تأتي هذه الزيارة في سياق المساعي الدولية والإقليمية الرامية إلى إيجاد حل سلمي للأزمة الليبية، بحسب مراسل "سبوتنيك"، الذي أوضح أنه خلال زيارته، التقى الغزواني مع عدد من المسؤولين الليبيين وممثلين عن الأطراف المختلفة بهدف تشجيع الحوار الوطني والتوصل إلى اتفاق سياسي شامل يحقق الاستقرار والأمن في ليبيا.
الزيارة تأتي ضمن خطة الاتحاد الأفريقي لتعزيز دوره في القضايا الأفريقية، مع التأكيد على ضرورة تبني حلول ليبية داخلية بعيدا عن التدخلات الخارجية، ودعم جهود المصالحة الوطنية وإجراء الانتخابات.
تحديات كبيرة
يرى المحلل السياسي والأكاديمي الليبي إلياس الباروني، أن الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي يترأس الاتحاد الأفريقي، يسعى للعب دور في حل الأزمة الليبية. ويستند هذا الدور إلى أن موريتانيا لم تكن طرفًا في الصراع الليبي، مشيرا إلى أن توقيت تدخل الغزواني كرئيس للاتحاد الأفريقي قد يمنحه فرصة للتأثير في هذا الملف.
وقال الباروني، في تصريح خاص لـ"سبوتنيك": "رغم أن نجاح هذه الجهود يعتمد إلى حد كبير على الدور الليبي وتدخلات القوى الدولية، فإن دور الغزواني قد يواجه تعقيدات عديدة. ورغم ذلك، يظل جهده مهمًا من خلال تقديم مقترحات عملية يمكن أن تساهم في حل الأزمة".
وأضاف: "كما يحاول الاتحاد الأفريقي أن يضع بصمة في الملف الليبي، خاصة وأن ليبيا كانت من الدول الرئيسية في تأسيس الاتحاد الأفريقي وتحوّله من منظمة الوحدة الأفريقية. إلا أن الاتحاد يواجه تحديات كبيرة بسبب النزاعات الداخلية في القارة".
ورغم هذه التحديات، يؤكد الباروني، أن الاتحاد الأفريقي، تحت رئاسة الغزواني، يبذل جهودًا لتقديم حلول. ويشير إلى أهمية استثمار هذا التحرك الأفريقي في ظل التعقيدات التي تعيق حل الأزمة الليبية، مع إمكانية التفاؤل بدور الاتحاد الأفريقي ككيان يضم عددًا كبيرًا من الدول القادرة على التأثير في الملف الليبي والمساهمة في إيجاد حلول للأزمة.
نجاح محدود
صرح المحلل السياسي حسام الدين العبدلي، أن زيارة رئيس الاتحاد الأفريقي، محمد ولد الغزواني، برفقة وفد من الشخصيات البارزة، بما في ذلك رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، تأتي ضمن جهود تنفيذ نداء برازافيل لتسريع عملية السلام والمصالحة في ليبيا.
وأشار العبدلي إلى أن الوفد الأفريقي الذي وصل إلى طرابلس يجب أن يركز على قضايا أساسية لتحقيق المصالحة، من أبرزها وقف التدخلات الخارجية، وجمع الأطراف المسلحة على طاولة الحوار.
وأضاف، في تصريحه لـ"سبوتنيك" أن المصالحة لن تنجح في ظل استمرار وجود مجلسي النواب والدولة في المشهد السياسي الليبي، وأوضح أن الهدف الرئيسي من الزيارة هو التحضير لمؤتمر المصالحة المقرر عقده في نوفمبر/ تشرين الثاني القادم في أديس أبابا.
لكنه تساءل عن هوية الممثلين الحقيقيين للشعب الليبي في هذا اللقاء. فإن كان الممثلون هم شيوخ القبائل والمجتمع المدني، فهؤلاء لا يمثلون الشعب الليبي بأسره، وإن كان الحاضرون هم مجلسي النواب والدولة، فإن المصالحة ستفشل لأنهم يمثلون أكبر معوقات الحل.
وأكد العبدلي أن المشكلة الحقيقية تكمن في غياب دستور دائم للبلاد، وعدم وجود حكومة ورئيس شرعيين، وهذه هي الأسباب الرئيسية وراء فشل المصالحة. وأوضح أنه في حال توافر هذه الشروط، يمكن إطلاق مبادرات حقيقية للمصالحة بعيداً عن التدخلات الخارجية والأطراف التي تدعي تمثيل الشعب الليبي، مشيراً إلى أن استمرار وجود مجلسي النواب والدولة قد يؤدي إلى فشل هذه الجهود، كما حدث مع الاجتماع الذي كان من المقرر عقده في سرت في أبريل/ نيسان الماضي.
خطط ومبادرات
المحلل السياسي والخبير في الشأن الأفريقي إدريس احميد، أكد أن الاتحاد الأفريقي يولي أهمية كبيرة لاستقرار ليبيا، باعتبارها أحد المؤسسين الرئيسيين للاتحاد. لذلك، أي رئاسة للاتحاد تضع الملف الليبي ضمن أولوياتها.
وأشار احميد، في تصريح خاص لـ"سبوتنيك" إلى أن زيارة الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني إلى ليبيا تأتي كجزء من المبادرات الهادفة إلى تحقيق تقدم في هذا الملف، خاصة وأن الاتحاد الأفريقي كان قد أسس لجنة رفيعة المستوى برئاسة الرئيس الكونغولي دينيس ساسو نغيسو، الذي زار ليبيا عدة مرات، وقدم مقترحات للمصالحة الوطنية وحل الأزمة الليبية. وتأتي هذه الزيارة في إطار تلك الجهود.
وأضاف أن الأطراف الليبية تمت دعوتها لحضور اجتماع في أديس أبابا للتباحث حول السبل الممكنة لحل الأزمة. وأوضح أن الاتحاد الأفريقي يعتبر من أهم الكيانات الدولية، حيث يضم أكثر من 50 دولة.
وأردف: "منذ التدخل العسكري في ليبيا عام 2011، تم تهميش دوره لصالح مصالح دول أخرى كانت ترغب في التدخل. ورغم جهود الاتحاد للتوسط في الأزمة الليبية، خاصة عبر الرئيس الجنوب أفريقي، إلا أن هذه المحاولات لم تلق تجاوباً من حلف الناتو والأمم المتحدة".
ولفت احميد إلى أن انشغال الاتحاد الأفريقي بقضايا أعضائه وصراعات الساحل والصحراء والإرهاب، بالإضافة إلى غياب الدور الليبي بعد 2011، أضعف تأثيره في الملف الليبي. خاصة ليبيا كانت تلعب دوراً مهماً في تأسيس وتفعيل الاتحاد، وما جرى في ليبيا أثر سلباً على الاتحاد الأفريقي.
وأكد أن الملف الليبي خرج من أيدي الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، وأصبح تحت سيطرة الولايات المتحدة، التي تعطل أي تدخلات أخرى، بما في ذلك انتخابات ديسمبر/ كانون الأول 2021. ورغم ذلك، يسعى الاتحاد الأفريقي من خلال لجنته الرفيعة المستوى لدفع المصالحة الوطنية عبر زيارات متكررة.
وشدد احميد على أن الاتحاد الأفريقي يمكنه لعب دور أكبر في حال فهم الأزمة الليبية وأطرافها المعرقلة. إذا تمكن من الضغط على الأمم المتحدة والولايات المتحدة، ويمكنه أن يظهر قدرته على التأثير في هذا الملف. كما أشار إلى أن الاتحاد الأفريقي لديه القدرة على حل الأزمة إذا وضع الملف الليبي ضمن أولوياته، مستشهداً بنجاحاته في حل ملفات أخرى.
وتابع: "يمكنه أيضاً التعاون مع دول مثل روسيا والصين، ومنظمات دولية أخرى، للضغط من أجل حل الأزمة".
واختتم بالقول إن الاتحاد الأفريقي ولد بصعوبة، وهذه الصعوبة تمنحه القوة للاستمرار، خاصة في ظل الصراع الدولي على القارة. ورغم التحديات، يمكنه لعب دور أكبر بالتعاون مع منظمات مثل "بريكس" ومنظمة التعاون الإسلامي، والمساهمة في تحقيق توازن عالمي في ظل العالم الأحادي القطب.