مخاوف وتحذيرات تونسية من احتمال عودة العناصر المقاتلة المتشددة من سوريا

مع رحيل حكومة الرئيس السوري السابق بشار الأسد، وتوتر الوضع الأمني في سوريا، تصاعدت المخاوف والتحذيرات في تونس من احتمال عودة المقاتلين التونسيين، الذين انخرطوا في صفوف التنظيمات الإرهابية في مناطق النزاع السورية.
Sputnik
وأثارت هذه الفرضية التساؤلات داخل الأوساط التونسية بشأن مدى استعداد السلطات الرسمية للتعامل مع هذا التحدي الأمني المعقد، خاصة وأن بعض المعلومات تشير إلى أن عدد المقاتلين في سوريا، من الجنسية التونسية تقدر أعدادهم بالآلاف.
وفي عام 2015، ذكر تقرير نشره خبراء في الأمم المتحدة إثر زيارتهم لتونس، أن "أعداد التونسيين الذين يقاتلون مع تنظيمات إرهابية خصوصا في ليبيا وسوريا والعراق، تتجاوز 5500 تونسي، تتراوح أعمار أغلبهم بين 18 و35 سنة"، فيما تشير دراسات أخرى إلى أن الرقم "يتجاوز 13 ألفا".

تهديد أمني حقيقي

وفي هذا الصدد، قال رئيس "المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة" منير الشرفي، في تصريح لـ "سبوتنيك"، إن "الوضع الأمني في سوريا، وخروج عدد كبير من العناصر المتشددة من السجون السورية، يعزز من فرضية عودة الإرهابيين إلى بلدانهم الأصلية".
ولفت إلى أن "السجون السورية كانت تؤوي الآلاف من مقاتلي تنظيم "داعش" الإرهابي (المحظور في روسيا وعدد من دول العالم)، بينهم عدد كبير من الجنسية تونسية"، مضيفا: "لقد انتهت مهمة هؤلاء في سوريا ولم يعد مرغوبا بهم وسيتم ترحيلهم من سوريا، عاجلا أم آجلا".
ابن زايد يؤكد لوزير خارجية الحكومة السورية المؤقتة أهمية الحفاظ على وحدة وسلامة وسيادة سوريا
وشدّد الشرفي على أن "فرضيات الترحيل تشمل كلا من تركيا وليبيا والجزائر وخاصة تونس"، لافتًا إلى أن "السنوات التي تلت الثورة في تونس، شهدت تسفير عدد كبير من التونسيين إلى بؤر التوتر بإيعاز من دعاة الإسلام السياسي وبتكليف من تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي أراد أن يسيطر على السلطة بالقوة في كل من سوريا والعراق، آنذاك".
وقال إن "هؤلاء يمثلون تهديدا أمنيا حقيقيا بالنسبة لتونس"، مشيرًا إلى أن "السلطات التونسية لا تمتلك أية معطيات بشأن التهم التي سجنوا لأجلها، خاصة بعد أن تم إتلاف ملفاتهم في سوريا".
وتساءل الشرفي: "كيف ستتعامل السلطات في تونس مع العائدين من السجون السورية؟ وهل تمتلك خطة محكمة للتعاطي مع هذه المسألة؟"، مشيرًا إلى أن "المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة نبّه السلطات من خطورة هذه الوضعية وحثّها على التعامل مع هذه المسألة بكل دقة وحزم حتى لا تقع تونس في فخ الإرهاب مرّة أخرى".
وأكد الشرفي أن "المرصد اقترح على السلطات تشكيل لجنة خاصة تضم القادة العسكريين والأمنيين والسياسيين والمنظمات، التي تدافع عن مدنية الدولة من أجل وضع خطة واضحة المعالم لتجنب سيناريو عودة الإرهاب إلى تونس".
وفيما يتعلق بعدد التونسيين، الذين تم تسفيرهم إلى سوريا تحت غطاء "الجهاد"، قال الشرفي إن "عددهم ليس مضبوطا ولكنه يقدّر بالآلاف"، مؤكدًا أن "عددا منهم لقوا حتفهم، فيما يتراوح عدد الذين أودعوا السجن بين 4 آلاف و6 آلاف".
وقال إن "من بين هؤلاء نساء توجهوا إلى سوريا تحت مسمى "جهاد النكاح"، وبعضهن أنجبن أطفالا هناك".
الرئيس التونسي: هروب 5 إرهابيين هي عملية "تهريب" جرى التخطيط لها منذ أشهر

الجنسيات التونسية بالآلاف

من جانبه، قال المؤرخ التونسي المتخصص في قضايا التهريب والإرهاب، عميرة علية، في تعيلق لـ"سبوتنيك"، إن "الدراسات الأخيرة التي صدرت عن مراكز البحث كشفت أن أعداد التونسيين الذين شاركوا في القتال في سوريا، ضمن التنظيمات الإرهابية يقدّر بحوالي 13 ألف تونسي".
وأضاف علية: "أغلبيتهم انطلقوا من تونس، حيث جنّدت التنظيمات الإرهابية نسبة كبيرة من الشباب، بينهم أعداد كبيرة من النساء، حتى أن المسؤولة عن ضبط النساء في تنظيم "داعش" الإرهابي(منظمة محظورة في روسيا ودول عدة) كانت من جنسية تونسية".
وأكد أن "عددا منهن أدلين بشهاداتهن وصرّحن بأنه تم تكليفهن للقيام بمهمة "جهاد النكاح" في سوريا"، مشيرًا إلى أن "كل الأخبار التي تأتي عن العمليات الإرهابية تؤكد مشاركة عناصر تونسية مرّت عبر منطقة الشرق العربي وأساسا العراق وسوريا".
وتابع: "تم تسفير هؤلاء بطرق مدبرة بعضها انطلق من طرابلس الليبية والبعض الآخر من تركيا وآخرون رُحّلوا عبر شركة طيران من تونس، كانت تنقلهم بجوازات سفر رسمية صادرة عن وزارة الداخلية إلى شمال العراق ومنها إلى بقية مناطق القتال في سوريا".
وقال المؤرخ التونسي إن "المعلومات المتوفرة تفيد بمقتل حوالي 300 منهم في الميدان"، مشيرًا إلى أن "آخرين بقوا في إدلب وفي بقية المناطق التابعة للتنظيمات الإرهابية في سوريا، والبعض الآخر عاد إلى أوروبا وآخرون إلى تونس وإلى طرابلس والتشاد والنيجر".
ويرى علية أن "سقوط النظام الرسمي في سوريا، يمثل حدثا أمنيا كبيرا ليس فقط بالنسبة للأمن التونسي، وإنما أيضا لأمن شمال أفريقيا، خاصة بعد إطلاق سراح أعداد كبيرة من الإرهابيين من السجون السورية".
السلطات التونسية تقبض على 21 متهما بالانتماء إلى تنظيم إرهابي
وقال المتخصص في قضايا التهريب والإرهاب، عميرة علية، إن "الخطر المتأتي من هذه العناصر لا يزال قائما، متوقعا عودة أعداد منهم إلى تونس عبر مسارات مختلفة، إما عبر استخراج جوازات سفر رسمية أو مدلسة أو تحت غطاء الطلبة أو العمال في الخارج أو بتأمين عودتهم عبر الحدود البرية بين ليبيا وتونس".
وأضاف: "هذه العناصر تتقاسم مع إرهابيي سوريا والعراق وطرابلس نفس الأهداف وقد شاركت في العمليات الإرهابية، التي شهدتها تونس بين عامي 2012 و2016"، مشددًا على أن "حلّ تنظيم أنصار الشريعة في تونس وغيرها من التنظيمات المتشددة لا يعني زوال مناصريها الذين لم يتخلوا عن أفكارهم المتطرفة".
ودعا علية السلطات التونسية إلى "أخذ التدابير الأمنية اللازمة ومراقبة الوافدين عليها من بؤر التوتر والبحث في ماضيهم"، مضيفا: "أعتقد أن السلطات بادرت بالفعل باتخاذ الاحتياطات الأمنية بتكثيف الرقابة على المنافذ البرية والبحرية والتنقلات بين المدن".

احتمال مستبعد

وفي تصريح لـ"سبوتنيك"، أكد الخبير الأمني والعسكري فيصل الشريف، أن "السلطات في تونس، تحصلت على معطيات أمنية عن التونسيين الموجودين على الأراضي السورية، بعد أن أعادت العلاقات مع حكومة الأسد قبل سقوطها".
ولفت إلى أن "الدولة التونسية تحصلت على قوائم بالعناصر المتشددة التي أودعت في السجون السورية في عهد الرئيس السوري السابق بشار الأسد"، مضيفا: "لكن للأسف لم يعد من السهل الحصول على هذه المعطيات مع عدم وجود تواصل رسمي مع الإدارة الجديدة بسوريا".
وأضاف: "في ظل هذه القطيعة سيصبح من الصعب الحديث عن تبادل للمعلومات الأمنية والحصول على معطيات مؤكدة بشأن عددهم وهل تم إطلاق سراحهم من السجون".
الحكومة السورية المؤقتة تعلن إطلاق حوار وطني شامل خلال أيام
وبشأن التعاطي التونسي مع العودة المحتملة للعناصر الإرهابية الناشطة في سوريا، قال الشريف إن "المقاربة التونسية واضحة في هذا الشأن، وهي مقاربة أمنية قضائية بحتة، تفرض محاكمتهم وسجنهم في حال ثبوت تورطهم في النشاط الإرهابي".
ووفقا لهذا المعطى، يستبعد الخبير الأمني "عودة هؤلاء الإرهابيين إلى تونس، مرجّحا بقائهم في سوريا".
وتابع: "حتى لو اختار البعض من هؤلاء مغادرة سوريا والعودة إلى تونس، فإن عودتهم لن تكون عبر المنافذ الرسمية سواء منها البرية أو البحرية أو الجوية، وأرجح انتقالهم إلى بؤر تنتشر فيها الحروب والصراعات".
ويرى الشريف أن "السلطات التونسية لا تمتلك رؤية واضحة بخصوص التعامل مع هؤلاء العناصر".
وسيطرت المعارضة السورية المسلحة على السلطة في البلاد، يوم 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، وتم تكليف رئيس الحكومة السورية المؤقتة الجديد محمد البشير، بتسيير الأعمال الحكومية، حتى 1 مارس/ آذار المقبل.
يذكر أن الرئيس السوري السابق بشار الأسد، وبعد مفاوضات مع عدد من المشاركين في الصراع، قرر ترك منصبه وغادر البلاد إلى روسيا، معطيا تعليماته بانتقال السلطة سلميا، وفقا لما ذكرته وزارة الخارجية الروسية.
مناقشة