حلب تستعيد ذهبها الأحمر

"عاشوري مال حلب".. تصدح أصوات الباعة بهذه الكلمات منذ عقود، للتأكيد والدلالة على أن الفستق الحلبي علامة وزراعة حلبية بامتياز.
Sputnik
اشتهرت مدينة "الشهباء" شمالي سوريا بزراعة الفستق الحلبي على المستوى العالمي، واستقى اسمه منها، ومع مرور السنين، أصبح رفيق الحلبيين في جلساتهم وسهراتهم إلى جانب كونه منتج رئيسي يدخل في أغلب أصناف الحلويات، فيمنحها طعما وشكلا مختلفين.
"الذهب الأحمر" كما يسميه الاقتصاديون المحليون، بدأ يعرض في أسواق حلب الرئيسية هذه الأيام، وعادة ما يتم استخدام سلل قش كبيرة، تشكل مع لونه الوردي المائل إلى الأحمر، لوحة فنية جميلة تحرض أهالي حلب وغيرهم من الزبائن على شرائه ولو بكميات قليلة، فرغم ارتفاع سعره الذي قارب الكيلو منه الـ 100 ألف ليرة، فلا يعقل أن يمر موسمه دون تذوق طعمه الشهي والتمتع بفوائده الغذائية الكبيرة.
حلب تستعيد ذهبها الأحمر
حلب الأولى
تعرضت زراعة الفستق الحلبي خلال سنوات الحرب إلى أضرار كبيرة، وتراجعت مساحات زراعته بسبب سيطرة المجموعات الإرهابية المدعومة من الغرب، على مساحات واسعة من أراضي الريف الحلبي.
هذا العام، وبعد تحرير بعض مناطق أرياف حلب، عاد الفلاحون إلى الاهتمام بأراضيهم وتمكين حلب من استعادة لقبها المتعارف في زراعة الفستق الحلبي وخاصة "العاشوري".
وشهد موسم الفستق الحلبي تحسناً في عموم سوريا، وبإجمالي إنتاج يبلغ 77 ألف طن بزيادة قدرها 32 ألف طن عن العام الماضي.
وتأتي مدينة حماة في المرتبة الأولى بإنتاج الفستق الحلبي في المناطق الآمنة بكمية 17826 طن، بينما تصدرت حلب المرتبة الأولى في المناطق الآمنة وغير الآمنة بإنتاج قدره بواقع 46508 طن، علما أن حلب لطالما كانت في المرتبة الأولى في إنتاجه قبلما تفرض الحرب تغير هذه الحقيقة بسبب خروج مناطق زراعته عن سيطرة الدولة السورية.
حلب تستعيد ذهبها الأحمر
موسم اقتصادي
يصف مدير زراعة حلب، المهندس رضوان حرصوني، في حديثه لـ"سبوتنيك": شجرة الفستق الحلبي بالمباركة، وموسمها بالاقتصادي، ويضيف: هذا الموسم أفضل من المواسم الفائتة مع اختلاف واقع زراعته من منطقة لأخرى حسب التغيرات المناخية ونقص المياه في المناطق الرئيسية لزراعته.
وأضاف حرصوني: بلغت المساحة المزورعة في محافظة حلب 23516 هكتار منها 5381 في المناطق الآمنة، التي تبلغ تقديرات إنتاجها 2750 طن.
ولفت مدير زراعة حلب إلى دعم الحكومة السورية إلى مزارعي الفستق الحلبي عبر تقديم مازوت المدعوم للفلاحة، والقيام بحملة لجمع حشرة الكابنودس الضارة، مع تنفيذ الوحدات الإرشادية زيارات حقلية لتوعية الفلاحين بالأمراض التي تصيب هذه الشجرة وطرق مكافحتها بطريقة صحيحة.
واعتبر حرصوني أن إنتاج شجرة الفستق يعد مربحاً للفلاحين، لذا يولون اهتماماً متزايداً بهذه الأشجار والتوسع بزراعتها كونها تحقق عوائد جيدة للمزارعين.
وكنوع من الدعم للفلاحين تنتج مديرية الزراعة غراس الفستق الحلبي بواقع 40 ألف شجرة مطعمة ستوزع 15 ألف شجرة عليهم لزراعتها في الموسم القادم حسب حرصوني.
حلب تستعيد ذهبها الأحمر
خط إنتاج لتسويق الفستق
وبين مدير زراعة حلب تأسيس جمعية إنتاجية تعاونية لدعم إنتاج وتسويق الفستق الحلبي في قرية عبطين، التي تعد من أشهر المناطق بزراعة الفستق الحلبي.
بدوره تحدث رئيس جمعية الفستق الحلبي أحمد قدور لـ"سبوتنيك" عن الغاية من إحداث هذه الجمعية، فيقول: بلغ عدد الفلاحين المنتسبين 85 عضواً على مساحة 1150 دونم مزورعة بالفستق الحلبي، بغية التعاون على تأمين مستلزمات الإنتاج من مازوت الفلاحة والأسمدة والأدوية.
وبين قدور أن الجمعية تنجز حالياً خط لإنتاج الفستق الحلبي يتولى عمليات التسويق والتجفيف والتغليف والبيع لمحلات الحلويات والتصدير إلى الخارج أيضاً لقطع الطريق على التجار وتحقيق الفائدة الأكبر للفلاحين، مبينا أن إنجاز هذا الخط أصبح في مراحله الأخيرة، وسيوضع في الخدمة خلال الموسم القادم.
حلب تستعيد ذهبها الأحمر
نعتني بأشجار الفستق كأطفالنا..!
يعامل الفلاحون في ريف حلب شجرة الفستق الحلبي كأحد أفراد العائلة، مدفوعين بقناعة ثابتة أنه كلما أولوها عنايتهم واهتمامهم أعطتهم أكثر وبادلتهم الحب بالحب، كما يقول الفلاح علي حج أحمد لـ"سبوتنيك": اهتم بأشجار الفستق الحلبي بشكل كبير وقدم لها كل ما تحتاجه، وهي لا تبخل علي وتعوضني دوما، فكلما أعطيتها أعطتني أكثر"، مشددا على أنه رغم تكاليف الزراعة المرتفعة لكن يعد محصول الفستق محصولا اقتصاديا للفلاحين.
يتفقه معه الفلاح محمد التمور، وهو مختار قرية عبطين، أحدى أهم مناطق أهم مناطق زراعة الفستق الحلبي بحلب، فيقول:
منذ أكثر من خمسين عاما نزرع الفستق الحلبي ونعاملها كأطفالنا، حيث يعمل بهذه الزراعة أغلب عائلات القرية، إذ تشكل مع الزيتون مصدر رزقهم الوحيد.ويؤكد على ضرورة تقديم الدعم الحكومي اللازم لمزارعي الفستق من المازوت وتأمين المياه للسقاية وخاصة بعد تعرض الآبار إلى ضرر كبير في زلزال شباط العام الفائت، مطالبا بحل هذه الإشكالية بأسرع وقت ممكن لتخفيف التكاليف وتذليل العقبات أمام الفلاحين الذين يضطرون إلى جر المياه من مسافات بعيدة من نهر قويق، علما أن تمكينهم من الاهتمام بهذه الأشجار المباركة والاقتصادية تشكل قيمة ليس للمزارعين وعائلاتهم فقط وإنما للاقتصاد السوري أيضاً.
مناقشة