يضاف إلى ذلك أن العديد من هذه المدن كانت مسرحاً للحروب والنزاعات المسلحة نتيجة تمركز التنظيمات الإرهابية فيها، مما أدى إلى تدميرها وتدمير بنيتها التحتية، ومن بين أبرز الأمثلة مدينة درنة، التي تعرّضت لدمار واسع جراء إعصار دانيال، ما أضاف تحديات إضافية أمام جهود إعادة البناء والتنمية في المنطقة.
جهود حثيثة
في الإطار، قال المحلل السياسي محمد امطيريد، إن مشاريع الإعمار التي انطلقت في شرق وجنوب ليبيا تُعد الأولى من نوعها من حيث الحجم والإمكانات وسرعة التنفيذ، بالإضافة إلى نوعية المشاريع التي تركز على تلبية احتياجات هذه المناطق، وأوضح أن هذه المشاريع، التي خُطط لها بعناية، تمثل تغييرًا جذريًا خاصة في مدينة بنغازي والمدن الأخرى التي تأثرت بفترات النزاع.
شرق وجنوب ليبيا نهضة تنموية تواجه تحديات الإعمار بعد الحروب والكوارث
© Sputnik . MAHER ALSHAERY
وأضاف امطيريد، في تصريح خاص لـ"سبوتنيك" أن بعض المشاريع استهدفت إنشاء مناطق زراعية واسعة في الجنوب الشرقي، مما ساهم في تعزيز الإنتاج الزراعي تحت إشراف خبرات وكفاءات عالية.
وأوضح المحلل الليبي أن ليبيا بحاجة ماسة لتطوير البنية التحتية وتعزيز التنمية في أغلب المدن والمناطق التي عانت سابقًا من مركزية السلطة وضعف تدفق الموارد المالية، وذكر أن إنشاء صندوق الإعمار جاء بقرار سيادي من مجلس النواب الليبي وبميزانية مستقلة، بالتوازي مع تعزيز الأمن بقيادة الجيش الليبي، أدى إلى إطلاق مشاريع جديدة غير مسبوقة في هذه المناطق.
وأشار إلى أن عمليات الإعمار في مدينة بنغازي والمدن والمناطق المتضررة بدأت بإزالة الركام الناتج عن الحرب على الإرهاب، التي دمرت أجزاء كبيرة من المدينة، تلتها إعادة تخطيط وتنفيذ مشاريع تنموية ضمن خطة بنغازي الجديدة والمدن والمناطق المتضررة.
وفي حديثه عن مدينة درنة، قال امطيريد إن الكارثة التي حلت بالمدينة في سبتمبر/ أيلول 2023 إثر إعصار دانيال المدمر تسببت في دمار كبير وتشريد السكان، ومع ذلك تحركت لجان الإعمار سريعًا لإزالة الركام وبدء عملية إعادة الإعمار والبناء، مما مثل اختبارًا كبيرًا لصندوق الإعمار الذي نجح في تحقيق إنجازات ملحوظة.
وأكدت أن هذه الجهود قدمت رسالة إيجابية للمستثمرين الأجانب، مشيرًا إلى أن بنغازي وشرق ليبيا أصبحت بيئة آمنة وجاذبة للعمل، وشدد امطيريد على أن الاستقرار الأمني الذي يشهده شرق ليبيا، بفضل وجود سلطة تنفيذية واحدة وأجواء أمنة، ساعد في خلق بيئة مناسبة لجذب المستثمرين الأجانب.
شرق وجنوب ليبيا نهضة تنموية تواجه تحديات الإعمار بعد الحروب والكوارث
© Sputnik . MAHER ALSHAERY
وأضاف أن عدة شركات عربية وأجنبية بدأت المشاركة في مشاريع إعادة الإعمار، بعيدًا عن التحديات السياسية والأمنية السابقة، كما لفت إلى أن لجان الإعمار نظمت مؤتمرات دولية وورش عمل لتعزيز التعاون مع الشركات الأجنبية ودعم التنمية المحلية.
ووتيرة متسارعة
وأوضح أن عدد المشاريع التي انطلقت في مدن الشرق والجنوب تجاوز 450 مشروعًا، منها 120 مشروعًا متوسط الحجم، وفي درنة وحدها، تم تنفيذ 350 مشروعًا كمرحلة أولى، شملت إزالة الركام، إنشاء الجسور، القضاء على التلوث البصري، وتهيئة المسطحات الخضراء.
وفي مدن أخرى، تم تنفيذ 75 مشروعًا في البيضاء، و35 مشروعًا في طبرق، بالإضافة إلى مشاريع متنوعة في الكفرة، سبها، وسرت، وأكد أن هذه المدن بدأت تتنافس فيما بينها على الإعمار والتنمية، مما يعزز الحراك المحلي.
وأشار امطيريد إلى أن الجهود المبذولة لتحسين الأمن والاستقرار في هذه المناطق شملت تغييرات في الهيكل الإداري وتعيين قيادات ذات كفاءة عالية، مما عزز الثقة المحلية والدولية في مستقبل التنمية بليبيا.
وختم قوله بإن هذه المرحلة تشكل فرصة كبيرة للتنافس بين الشركات الأجنبية والمحلية، مؤكدًا أن عودة عجلة الإعمار بعد سنوات من الركود تمثل بداية حقيقية لإحياء المدن والمناطق الليبية.
أكد المحلل السياسي حسام الدين العبدلي، أن المنطقة الشرقية في ليبيا تشهد طفرة ملحوظة في مجال البنية التحتية، خاصة في ظل الوضع المتهالك للبنية التحتية الليبية منذ عقود، مشيرًا إلى أن الطرق، وشبكات المياه، وشبكات الصرف الصحي، تمثل أساسيات ضرورية لا يمكن لأي مشاريع عمرانية أو مدن حديثة أن تقوم بدونها.
تنمية وإعمار
وأوضح العبدلي، في تصريح خاص لـ"سبوتنيك"، أن الجهود التي يبذلها صندوق تنمية وإعادة إعمار ليبيا في شرق البلاد تصب في صالح المواطن الليبي، وشدد على أن ليبيا ما زالت بحاجة إلى دعم إضافي لتنفيذ المزيد من المشاريع التنموية، حيث تتطلب هذه المشاريع ميزانيات ضخمة وتعاونًا جادًا بين الدولة والمجتمع، وأشار إلى أن اكتمال هذه المشاريع يعد مقياسًا لحداثة الدولة ومستوى تطورها الحضاري.
شرق وجنوب ليبيا نهضة تنموية تواجه تحديات الإعمار بعد الحروب والكوارث
© Sputnik . MAHER ALSHAERY
وأضاف العبدلي أن بناء المدارس، المستشفيات، الملاعب، وغيرها من المؤسسات يمثل أولوية طال انتظارها من قبل الليبيين لعقود طويلة، وأكد أن هذه المشاريع ليست مجرد ضرورة خدمية، بل هي رمز لتطور الدول وازدهارها.
معوقات البيروقراطية
وفيما يتعلق بالمنطقة الغربية، أشار العبدلي إلى أن الإعمار هناك لا يزال محدودًا بسبب العقبات البيروقراطية، وأوضح أن تعقيد الإجراءات الإدارية، مثل مرور المستندات عبر عدة جهات، يؤدي إلى تأخير تنفيذ المشاريع، ويخلق بيئة مواتية لاستغلال النفوذ والابتزاز المالي، مؤكدا أن هذه العوائق تتسبب في توقف الكثير من المشاريع أو عدم استكمالها.
وأضاف أن الصعوبات المالية المتعلقة بتأخر صرف المستحقات للشركات والمستثمرين تشكل مشكلة كبيرة، مما يعكس الفرق بين آلية العمل في الشرق والغرب، وأشار إلى أن صندوق تنمية وإعادة الإعمار في الشرق يتميز بآلية مباشرة لتنفيذ المشاريع وصرف الميزانيات دون تعقيدات، مما يفسر سرعة الإنجاز مقارنة بالغرب.
وأكد العبدلي أن ليبيا بحاجة إلى إدارات كفؤة وقيادات مؤهلة لقيادة المشاريع التنموية، مشيرًا إلى أن المحسوبية والجهوية تلعبان دورًا كبيرًا في تعيين غير المؤهلين في مناصب حساسة، وأوضح أن هذه الممارسات تقف عائقًا أمام تطور البلاد وعرقلة المشاريع الكبرى.
وشدد على أن الاستقرار الأمني الذي تشهده ليبيا يمثل عنصرًا جاذبًا للشركات الأجنبية، التي تسعى إلى الاستثمار في الدول النامية، ومنها ليبيا التي تمتلك مقومات كبيرة للنمو السريع.
لكنه دعا إلى ضرورة فرض شروط على الشركات الأجنبية، مثل إشراك الكفاءات الليبية في عمليات التنفيذ والإشراف، لضمان استفادة الشباب الليبي من فرص العمل والتطوير، وقال "نريد لليبيا أن تحقق تقدمًا ملحوظًا، وأن تكون لها إدارة قوية وأشخاص مؤهلون يقودون عملية التنمية، مما سيضع البلاد في مصاف الدول المتقدمة".