فصل الخريف لا يمر كغيره من فصول السنة على الروح، بل يترك فيها أثرا عميقا، كلوحة مرسومة بألوان ذهبية وقرمزية، تخفي فيها غصة جميلة وحنينا لا يعبر عنه. والخريف بنظر الشعراء ليس مجرد منظر طبيعي يتغير مع كل دورة للحياة، بل هو حالة وجدانية، وملهم رئيسي لهم ولإبداعهم الشعري.
بوشكين يرى في الخريف ربيعاً آخر للإبداع، أما ليرمنتوف وجد فيه مرآة لعزلته، بينما احتضنه يسينين كطفل حزين يعيد إليه حنين الماضي والطفولة.
يقول الباحث في تاريخ الثقافة الروسية والأدب والشعر الروسي، الأستاذ محمد البيطار، في حديث لبرنامجنا بهذا الصدد:
"لا شك أن وصف ألكسندر بوشكين لـ "الخريف الإبداعي" في قصيدته (الخريف) هو أحد أعمق الصور الشعرية التي توثق العلاقة بين الفنان وبيئته. بحيث لا يرى بوشكين الخريف كموسم للكساد، بل موسم للصحوة الداخلية والفيض الإبداعي، وهذا يظهر في أبياته الشعرية: "الأفكار تثور في رأسي بشجاعة، والقوافي الخفيفة تسرع لملاقاتها، والأصابع تتوق إلى القلم، والقلم إلى الورقة، وبدقيقة واحدة تتدفق القصائد بحرية".
ويشير البيطار إلى أن الشاعر ميخائيل ليرمنتوف يعكس حالته النفسية ورؤيته للحياة في شعره، بشكل مأساوي وعميق، وخاصة في قصائده عن الخريف. فحالته النفسية عبارة عن شعورعميق بعدم الانتماء والاغتراب عن المجتمع والناس. كان ليرمنتوف يشعر بأنه منفصل وغير مفهوم من قبل المحيطين.
ويتابع البيطار في حديثه قائلا:
"يجد الشاعر فيودور تيوتشيف في قصيدته الشهيرة "هناك في أوائل الخريف" جمالاً فلسفياً يتجاوز المظهر البصري ليلمس أسرار الوجود نفسه. فقصيدته هي تأمل في هذه اللحظة الانتقالية الفريدة. والجمال الفلسفي الذي يجده تيوتشيف في "أوائل الخريف" يكمن في البساطة والوضوح. والمصالحة مع قوانين الطبيعة. وهي لحظة اتصال نادرة بين الإنسان والكون، حيث يمكن للروح أن ترى فيها شيئاً من الأبدية".
ويختم البيطار حديثه قائلا:
"فيما يخص الشاعر سيرغي يسينين، فعندما ينظم شعرا عن الخريف، فهو يتذكر رائحة القش، دفء الكوخ، صوت الأشجار المألوف. فالخريف عنده هو الموسم الذي يثير هذه الذكريات الحسية. فهو لا يخاف من الخريف، بل إنه يحضنه ويبكي عليه، لأنه آخر صلة له بعالم طفولته الذي دمرته الحداثة".
التفاصيل في الملف الصوتي...