كما أن المشهد السياسي تعقد بشكل كبير بعد الإشكاليات الأخيرة، التي مرت بها ليبيا، أبرزها مشكلة إقالة محافظ المصرف المركزي والخلاف على مسألة تعيين المحافظ الجديد، بالإضافة إلى ملف إغلاقات النفط، التي زادت المشهد تعقيدا وأسهمت في تأزم الوضع الاقتصادي في البلاد، ما زاد من معاناة المواطن الليبي.
وبحسب محللين، فإن "الأمم المتحدة والبعثة التابعة لها لم تسعى لإيجاد أي حلول حقيقية ولم تفرض أي عقوبات على المعرقلين في ليبيا".
استمرار الأزمة
في الإطار، قال المحلل السياسي جمال شلوف، إن "الوضع السياسي في ليبيا انتقل من مرحلة الجمود إلى مرحلة سياسة عض الأصابع، تحاول كل الأطراف استغلال أزمة المصرف المركزي، الذي يعتبر قنبلة تحاول كل الأطراف أن تفجرها في خصومها".
واعتبر شلوف، في تصريحه لـ"سبوتنيك"، أن "حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي هم سبب أزمة المصرف المركزي، وأن استمرار أزمة المركزي هي مماطلة من مجلسي النواب والدولة وبالتالي هم من يعقد عليهم حل الأزمة".
وأوضح أن "مجلسي النواب والأعلى للدولة تعمدوا المماطلة، يقصدون بذلك أن المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية هم من افتعل هذه الأزمة وعليهم أن يتقبلوا نتائجها وما يترتب عليها".
واستبعد المحلل السياسي الليبي "أي أفق للحل في الوقت الحالي لعدة أسباب أبرزها الارتفاع الكبير في الأسعار وانخفاض قيمة الدينار، بالإضافة للمشاكل المعيشية التي قد تستمر في الفترة القادمة، وهذا الأمر لا يصب في مصلحة الشعب الأمر الذي يعد آخر ما تفكر فيه أطراف الأزمة".
وتابع: "من الواضح أن تصريحات رئيس مجلس النواب ومطالبه الواضحة بخصوص المزيد من التعاون مع المجلس الأعلى للدولة، وهذا يعني أن المجلس الأعلى للدولة وقعوا في أزمة، وأن الحلول التي عرضها مجلس النواب هي حلول منطقية منها عودة المحافظ السابق الصديق الكبير أو تكليف نائب المحافظ بتسيير مهام المصرف المركزي، وهذه الحلول لم تناسب المجلس الأعلى للدولة ولديهم مشكلة تتمثل في خروج المحافظ السابق، الذي يختلف مع المجموعات المسلحة الذي سوف يعطل كل الإجراءات التابعة للأطراف التي رحبت بقرار إقالته".
وأضاف شلوف: "بالإضافة إلى أن التشكيلات المسلحة التي تعي جيداً أن تكليف مرعي البرعصي نائب المحافظ بمهام محافظ المصرف المركزي، سوف ينتقل بإدارة المركزي لأي مدينة أخرى في حال تعرضه لأي مضايقات أو ابتزاز في عمله، ولن تتحصل التشكيلات المسلحة على الأموال التي كانت تتحصل عليها".
واعتبر أن "خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة مشتت في تعامله ما بين مقترحات مجلس النواب وبين التشكيلات المسلحة التي تفرض آراءها على الأجسام الرسمية في البلاد وترفض البنود التي تقدم بها مجلس النواب.
وتابع: "هناك بند آخر في المفاوضات يتمثل في تكليف محافظ جديد ونائب له ومجلس إدارة للمركزي، فإن خالد المشري ومجموعته تراجعت عن اتفاق بوزنيقة الذي ينص على أن المحافظ يجب أن يكون من المنطقة الشرقية من ليبيا وهم في دائرة نقاش حول هذه النقطة التي تتعارض مع مخاوفهم حيال مضايقة المحافظ المنتظر الذي سوف يقوم بنقل إدارة المركزي لشرق البلاد ولن يحصلوا على شيء، وهذه توقعاتهم ولن يتقبلوا أي حلول، وبالتالي فإن المشري في حيرة كبيرة حيال ذلك، ومن هنا جاءت مطالبة عقيلة صالح بضرورة توحيد الجهود بين المجلسين".
ويرى شلوف أن "بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، فقدت أي دور لها يمكن أن تقوم به في ليبيا، وذلك بعد أن أخفت تقرير الرشى في جنيف، الذي أوصل الحكومة الحالية للسلطة، من هنا فقدت البعثة مصداقيتها تماما".
وأضاف: "لم تعاقب البعثة الأممية من تسبب في أزمة المصرف المركزي الحالية، لأنها لا تستطيع ذلك ولم تعد قادرة على إدارة الأزمة بل أصبحت طرفا في الأزمة ويجب عليها الخروج من المشهد حتى يتم حل هذه الأزمة".
مؤكدا بأن "الدور الأمريكي موجود وبشكل كبير في ليبيا، والبعثة الأممية بشكل عام ومنذ فترة المندوبة السابقة ستيفاني ويليامز، والمبعوثة الحالية ستيفاني خوري، الأمريكية، ومن هنا يتضح بأن أمريكا قامت بلعب دور من خلال البعثة في الأزمة الليبية".
وأكد أن "سبب جمود البعثة في حل الأزمة وعدم سيطرتها على الملف الليبي يأتي لانشغال الولايات المتحدة الأمريكية بملف الانتخابات الأمريكية، وبالتالي فإن دورها الخارجي يتقلص بشكل كبير"، واعتبر أن "الدور الأمريكي مؤثر بشكل كبير على البعثة الأممية، التي تعاني في الأساس".
"تدخل غير مقبول"
من جانبه، يرى المحلل السياسي محمد امطيريد، في تصريح خاص لـ"سبوتنيك"، أن "ليبيا في الوضع الحالي لم تشهد أي تطورات سياسية تذكر خاصة في ملف المصرف المركزي، وبالتالي فإن ما قام به المجلس الرئاسي تم قبوله دوليا بشكل تدريجي وربما الفترة القادمة سوف تتغير الكثير من المسائل".
واعتبر أن "هذا الجمود الحالي أخذ شكلا جديدا على الملف الليبي"، ووصف ما يحدث الآن بـ"الأمر الغير مقبول، خاصة وأن الأمور السياسية شائكة والأوراق مختلطة ولا يوجد أي توافق بين الأطراف، خاصة عند الحديث عن خلافات في الأجسام داخل العاصمة طرابلس".
وقال امطيريد إن "البعثة الأممية للدعم في ليبيا لم تقدم أي حلول حقيقية في الأزمة الليبية، وهي غير قادرة على تسيير الملف السياسي في ليبيا، وإنما تقوم بتدوير المشاكل أكثر من كونها تقدم الحلول في الملف الليبي".
ويرى أن "تصريحات رئيس مجلس النواب بمطالبته بتكثيف الجهود مع مجلس الدولة أمر يصب في الصالح العام، ولكن الغريب هو تدخل المجلس الرئاسي غير القانوني، وما قام به الرئاسي من تجاوزات عقّدت المشهد في مسألة المصرف المركزي".
وأوضح امطيريد أن "عدم تجاوب بعثة الأمم المتحدة حيال هذا الأمر ليس بجديد ولم تقم البعثة بواجباتها حيال أي ملف من الملفات التي قامت بالإشراف عليها سواء في الملف السياسي أو الأمني أو غيرها من الملفات، التي يعتبر آخرها ملف أزمة المصرف المركزي"، مؤكدًا بأن "البعثة ساهمت في تأزيم المشهد وقامت بطرح مقترحات غير مقبولة وتم رفضها من الأطراف الرسمية، لأنها مكّنت المجلس الرئاسي من الجلوس في حوار ليس من حق الرئاسي التواجد فيه".
ويعتقد المحلل السياسي أن "الجانب القانوني غير موجود في الملف الليبي، وأن ليبيا تواجه اختراق من قبل التداخل في السلطات خاصة ما قام به المجلس الرئاسي".
وناشد امطيريد مجلس النواب بـ"عدم الاعتماد على البعثة الأممية في إدارة الملف الليبي، ويجب أن يكون هناك مبعوثين مباشرين بين الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس النواب الليبي"، واعتبر أن "ما يحدث من البعثة أمر غير مقبول".
وأشار إلى أن "الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على المبعوثة المكلفة بالإنابة والتي تحمل الجنسية الأمريكية، والتي قوبلت بالرفض من مندوب روسيا بالأمم المتحدة عند تكليفها، وروسيا تناشد بتكليف مندوب جديد لبعثة الأمم المتحدة في ليبيا".
وقال إن "الولايات المتحدة الأمريكية متدخلة بشكل كبير في الملف الأمني والسياسي والمالي خاصة بعد تحركات المبعوث الأمريكي من تحركات مع بعض الأطراف الليبية".