ويعيش الفلسطينيون النازحون في قطاع غزة في مخيمات مكتظة، وأفادت الأمم المتحدة بأن 9 من كل 10 أشخاص في قطاع غزة، نزحوا لمرة واحدة منذ بدء الحرب، مقدرة عددهم بنحو 1.9 مليون فلسطيني من سكان القطاع البالغ عددهم قرابة 2.4 مليون نسمة تقريباً.
ويواجه أطفال قطاع غزة عواقب مأساوية للغاية، في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة، إلى جانب الحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع، ما تسبب في صدمات نفسية بحاجة إلى علاج، ووفقا لمنظمة اليونيسيف، فإنَّ هناك ما لا يقل عن 17 ألف طفل في قطاع غزة غير مصحوبين بذويهم أو منفصلين عن والديهم، مع معاناة الأطفال من ضغوط نفسية صعبة للغاية.
ويعاني الأطفال الأيتام الذين فقدوا ذويهم بسبب الحرب، حيث يعيش معظمهم بظروف قاسية لا تتوافر فيها أبسط حقوقهم في الرعاية والأمان والصحة والتعليم، وكل مقومات العيش الكريم التي تنص عليها المواثيق الدولية، وفي مقدمتها اتفاقية حقوق الطفل.
طفل يعود إلى الحياة من ثلاجة الموتى يحلم أن يصبح طبيبا يعالج أطفال غزة
© Sputnik . Ajwad Jradat
طفل يعود إلى الحياة من ثلاجة الموتى
ولم تعد المعاناة كلمة تكفي لوصف ما يتعرض له الأطفال في قطاع غزة من أهوال، فمن القتل والتهجير والخوف والصدمات، إلى حوادث لم يكن يتوقعها أهالي القطاع، ومن بين تلك الحوادث ما تعرض له الطفل محمد الدعالسة، فقد استهدفت الطائرات الإسرائيلية، منزل عائلة "الدعالسة" في مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة، ما أسفر عن مقتل 32 فردا، وكان محمد من بين عداد القتلى، ومكث في ثلاجة الموتى لـ24 ساعة متواصلة، وحينما بدأت مراسم تكفينه وجد عمه فيه نبضا ونفسا، ليسرع به لداخل المستشفى، ويمكث محمد 15 يوما في غيبوبة تامة، ثم يعود إلى الحياة من جديد.
طفل يعود إلى الحياة من ثلاجة الموتى يحلم أن يصبح طبيبا يعالج أطفال غزة
© Sputnik . Ajwad Jradat
ويقول محمد الدعالسة، عم الطفل محمد لوكالة "سبوتنيك": "بعد قصف المنزل بعدة صواريخ مكثت فترة تحت الركام، وكنت أسمع صوت تكبير من فوق الركام، وظننت أنَّ الناس يُخرجون عائلتي أحياء، وكنت أتمنى أن أموت ويبقوا هم، لكن بعد خروجي من تحت الركام، تفاجأت أنَّ جميع عائلتي قتلوا، ولم يبقى لي أحد منهم، وعند التحضير للدفن وجدنا أنَّ الطفل ابن أخي محمد مازال حيا، ومكث فترة في غيبوبة داخل المشفى ثم عاد إلى الحياة".
طفل يعود إلى الحياة من ثلاجة الموتى يحلم أن يصبح طبيبا يعالج أطفال غزة
© Sputnik . Ajwad Jradat
وأضاف: "لقد نسيت كل الألم ونسيت ما حدث، عندما وجدث محمد حيا، فلقد بقي من أهلي من يشاركني هذه الحياة ويعيش بجواري رغم ما يعانيه من آثار الجروح أسفل رأسه، بعدما تعرض لكسر في الجمجمة، وقد تعرض لقصر في رجله اليسرى، وأتمنى أن تنتهي الحرب ويعود الناس إلى بيوتهم".
طفل يعود إلى الحياة من ثلاجة الموتى يحلم أن يصبح طبيبا يعالج أطفال غزة
© Sputnik . Ajwad Jradat
ويتواجد الطفل محمد مع عمه في "مخيم البركة للأيتام" في مواصي خان يونس جنوبي القطاع، مع قرابة 400 أسرة فلسطينية نزحت إلى هذه المنطقة من جنوب غزة، ويقدم المخيم الرعاية للأيتام بما في ذلك المأوى والطعام والشراب والرعاية الطبية والخدمات التعليمية والاجتماعية.
ويشير الدعالسة إلى أنَّ الطفل محمد يتذكر ما حدث معه، ويخاف بشدة عند سماع صوت الانفجارات، ويركض نحوه بسرعة وقد أصابه حالة من التشنج والخوف، فهو دائما يشعر بالأمان بقرب عمه.
طفل يعود إلى الحياة من ثلاجة الموتى يحلم أن يصبح طبيبا يعالج أطفال غزة
© Sputnik . Ajwad Jradat
ويقول الطفل محمد لـ"سبوتنيك": "لقد قُتل والداي، وخفت كثيرا، أريد ألعاب كي ألعب مع عمي والأطفال، وعندما أكبر أريد أن أصبح طبييا لكي أعالج الناس وأعالج أطفال غزة".
وعن حادثة الطفل محمد، يقول الطبيب عاهد خلف، المختص بالعناية المركزة لوكالة "سبوتنيك": "نتيجة النقص في الإمكانيات والمعدات في مشافي قطاع غزة، وزيادة الحالات التي تأتي جراء القصف، تحدث بعض الأخطاء، فالطاقم الطبي غير كافٍ للتعامل مع جميع الحالات واستيعاب المرضى والمصابين، وهناك بعض الحالات مثل حالة محمد، تحدث نتنيجة الضغط وسرعة أخذ الأهالي للحالات إلى ثلاجات الموتى، ونجد أنَّ بعضهم ما زال حيا، ومن ثم نقوم بالتدخل والحمد لله كتب الله لهم الحياة".
طفل يعود إلى الحياة من ثلاجة الموتى يحلم أن يصبح طبيبا يعالج أطفال غزة
© Sputnik . Ajwad Jradat
وأضاف: "هناك نقص شديد بالكادر الطبي وبعدد الممرضين والفنيين، وكذلك هناك نقص كبير في المعدات والأجهزة الطبية، مثل المونيتور وأجهزة قياس النبض وأجهزة قياس الأكسجين والحصار المفروض على القطاع وعدم دخول المساعدات الطبية، جعل الوضع الصحي غاية في الصعوبة، والتغلب على الوضع الحالي يأتي بدعم القطاع الصحي، وإدخال المساعدات والكوادر الطبية وتقديم كل المستلزمات الطبية، وتشغيل الكهرباء في مستشفيات القطاع".
وخرجت غالبية المشافي في قطاع غزَّة عن الخدمة، وتفتقر ما تبقى منها لأبسط الإمكانيات الطبيَّة، مع ارتفاع أعداد الجرحى والمصابين والمرضى، واستمرار الحرب واستهداف العاملين في القطاع الصحي، وانعدام كلّ مقوّمات الحياة الإنسانية من غذاء ودواء ووقود.
طفل يعود إلى الحياة من ثلاجة الموتى يحلم أن يصبح طبيبا يعالج أطفال غزة
© Sputnik . Ajwad Jradat
وكشف تقرير للأمم المتحدة أنَّ "70 في المئة من ضحايا الحرب على قطاع غزة هم من النساء والأطفال"، وتُؤكد مصادر فلسطينية وجود أعداد أكبر من القتلى الأطفال، تحت أنقاض المنازل بسبب صعوبة انتشال الجثامين.
ويواصل الجيش الإسرائيلي حربه على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وفي اليوم الـ434 ارتفع عدد القتلى منذ بداية الحرب على القطاع، إلى 44,875 قتيلا غالبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة 106,454 آخرين.
وفي 7 أكتوبر 2023، شنّ مقاتلون من حركة حماس الفلسطينية هجوما على جنوب إسرائيل أدى لمقتل 1200 إسرائيلي، وفقا لبيانات إسرائيلية رسمية، ورداً على هجوم "حماس"، تعهدت إسرائيل بـ"القضاء" على الحركة، وتقول إسرائيل إن 130 أسيراً ما زالوا محتجزين في غزة، بينهم 30 ماتوا، من إجمالي 250 شخصاً خطفوا في 7 أكتوبر 2023.