وكانت العديد من المنظمات الحقوقية التي شاركت في إعداد هذه الدراسة قد أرجعت تنامي ظاهرة العنف الاقتصادي إلى العديد من الأسباب من بينها ضعف الهشاشة الاقتصادية والتعثر في تطبيق الإطار التشريعي.
ضعف في التبليغ
وأكدت الباحثة في مجال العلوم السياسية هيفاء ذويب، لـ"سبوتنيك"، أنه "أثناء القيام بدراسة لـ35 ملفا لضحايا العنف الاقتصادي والاجتماعي في كل من تونس الكبرى وصفاقس (جنوب البلاد)، تبين أنه يوجد ضعف في التبليغ عن العنف المسلط ضد النساء العاملات".
وأوضحت ذويب أن "الدراسة التحليلية توصلت إلى أن ضعف هذا التبليغ لا يعكس غيابه وإنما صعوبة الوصول إلى الخدمات في ظل ضعف الإيرادات المالية اللازمة"،على حد تعبيرها.
وتابعت ذويب: "لاحظنا خلال عملنا على هذه الدراسة أن 70 بالمئة من النساء اللاتي بلغن على العنف الاقتصادي، من صاحبات التعليم العالي، وأن أكثر من 42 بالمئة من النساء ضحايا العنف الاقتصادي ينسحبن من مسار التقاضي بعد قدومهن إلى الجمعية للتبليغ عن العنف".
وحول الآثار الناجمة عن هذا النوع من العنف، أفادت هيفاء ذويب أن "هذا النوع من العنف تسبب في آثار نفسية قاسية بلغت حد تفكير بعضهن في الانتحار".
وتابعت: "أكثر من 80 بالمئة من النساء العاملات أكدن تواجدهن في وضعية نفسية صعبة نظرا للمسؤوليات العائلية التي يتحملنها".
وتحدثت ذويب أيضا عن غياب الاستقلالية المادية للمرأة العاملة، وقالت إن "المرأة اليوم لا يمكنها الخروج من دائرة الفقر في ظل سياسة التحكم في مواردها وأجرها من قبل زوجها".
وأصدرت العديد من المنظمات الحقوقية التي سهرت على إعداد الدراسة جملة من التوصيات والتي من بينها حماية الفئات الأكثر هشاشة سواء العاملات في القطاع الفلاحي في تونس أو في العمل المنزلي من خلال تحديد أجور محترمة لهن مع ضمان تغطية صحية.
فقر وتهميش
وعن وضعية النساء العاملات في القطاع الفلاحي بتونس، قالت حياة عطار، المكلفة بملف العاملات الفلاحيات بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في تصريح لـ"سبوتنيك"، إن "العاملات في القطاع الفلاحي يتعرضن إلى الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي نتيجة الهشاشة والفقر".
وتابعت: "هذه الفئة هي الأكثر عرضة لكل أشكال العنف بما فيها العنف الاقتصادي" .
وذكرت العطار أن "الدراسة الميدانية التي أعدها المنتدى في سنة 2023، بيّنت أن 78 بالمئة من العاملات الفلاحيات تعرضن لكل أشكال العنف ومنها العنف اللفظي والمادي وأحيانا العنف الجنسي"، على حد تعبيرها.
كما كشفت حياة عطار أن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية كان متواجدا دائما إلى جانب هذه الفئة، قائلة: "من خلال مرافقتنا للعديد من النساء العاملات في القطاع الفلاحي، لقد رصدنا وجود تمييز في الأجر بين العاملات، وهذا في حد ذاته استغلال اقتصادي".
وتواصل المكلفة بملف العاملات الفلاحيات بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حديثها مع"سبوتينك"، فتقول إن "آخر دراسة أعدها المنتدى كشفت أن 92 بالمئة من النساء اللاتي تشتغلن في القطاع الفلاحي لاتتمتعن بتغطية صحية".
غياب الإرادة في تطبيق المشاريع
وحول مدى توفر القوانين والتشريعات التي تحمي النساء في العمل الفلاحي، أفادت حياة عطار، المكلفة بملف العاملات الفلاحيات بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في حديثها مع "سبوتنيك"، أن "القوانين والتشريعات التي تحمي المرأة العاملة في تونس، موجودة ولكن يوجد إشكال في تطبيقها".
وأشارت عطار إلى أن "القانون عدد 58 وهو آخر التشريعات التي تم إصدارها والذي يحمي حقوق النساء في تونس، يحمل في بعض فصوله قرارات غير منصفة في حق المرأة المعنفة"، على حد قولها.
وأوضحت أن هذه القوانين تفتقر إلى آليات التنفيذ وغياب الإرادة في التطبيق، قائلة: "هذه التشريعات تتطلب الكثير من الوقت من أجل تطبيقها على أرض الواقع".
كما أوضحت حياة عطار أن "بعض العاملات في القطاع الفلاحي خرجن مؤخرا للتظاهر في الشوارع على خلفية عدم تفعيل بعض القوانين التي تحميهن"، وأضافت: "النساء الفلاحات في منطقة جبينيانة التابعة لمحافظة صفاقس جنوب البلاد، خرجن يوم أمس للتظاهر من أجل تطبيق المرسوم عدد 4 والمتعلق بالحماية الاجتماعية، والذي صدر في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، ولم يفعّل إلى الآن".
وفي السياق ذاته أكدت رئيسة جمعية "بيتي" سناء بن عاشور، في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن "المنظمات الحقوقية نبّهت في العديد من المناسبات إلى الوضعية الصعبة للعاملات اللاتي يجدن أنفسهن عرضة للعنف الاقتصادي".
وأشارت بن عاشور إلى أن "حقوق المرأة في تونس ما تزال بعيدة عن المعايير الدولية من أجل إرساء عدالة اجتماعية في ظل تعثر التشريعات الراهنة".
وشددت بن عاشور على ضرورة إعطاء ملف النساء العاملات أهمية كبرى من أجل وضع حد لنزيف الاستغلال الاقتصادي، الذي يتفاقم من سنة إلى أخرى في البلاد.