وأضاف في مقابلة مع "سبوتنيك"، أن القطاع السياحي في الأردن حساس جدًا، لكنه مرن وقوي ويمكنه تجاوز كل هذه الأزمات، كما تجاوز أزمة جائحة كورونا من قبل، مبديا تفاؤله باستعادة القطاع لعافيته بشكل سريع جدًا بعد وقف الحرب على غزة.
وأكد الوزير أن بلاده بدأت في طرق أبواب جديدة للسياحة، في مقدمتها السوق الروسي والصيني، وكذلك السوق الأفريقي، والاهتمام بدول الهند وإندونيسيا وماليزيا، لتعويض ضعف أعداد السياح من دول أمريكا وأوروبا بسبب الأحداث في المنطقة.
وإلى نص الحوار..
بداية.. في ظل التوترات التي تشهدها المنطقة، كيف ترى صمود قطاع السياحة في الأردن أمامها؟
تقع المملكة الأردنية الهاشمية في إقليم ملتهب منذ عقود، ومنذ نشأة الدولة الحديث منذ 100 عام، تعرض الأردن لأزمات كبيرة وحروب بالإقليم ودول الجوار، لكن كان دائما قويا وثابتا ومنيعًا، وتجاوز كل هذه الأزمات وخرج منها قويًا، وما يحدث ليست الأزمة الأولى لكن نتمنى أن تكون الأخيرة.
ما انعكاسات الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة ولبنان على السياحة بالأردن؟
العدوان الإسرائيلي الغاشم والمستمر على قطاع غزة، أثر على القطاع السياحي في الأردن وهو قطاع حساس جدًا، لكنه في الوقت ذاته مرن ومنيع وسريع التعافي، نحن تأثرنا بعد 7 أكتوبر بانخفاض ملموس في عدد الزوار، وتحديدا من الدول الغربية؛ الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا وأوروبا، حيث تشكل أوروبا وأمريكا 14% تقريبا من عدد الزوار الكلي في المملكة الأردنية الهاشمية، وخسرنا منذ بداية هذا العام وحتى الآن ما يقارب الـ 70% من عدد الزوار الذين يأتون من الدول الغربية.
لكن بلغة الأرقام تم تعويض هذا النقص في عدد الزوار من الدول العربية، هناك اليوم 14% من زوار الأردن يأتون من الغرب، و49% من الدول العربية، و4.1% من عرب الـ 48، حيث فصلنا عدد الزوار من الدول العربية عن زوار عرب 48 المقيمين في إسرائيل، لنوضح بأنه ربما التعويض الذي تم في نقص الزوار وتحديدا في منطقة العقبة تم تعويضه من زوار فلسطيني 48.
وما المناطق السياحية الأكثر تأثرا في الأردن بالحرب الإسرائيلية؟
المنطقة الأكثر تأثرا في الأردن بانخفاض عدد الزوار هي البتراء، حيث 87% من زوار البتراء يأتون من الدول الغربية وأوروبا، وانعكس انخفاض الـ70% على مجموع الكلي لزوار البتراء، وانعكس كذلك على ما نسميه بالتذكرة الموحدة والتي كان يستطيع السائح شراءها كحزمة واحدة، تمكنه من زيارة 40 موقعا أثريا وسياحيا بالأردن.
إلى أي مدى يساهم قطاع السياحة في الاقتصاد والناتج القومي الإجمالي للمملكة؟
خلال عام 2023 وهو ما نسميه عام السياحة بامتياز في الأردن من ناحية عدد الزوار والدخل السياحي، حيث لو استمرينا لنهاية العام في الربع الأخير بدون العدوان الإسرائيلي على أهلنا في قطاع غزة كنا قد وصلنا لأرقام غير مسبوقة في تاريخ السياحة الأردنية، حيث حقق الأردن دخلا سياحيا يقدر بـ 7.3 مليار دولار، من 1/1 وحتى نهاية 2023، ووصل عدد الزوار إلى 6.2 مليون زائر، وهذا رقم لم تصله المملكة في تاريخها، كما شكل 14.6% من الناتج المحلي الإجمالي، ومساهمته في الدخل القومي للأردن، وهذا ينافس الكثير من دول العالم، وتحديدا الدول المعروفة بأعداد هائلة من الزوار مثل إسبانيا وبريطانيا وألمانيا، هناك مساهمة كبيرة لقطاع السياحة في الاقتصاد، ونأمل أن نعود للأرقام السابقة، وأن ينتهي هذا العدوان الغاشم بشكل مستمر، لنعود إلى سابق عهدنا في الازدهار السياحي والاقتصادي.
تجاوز قطاع السياحة في الأردن تداعيات جائحة كورونا بشكل سريع.. إلى أي مدى يمكن لكم تخطي تداعيات هذه الحرب؟
الأردن بلد مستقر وآمن ويتمتع بمصداقية عالمية كبيرة، وبلد به مؤسسات راسخة وقوية ومستقرة، ونحن على أمل كبير بأن نتجاوز هذه الأزمة بشكل أسرع مما يعتقد البعض، ومتفائلون بأن القطاع يمكنه الاستجابة لكل المبادرات الإيجابية بعد انتهاء هذا العدوان، وأن نعود لمستويات ما قبل الحرب، لكن هناك فارق بين أزمة الجائحة والأزمة الحالية، كورونا كانت أزمة عالمية وأدت إلى أغلاق الحدود والأجواء في معظم دول العالم، أما الآن الحدود مفتوحة والأردن مستقر وآمن ولا يزال هناك الكثير من الزوار يأتون للمملكة.
إذن لماذا تراجعت الأرقام إلى هذا الحد؟
المشكلة هنا في الفهم الخاطئ للدول الغربية تجاه الشرق الأوسط وما يحدث فيه، عندما تطلق رصاصة في شمال الشرق الأوسط يتأثر جنوبه، الأزمة في أوكرانيا مستمرة منذ سنوات، ولم تتأثر دول الجوار بحجم تأثر الأردن بهذه الأزمة، حتى الدول التي بها حدود معها مثل هنغاريا ورومانيا وأستونيا.
وما الحلول المطروحة من قبلكم لتجاوز أزمة ضعف الزوار للأردن من أمريكا وأوروبا بسبب الحروب والأزمات في المنطقة؟
ما يحدث دفعنا للبحث عن أسواق جديدة، وربما أهم الأسواق التي يجب أن نعيد بناء جسور معها، السوق الروسي، اليوم نحن بصدد استئناف رحلات مباشرة بين عمان وموسكو يوم 15 من شهر أكتوبر القادم، بمعدل رحلتان أسبوعيا، ويمكن زيادتها اعتمادا على عدد الزوار من روسيا.
بحثنا كذلك عن أسواق جديدة، وطرقنا أبوابا جديدة منها السوق الأفريقي، حيث زرت إثيوبيا ورواندا وكينيا قبل شهرين، وهناك اهتمام كبير من هذه الدول لزيارة الأردن، وتحديدا مواقع الحج المسيحي في المملكة الأردنية.
وقمت كذلك بزيارة الهند، وهو سوق واعد سيثار في المستقبل القريب الاتفاق بين الخطوط المكية الأردنية وشركات الطيران الهندية لتدشين خط مباشر ما بين عمان ونيودلهي كخطوة أولى لزيادة عدد الزوار من هذه الدول، كما سأقوم بزيارة الصين بعد شهرين، فالسوق الصيني سوق واعد ومهم بالنسبة لنا، وبعد الانتهاء من السوق الصيني سنذهب إلى ماليزيا وإندونيسيا لتشجيع المسلمين والمسيحين في هذه الدول لزيارة المواقع الإسلامية والمسيحية في الأردن.
حدثنا عن أبرز هذه المواقع الأثرية؟
هناك 42 موقعا سياحيا وأثريا مذكورة في الإنجيل كمواقع حج مسيحي، لكن 5 منها فقط تم الاعتراف بها من قبل الفاتيكان، يتربع على سلمها موقع المغطس، موقع معمادية السيد المسيح، والمعترف به من قبل الفاتيكان، ومن قبل اليونسكو كموقع تراث عالمي عام 2015، هناك موقع ديني مهم أيضا، هو موقع قلعة مكاور، المكان الذي استشهد فيه سيدنا يحيى، وكذلك موقع جبل نيبو وهو موقع حج مسيحي متميز، وهو الموقع الأكثر زيارة بعد البتراء في المملكة، وهناك موقع كنيسة سيدة الجبل، الذي لجأت إليه السيدة مريم العذراء وسيدنا المسيح لفترة من الوقت، وأيضا مار إلياس، وهو موقع مهم جدا بالنسبة للدين المسحي، موقع ميلاد سيدنا إلياس 850 سنة قبل ميلاد السيد المسيح.
في الأردن أيضا يوجد بلدة مؤتة بالكرك، وهي البلدة التي كانت مسرحا لمعركة مؤتة الشهيرة، التي استشهد فيها عدد من الصحابة، ونعتبر الأردن مكانا وبوابة للفتح الإسلامي.
في ظل زخم وندرة المزارات السياحية الدينية في الأردن.. ما الأوجه السياحية الأخرى التي يعتمد عليها الأردن؟
يعتمد الأردن على مواقع كثيرة، حسب آخر خارطة تم تثبيتها تحتوي المملكة على 100 ألف موقع أسري، 16 ألف منها تقريبا مدرجة بتفاصيلها على لوائحنا الوطنية في دائرة الآثار العامة، ومواقع كثيرة من ناحية السياحة الثقافية، هناك البتراء، وهو موقع مهم جدا في التاريخ الإنساني، ومدرج على لائحة التراث العالمي في اليونسكو منذ عام 1985، وهو ثقافة عربية نبطية.
مر على الأردن الكثير من الحضارات، حيث كان مكانا لوجود أدوات ربما من الأوائل التي استخدمها البشر قبل مليونين ونصف عام وهو مدرج تاريخيا وأثريا، الأردن مر بالعصر الحجري القديم والمتأخر، العصر البرونزي والحديدي، واليوناني، والكثير من الحضارات مثل حضارة البيزانطيين الذين تركوا الكثير من المواقع مثل أم الجمال التي أدرجت حديثا على قائمة اليونسكو، وهي امتداد للمملكة النبطية، وكانت البتراء مملكة حكم وعاصمة ثقافة، ومعمار عظيم، وفيها هندسة مياه لم يكن في التاريخ القديم مثلها، كان بها ملوك وملكات، حيث أول صك عملة في تاريخ العرب، كانت وما زالت مصدرا للإلهام.
لو تحدثنا عن آخر الخطط والاستراتيجيات التي تم وضعها للنهوض بالقطاع السياحي الأردني
قطاع السياحة في الأردن يعتمد على 3 ركائز، يتصدره العنصر البشري، نحن في الأردن من أهم أولوياتنا التدريب والتأهيل، نتحدث عن سردية المملكة وتاريخها العظيم، يجب أن يكون هناك مرشدين سياحيين أردنيين مؤهلين، وكذلك نعمل على تأهيل كل أطقم العمل في قطاعات الفنادق والمطاعم، وحتى سائقي الحافلات، وكل الكوادر العاملة بالقطاع.
أما الركيزة الثانية تتمثل في إرث الأردن من الكنوز والآثار الذي لا ينضب، والثالثة تتمثل في الترويج والتسويق، حيث نمتلك ذراعا مهما وهو هيئة تنشيط السياحة، والتي لديها خبرة تراكمية تزيد عن 25 عامًا، وهذه الركائز الثلاث نعملي عليها بشكل متطور ومتكامل للنهوض بالقطاع.
أولى الأردن اهتماما كبيرًا بالسياحة الداخلية لا سيما في ظل أزمة كورونا.. أين وصلتم في هذا الحقل المهم؟
قبل جائحة كورونا كنا قد أطلقنا برنامج "أردنا جنة"، لكن تم استنفاره بشكل كبير أثناء الجائحة، وكان الهدف منه أن يستمر القطاع السياحي في العمل بعد إغلاق الحدود والأجواء، ركزنا على الأردنيين، ودعمنا البرنامج بـ 5 مليون دينار، حيث دعمت الوزراة البرنامج للاستمرار في الحركة السياحية الداخلية ودعم الأردنيين، وتشغيل المرشدين السياحين والباصات السياحية، وتشغيل المطاعم والفنادق حتى لا تغلق أبوابها.
اليوم البرنامج ناجح جدا حيث نطوره بشكل دائم ومستمر، بالمقارنة مع 2023 في نفس الفترة كان عدد المشاركين في البرنامج عام 2023 وهو عام السياحة بامتياز 90 ألف أردني وأردنية، اليوم نتحدث عن أكثر من 200 ألف، نحن نجحنا في ضمان استمرار البرنامج وزيادة أعداد المشاركين فيه.
هناك العديد من الدول التي تمتلك أثارا متنوعة.. ما الذي يجعل الأردن مميزا سياحيا؟
كل دول العالم لديها وفرة بالمنتج السياحي، وفرادة بالتاريخ، لكن إذا تحدثت عن الأردن، هناك مواقع لا يوجد مثلها في العالم، مثل البحر الميت، وهو أكبر منتجع طبيعي في العالم، ويقع بالمملكة الأردنية على بعد 440 مترا تحت سطح البحر، بنسبة أكسجين أعلى من 5 إلى 7% من أي مكان في العالم، ونسبة الملوحة فيه 10 أضعاف الموجودة بأي بحر في العالم، ولا يوجد إلا مغطس واحد، ومكان واحد لتعميد السيد المسيح في العالم، لا يوجد إلا بتراء واحدة.
لا يمكن أن نغفل طقس الأردن، وهو غير موجود بأي دولة في العالم صيفا وشتاء، كما أن بعض الدول لا يتعدى تاريخها حضارة أو اثين، بالنسبة لنا هناك حضارات كثيرة، منذ فجر التاريخ الأردن كان مكانا لصناعة أول رغيف خبر عرفه الجنس البشري، قبل 14 ألف عاما، وكان مكانا لميلاد أول فن بشري لصناعة تماثيل بشرية، لدينا تمثل عمره 9 آلاف عام، موجود بمتحف اللوفر بناء على اتفاقية إعارة، تم توقيعها مع المتحف، وقطعة أخرى أثرية موجودة بمتحف لندن، وقطعة في متحف اللوفر فرع أبوظبي، لدينا مجموعة من هذه القطع تحت الترميم، هناك تفرد بالمنتج السياحي الأردني.
مؤخرًا تم إدراج العديد من المواقع الأردنية الأثرية في قائمة اليونسكو.. ما أبرزها؟
أول موقع أدرج على لائحة التراث العالمي كان البتراء عام 1985، في نفس العام أدرج "قصير عمرة" وهو قصر يوجد فيه 99 لوحة فنية مرسومة داخل القصر لا تزال قائمة لليوم، هذا القصر يمثل الحضارة العربية الأرستقراطية الأموية وكان يستخدم من قبل الخلفاء الأمويين عندما كانوا يزورون المملكة الأردنية ويقضون بعض الوقت في الصحراء للاستجمام والصيد، وهناك حمامات معدنية في هذا القصر، وهي عربية أموية، سبقنا كل العالم نحن العرب في هذه الحمامات البخارية المعدنية وطريقة هندستها، وتم إدراج كذلك "أم الرصاص" وهي مدينة نبطية الأصل وبيزنطية السمة، يوجد بها 19 كنيسة بيزنطية تم بناء 7 منها إبان الحكم البيزنطي عندما جاء العرب الأمويون وتبعهم العباسيون لم يحافظوا عليها فقط بل أعادوا بنائها وضاعفوا من عددها، وهو ما يثبت أن هناك تسامحا عربيا إسلاميا سبق كل الحضرات في التسامح بأكثر من 1500 عام.
كما تم إدراج "وادي رم" باللائحة عام 2011، وهو موقع تراثي ثقافي طبيعي، وفي عام 2015 تم إدراج المغطس في عام 2021 تم إدراج "مدينة السلط" مكانا مميزا بإرثه وتاريخه ومعماره بعد ذلك تم إدراج أم الجمال قبل أسبوعين، وهذا يتعلق بالتراث المادي الذي تم إدراجه في اليونسكو.
فيما يتعلق بالتراث غير المادي، نحن أدرجنا ما نسميه الفضاء الاجتماعي لأهل البتراء ووادي رم، وهي طقوس وعادات أهالي هذه المناطق، الطعام وصناعة السجاد، والممارسات الشعبية في الطب الشعبي، كما تم إدراج رقصة سامر، وهو رقص شعبي بدوي أردني، تم إدراجه على لائحة التراث غير المادي في الينوسكو، أخيرا الطبق الشعبي الأردني المنسف، على لائحة التراث عام 2022، كما أننا نسير بخطى ثابتة لإدراح بعض المواقع الأخرى، منها مدينة العقبة.
كيف ترى التعاون السياحي بين الأردن وروسيا وكيفية تطويره؟
لا يمكننا الحديث عن سياحة بشكل عملي بدون وجود ربط جوي مباشر، وهو ما تم الإعلان عنه ببدء الربط بين موسكو وعمان في 15 أكتوبر الحالي، وهناك كنيسة أرثوذكسية في المغطش تم بنائها من قبل الروس، وتم افتتاحها من قبل الرئيس فلاديمير بوتين قبل عدة سنوات.
هناك علاقات سياسية متميزة بين روسيا والأردن، وبين العاهل الأردني الملك عبدالله، والرئيس فلاديمير بوتين، ويجب أن تنعكس هذه العلاقات المتميزة على الملف السياحي، ونحن نعمل على ذلك.
أجرى المقابلة: وائل مجدي