يأتي هذا رغم تأكيدات أديس أبابا بأن سد النهضة الذي دشنته مؤخرًا قد ساعد في التخفيف من حدة الفيضانات التي ضربت السودان، فيما أثارت الكثير من التساؤلات حول دور السد بالفعل في تلك الفيضانات.
هذه التطورات دفعت وزارة الري السودانية إلى إطلاق "الإنذار الأحمر" على طول الشريط النيلي، تحسبًا لفيضانات محتملة.
في هذا السياق، أكد الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية والري بجامعة القاهرة، أن السودان يشهد حاليًا فيضانات غير مسبوقة في توقيت غير معتاد، بسبب فتح إثيوبيا لأربع بوابات طوارئ في سد النهضة، ما أدى إلى تصريف نحو 750 مليون متر مكعب يوميًا، وهو رقم يفوق المعدلات الطبيعية حتى في ذروة موسم الأمطار.
وحذر شراقي من أن هذه الكميات الكبيرة تتجه مباشرة إلى السودان، الذي يمتلك سدودًا صغيرة مثل سد الروصيرص وسد سنار، غير القادرة على استيعاب هذا التدفق الهائل.
وأضاف أن ما يحدث يمثل خطرًا هندسيًا وسياسيًا، نتيجة غياب التنسيق بين الدول الثلاث المعنية – مصر والسودان وإثيوبيا – في إدارة وتشغيل السد.
وأكد شراقي أن مصر محمية بالسد العالي، الذي يستطيع استيعاب هذه الكميات دون ضرر، لكن السودان هو المتضرر الأكبر حاليًا، حيث تعرضت مناطق واسعة للغرق، وتكبدت خسائر كبيرة في الأراضي الزراعية والممتلكات، داعيًا إلى ضرورة توثيق هذه الخسائر وتقديمها إلى الجهات الدولية، بما فيها مجلس الأمن، للمطالبة بتعويضات من الجانب الإثيوبي.
إلى ذلك، قال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أحمد العناني، إن أزمة سد النهضة الإثيوبي دخلت مرحلة حرجة تهدد الأمن القومي لدولتي المصب، السودان ومصر، في ظل غياب التنسيق الفني والسياسي مع الجانب الإثيوبي، خاصة خلال فترات الجفاف الممتد.
وأضاف العناني أن مصر، رغم امتلاكها للسد العالي وخزان بحيرة ناصر، والتي توفر لها هامشًا من الأمان المائي، إلا أنها لا تزال عرضة لتأثيرات تشغيل السد دون اتفاق قانوني ملزم، خاصة في حال فتح البوابات المائية بشكل مفاجئ، مما قد يؤثر على تدفق المياه إلى القاهرة والدلتا.
وشدد العناني على ضرورة تحرك سياسي ودبلوماسي عاجل من قبل مصر والسودان، بما في ذلك اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي، لتفعيل الآليات القانونية التي تضمن حقوق دول المصب، مشيرًا إلى أن المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة تمنح الدول الحق في الدفاع عن أمنها القومي حال تعرضه للتهديد.
وأوضح أن مصر لا تسعى إلى التصعيد، لكنها تحتفظ بكافة الخيارات لحماية أمنها المائي، مؤكدًا أن الحل يكمن في التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن تشغيل السد، يضمن إدارة منصفة للمياه خلال فترات الجفاف، ويحدد آليات التصريف والتخزين بما لا يضر مصالح السودان ومصر.
في المقابل، قال الكاتب الصحفي الإثيوبي، أنور إبراهيم، إن إثيوبيا تشهد هذا العام تغيرات مناخية غير مسبوقة، حيث امتد موسم الخريف إلى شهر إضافي، متجاوزًا التوقيت المعتاد لانتهائه في أواخر أغسطس أو مطلع سبتمبر، وقد أدت الأمطار الغزيرة التي تواصلت حتى بداية أكتوبر إلى سيول وانجرافات أرضية في مناطق عدة، خاصة في شمال تيغراي ومنطقة تيودي، ما تسبب في أضرار جسيمة للمحاصيل الزراعية والبنية التحتية.
وأشار إبراهيم إلى أن هيئة الأرصاد الإثيوبية أصدرت تحذيرات غير معتادة في نهاية سبتمبر، تشير إلى استمرار الأمطار وتعرض بعض المناطق لفيضانات، وهو ما حدث بالفعل، وهذه الظواهر المناخية تؤكد أن المنطقة باتت تواجه تحديات بيئية جديدة، تستدعي إعادة النظر في السياسات المائية بين دول حوض النيل.
وقال إبراهيم إن الخلافات السياسية بين مصر والسودان وإثيوبيا حول حقوق المياه التاريخية والاتفاقيات الاستعمارية القديمة لا تزال تعرقل التوصل إلى اتفاق شامل.
وأوضح أن مصر تتمسك بحقوقها التاريخية، بينما ترى إثيوبيا أن لها الحق في التنمية واستغلال مواردها الطبيعية، في حين يعاني السودان من اضطرابات داخلية تجعل موقفه غير واضح. وأشار إلى أن التغيرات المناخية الأخيرة، وما صاحبها من أضرار بيئية وزراعية، تؤكد أن الوقت قد حان لإعادة إحياء المفاوضات بين الدول الثلاث، بعيدًا عن التصعيد الإعلامي والسياسي، فإدارة الموارد المائية المشتركة لم تعد خيارًا، بل ضرورة وجودية تفرضها الطبيعة قبل السياسة.