض من متبرع، أجنة جاهزة، أو استئجار رحم (سورغات) بأجر مادي لكل فترة الحمل"، مضيفاً: "وهنا أيضاً توجد عدة طرق: أخذ السائل والبيوض من الزوجين وإجراء تلقيح صناعي ووضعهم في رحم مستأجر، أخذ سائل من الزوج وتلقيح المتبرعة، أخذ جنين ووضعه في رحم مضيف، أو أخذ سائل من متبرع وأخذ البيوضة من الأم وتلقيحها ووضعها في رحم مضيف".

ولفت عباسي إلى أن "هذه الحالات التي ممكن أن تتم في الدول الأوربية، ولكن من الناحية الأخلاقية والمهنية والإنسانية والشرعية اعتبره مخالف لكل القوانين وخصوصاً من الناحية البيولوجية".

بعد أن كَثُر الحديث عن هذه العمليات، قالت وزارة الأوقاف السورية كلمتها، فأصدر المجلس العلمي الفقهي في الوزارة بيان بتحريم عملية تأجير الأرحام، معتبراً إياها غير جائزة شرعياً لما تسببه من تخالط في الأنساب، وأكد المجلس على “بطلان عقد التأجير بين المتعاقدين، وعلى إثم المشتركين فيها، وإثم الطبيب والكادر الطبي الذي يجري مثل تلك العمليات".

ولا يقتصر التحريم على الدين الإسلامي، إذ حرمت جميع الكنائس المسيحية أيضاً عملية تأجير الأرحام، “لتنافيه مع مبدأ الأمومة”، ورفضه الفاتيكان، واعتبره عمل غير أخلاقي.

لا يخفى على أحد ما يعانيه السوريون في ظل الفوضى التي رافقت سنوات الحرب، وما تلاها من حصار غربي خانق تغلغل حتى نخاع حياتهم، فانقلبت موازين الكثير من المفاهيم ومن ضمنها "تأجير الأرحام" التي لم يكن لها من أثر في حياتهم قبل عقد واحد من الزمن.

يقول الدكتور حوشان في حديثه لـ "سبوتنيك" عن هذه العمليات: "تأجير الرحم أو ما يعرف بالحمل البديل هو حل طبي يتم اللجوء إليه لمساعدة النساء غير القادرات على الحمل والإنجاب بسبب مشاكل صحية، وتتم عملية الإخصاب خارج الجسم بتلقيح بويضة المرأة بماء زوجها في المختبر قبل أن تتم زراعة واحدة أو أكثر من البويضات المخصبة في رحم إمرأه متطوعة لتنمو وتستكمل فترة الحمل، فيطلق على المرأة صاحبة الرحم اسم الأم البديلة وصاحبة البويضة الأم البيولوجية، وحينما تلد الأم البديلة الطفل تسلمه للزوجين مقابل مبلغ متفق عليه".

ويكشف الدكتور الحوشان بأن الحالات التي تمت في سوريا، تقوم خلالها عائلة المولود بدفع نحو 200 مليون ليرة سورية وسطيا للأم البديلة".

واستدرك الحوشان حديثه: "لا يوجد نص قانوني في سوريا يجيز أو يبيح تأجير الأرحام، أما في الشريعة الإسلامية فهو حرام وفقاً لفتوى صدرت من وزارة الأوقاف السورية".

وتابع: "ولكن تثير قضية استئجار الرحم تساؤلات عدة منها، لمن ينسب الطفل بعد الولادة وإن كانت الأم تحمل جنسية مختلفة عن الأم التي تبرعت بالبويضة فما هي جنسية الطفل، وإن انقسمت البويضة وأصبحت توأماً فكيف يصبح الأمر بعد الولادة، وتساؤلات كثيرة يقف عاجزاً عنها القانون السوري..".