تنظر الأغلبية دائما للتطور على أنه فرصة كبيرة لحياة أكثر رفاهية، فيما ترى بعض الفئات في هذا التطور تهديدا لمصدر رزقهم الوحيد.
في شارع الخيامية الواقع بجوار مسجد الأزهر الشريف، تصطف عشرات المحال القديمة، على أبوابها زخرفة ولوحات فنية يعود بعضها لأكثر من 5 عقود، تحمل مزيجا من الألوان والنقوش اليدوية التي تؤكد عبقرية وفنية العشرات وربما المئات من "صانعي البهجة"، وهم "الخيامية".
كانت صناعة الأقمشة الملونة التي تستخدم في صنع خيم و"سرادقات" أو مفروشات منزلية أو حتى لوحات فنية تعلّق على الجدران، بمثابة فرصة عمل هامة، بل وموهبة لها تقديرها وتحمل أصحابها لعقود طويلة، لكن الحال الآن تغير.
يقول أشرف هاشم، أحد أقدم العاملين في المجال، إن السنوات التي خلت ليست كما التي حلت، أو التي تُرتقب.
في حديثه لـ"سبوتنيك"، يوضح الحاج أشرف، أنه فضل الاستمرار في الحرفة التي تعلمها منذ سن الطفولة رغم حصوله على مؤهل جامعي، لكنه فضل البقاء داخل الشارع الذي كان يرى فيه فنه وصناعته بين صانعي البهجة، فكان لإعجاب الزائرين من الجنسيات الأخرى بلوحاته ومفروشاته التي يطرزها ويصنعها من الخط العربي أو التي تحمل بعض الزهور والطيور أبلغ الاثر في الشعور بقيمة موهبته.
يؤكد الحاج أشرف أن المهنة لم تعد كما كانت، في ظل ارتفاع مدخلات الإنتاج، والتطور الكبير الذي حدث من ماكينات طباعة ورسم وإنتاج بشكل أسرع في الوقت الذي تستغرق فيه اللوحة بضعة أيام بشكل يدوي، بالإضافة لتراجع الإقبال على المنتجات اليدوية في شارع الخيامية.
كان الشارع الواقع بمنطقة الدرب الأحمر، بمقابل "باب زويلة"، أحد أهم المقاصد لعقود طويلة، لكن السنوات الأخيرة تراجعت نسبة الإقبال سواء من المصريين أو الجنسيات الأخرى، نظرا لإنتاج المفروشات المطرزة في مصانع وورش حديثة في أكثر من مكان.
يعتقد البعض أن اسم الخيامية يعود إلى طريقة استخدم في زخرفة الخيام بواسطة عمل قصاصات من القماش يتم تثبيتها بطريقة فنية مبتكرة، لتظهر الخيمة في النهاية أشبه بلوحة فنية مميزة، كما يستخدم الخيط أيضا بشكل فني لإبراز رسمة بعد تدقيقها بالإبرة أو بالرصاص.
يقول محمود سيد، أحد العاملين بالمهنة، إن معرفة المصريين بالخيامية بدأت في عصر المماليك، وهي الفترة التي اشتهرت فيها الحرف اليدوية في منطقة "القاهرة القديمة"، خاصة أن الحرفة كانت تستهدف في البداية تزيين خيام الأمراء بقصاصات من القماش والخيوط الملونة.
يضيف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن رواية أخرى نقلها الأجداد، تشير إلى أن "فن الخيامية" يعود لعهد المصريين القدماء، فيما تشير روايات أخرى إلى أنه يعود مع الفتح الإسلامي لمصر.
يتفق سيد بشأن الواقع الحالي الذي تواجهه المهنة، إذ باتت مهددة بشكل كبير، في ظل ارتفاع أسعار المدخلات، وتراجع نسب المبيعات، وكذلك نسب الربح، الأمر الذي اضطر البعض للانصراف عن المهنة منذ سنوات.
تمر عملية التدريب للموهوبين أو الراغبين في العمل- رغم تراجع عددهم حاليا- بمراحل عدة، منها الإلمام بالأدوات المستخدمة ومواد الإنتاج وكيفية استخدامها، والتخطيط على القماش، والطبع بالفحم، مرورا باستخدام الإبرة والخيط لتجسيد الرسم على القماش، وصولا للمرحلة النهائية وهي "التفنيش"، والتي تميز شخص عن الآخر، وفق مستوى الموهبة.
تستخدم العديد من الألوان في الوقت الراهن، بحيث تعطي الشكل الطبعي للرسم على القماش، منها "البيج، البني، الهافان، التركواز، السماوي، الأصفر، الأخضر".
تستغرق بعض اللوحات نحو 7 أيام في صناعتها، حيث تعدد مهنة الخيامية صناعية يدوية، 100%، لا تدخل فيها أي ماكينات، ويستخدم فيها أدوات يدوية غيرة منها الإبرة والخيط وأدوات أخرى صغيرة.