وبعد عودة الحرب إلى قطاع غزة، يزداد الوضع تعقيدا بشكل متسارع، بعدما كانت الهدنة قد فتحت أبواب الأمل لنهاية الحرب، ونهاية معاناة المواطنين المستمرة، وأدت الحرب على قطاع غزة إلى دمار كبير في المنظومة الصحية، واستهدف الجيش الإسرائيلي المستشفيات والمرافق الصحية، ومنع دخول إمدادات الدواء والمستلزمات الطبية، وأدى الوضع الصحي الكارثي في القطاع إلى اضطراب في جميع الخدمات الصحية، وبات على سكان القطاع المحاولة في كل يوم النجاة من الموت والحصول على القليل من الغذاء، وسط كارثة إنسانية وصحية مستمرة هناك.
وعلى سرير الانتظار والمرض، يمكث الشاب، محمد أبو عودة، داخل مشفى "ناصر" الطبي في مدينة خان يونس جنوبي القطاع، وينتظر أبو عودة أملا بالشفاء، وأملا بالسفر للعلاج في الخارج، ويعبر الشاب محمد عن معاناته بالرسم، والذي وجد فيه طريقا للتفريغ عن صرخته المكبوتة داخل لوحات الرسم.
وقال محمد لوكالة "سبوتنيك": "أثناء النزوح من شمال قطاع غزة، أصبت جراء القصف على المنطقة التي نتواجد فيها، ومكثت لفترة طويلة داخل المشفى، وبسبب نقص الأدوية والعلاجات المناسبة، وصلت إلى مرحلة بتر القدم، وانتظر على سرير الوجع والألم، على أمل النجاة بقدمي الثانية، والتي من الممكن أن يتم بترها هي الأخرى، وحالتي الصحية تتراجع بشكل كبير، ولكني مع كل هذا الألم والمعاناة، أعبر بالرسم عما أعانيه، لكي أبقى قويا".
وأضاف: "خلال فترة مكوثي في المشفى، وجدت في الرسم طريقة للتعبير عن معاناتي، وكذلك معاناة بقية الجرحى والمرضى، وأقوم برسم لوحات جميلة وعليها عبارات تحفز المصابين وتدعم صمودهم، ومنذ أكثر من 3 أشهر، بدأت بتعلم الرسم، ومهاراتي تتطور يوما بعد يوم، وقد استطعت رسم لوحة عن مراحل معاناتي مع البتر، وهذه لوحة قدمي قبل البتر، وبجانبها صورة البتر ومراحل توقعي للفترة القادمة، وفي نهاية اللوحة كتبت الحمد لله، وأيضا أقوم بكتابة جمل عن الصبر والصمود، وخاصة نحن في مشفى، وكل شيء حولك يشعرك بالقلق والخوف والمرض، وهذه اللوحات الملونة والجميلة، هي أمل في عيون من ينظر إليها".
وتشهد المنظومة الصحية في قطاع غزة المحاصر انهيار كبير، حيث خرجت معظم مستشفيات القطاع عن الخدمة جراء القصف الإسرائيلي، وخرج غالبية المراكز الصحية عن الخدمة، ووصفت العديد من المنظمات الإنسانية الوضع الصحي في القطاع بالكارثي.
وقام محمد بوضع لوحاته على جدران غرفته داخل المشفى، وكلما انتهى من لوحة وجد لها مكان مناسب، وقالت هديل عاكف، زوجة محمد أبو عودة لـ"سبوتنيك": "عندما أصيب محمد، كنت بجواره، وقمت بمساعدته للوصول إلى المشفى، ومنذ ذلك اليوم وهو يعاني بشكل كبير، ويجب أن يسافر للعلاج في الخارج لكن إغلاق المعابر حال دون ذلك، لكنه قوي ويمتلك عزيمة وإرادة، وفكرة الرسم جاءت لمحمد لأنه مبدع في التخطيط والكتابة، ومن خلال الألوان والرسم يعبر عن معاناة الجرحى والمرضى، وبهذه الطريقة يستطيع إيصال ما يجول في خاطره".
وتمر على محمد لحظات قاسية كل يوم، وهو يشعر أن الوقت ينفد أمام قدمه الأخرى، وأن مصيرها البتر أيضا، ويعاني من الوجع والألم، ويكتفي بالرسم والابتسامة، في ظل عجز المشفى عن تقديم العلاج المناسب له.
وسُجلت 4700 حالة بتر بسبب الحرب الإسرائيلية، ضمن قوائم برنامج صحتي، الذي تنفذه وزارة الصحة الفلسطينية بالشراكة مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومركز الأطراف الصناعية والشلل التابع لبلدية غزة، في كافة محافظات القطاع.
وبحسب وزارة الصحة بقطاع غزة، ارتفع عدد المستشفيات المتوقفة في القطاع جراء الحرب إلى 20، فيما لا يزال 18 مستشفى فقط يعمل جزئيا، كما يعمل في القطاع 9 مستشفيات ميدانية تقدم خدمات طارئة في ظل الحرب الإسرائيلية في القطاع.
وفي 2 مارس/آذار الماضي، أغلقت إسرائيل معابر غزة أمام دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية إلى القطاع، ما تسبب في تدهور غير مسبوق في الأوضاع الإنسانية.
ويواصل الجيش الإسرائيلي حربه على قطاع غزة، والتي بدأت بعد أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وارتفع عدد القتلى منذ بداية الحرب على القطاع، إلى 53,573 قتيل غالبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة 121,688 آخرين.
وفي 7 أكتوبر 2023، شنّ مقاتلون من حماس هجوما على جنوب إسرائيل أدى لمقتل 1200 إسرائيلي، وفقا لبيانات إسرائيلية رسمية، ورداً على هجوم حماس، تعهدت إسرائيل بـ "القضاء" على الحركة، واستعادة الأسرى.