راديو

كيف ساهم الذكاء الاصطناعي في زيادة العنف ضد النساء؟

قبل عدة سنوات أعلن مصرف "براديسكو" في البرازيل، أن "بيا" المساعدة الافتراضية ذات الصوت الأنثوي التي طورها المصرف، تتلقى يوميًّا سيلًا من الإهانات الجنسية والتهديدات العنيفة من العملاء.
Sputnik
عبارات من قبيل: "سأغتصبك"، "أريدك عارية" وُجِّهت إلى روبوت دردشة، فقط لأن صوته أنثوي.
في عام 2020 تلقت "بيا" نحو 95 ألف رسالة يمكن تصنيفها كتحرُّش جنسي.
"بيا" واحدة من أمثلة عديدة على تعرُّض روبوتات الدردشة ذات الأصوات الأنثوية، بما فيها "سيري" و"أليكسا" التابعتان لآبل وأمازون، إلى عنف لفظي يُعدّ امتدادًا مباشرًا للعنف الاجتماعي المنتشر في الفضاء الرقمي.
ومع انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة، لم يتراجع هذا الواقع، بل على العكس، تشير دراسات وتحقيقات عديدة إلى أن هذه الطفرة التقنية عمَّقت العنف الرقمي ضد النساء بدل الحدّ منه.

من الناحية النفسية، أكدت طبيبة الأمراض النفسية، الدكتورة إيمان البطران، أن ظاهرة التحرُّش والعنف الموجَّه نحو المساعدين الافتراضيين ليست مجرد سلوك عابر، بل تعكس مجموعة من الاضطرابات النفسية والاجتماعية العميقة التي يعاني منها بعض الأفراد.

وقالت البطران إن أبرز الدوافع وراء هذه السلوكيات تتمثل في الشعور بالوحدة والعزلة وفقدان المعنى والقيمة في الحياة، إضافة إلى رغبة البعض في فرض السيطرة في بيئة لا تواجههم بعقاب أو رفض.
وأوضحت البطران أن بعض الأشخاص قد يعانون من عجز جنسي أو عاطفي في حياتهم الواقعية، فيلجؤون إلى المساعد الافتراضي باعتباره مساحة آمنة لا تحكمها معايير المجتمع.
وأضافت أن غياب الرقيب والعقاب يشجِّع هؤلاء على ممارسة سلوكيات خاطئة، مشيرة إلى أن بعض الحالات ترتبط باضطرابات قَهْرية أو بمحاولات لتفريغ شحنات انفعالية مكبوتة.
وأكدت البطران أن ضعف الثقة بالنفس والشخصية الهشة من العوامل التي تدفع الأفراد إلى البحث عن متنفس في العالم الافتراضي، حيث يجدون فرصة لإظهار عدوانيتهم دون مواجهة رفض أو مساءلة.
وحذَّرت البطران من أن هذه السلوكيات تؤدي إلى اضطرابات نفسية خطيرة مثل القلق والاكتئاب والتوتر المستمر، كما تنعكس سلبًا على العلاقات الاجتماعية وبيئة العمل، وتساهم في نشر العنف والجريمة داخل المجتمع.
وشدَّدت على أن الظاهرة تتغذى أيضًا من التربية الخاطئة، تأثير الأقران، والمحتوى الإعلامي العنيف، مؤكِّدة أن هذه العوامل مجتمعة تخلق بيئة خصبة لتطبيع السلوكيات العدوانية.
وفيما يتعلق بالحلول، أوضحت البطران أن العلاج النفسي ضروري للأفراد الذين يدركون خطورة سلوكهم ويرغبون في التغيير، بينما يجب أن يخضع من لا يعترف بالمشكلة إلى المساءلة القانونية.
كما دعت إلى إطلاق حملات توعية مجتمعية في المدارس، دور العبادة، والمراكز الثقافية، إلى جانب تعزيز دور الأسرة في الحوار مع الأبناء وتوفير بدائل ثقافية ودينية وإبداعية تمنعهم من الانجراف نحو هذه السلوكيات.
وأكدت البطران في حديثها أن المجتمع قد يعيش بموارد مادية محدودة، لكنه لا يستطيع الاستمرار دون منظومة أخلاقية راسخة، مشيرة إلى أن الأخلاقيات هي الركيزة الأساسية لبناء المجتمعات السليمة والأجيال القادمة.
أما من الناحية القانونية، أكد المحامي صبري الخواص أن الجرائم الإلكترونية المرتبطة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي باتت تمثل تهديدًا مباشرًا للمجتمع، مشدِّدًا على أن الأمر لم يعد يحتمل التأجيل، وأنه يتطلب تشريعات صارمة وقابلة للتنفيذ الفوري.
وأوضح الخواص أن انتشار الابتزاز الرقمي، والاحتيال عبر المحتوى المزيَّف، وانتهاكات الخصوصية، كلها جرائم تؤثر بشكل كبير على الأفراد، خاصة النساء والفتيات اللواتي يتعرضن لضغوط نفسية واجتماعية تحول دون الإبلاغ عن هذه الانتهاكات.
وأشار إلى أن مواجهة هذه الظاهرة تستلزم عدة خطوات أساسية منها: سنّ قوانين حديثة تواكب التطور التكنولوجي وتشدِّد العقوبات على مرتكبي الجرائم الرقمية، إنشاء وحدات متخصصة داخل الشرطة والنيابة لمتابعة الشكاوى المتعلقة بالابتزاز والنصب الإلكتروني، مع ضمان سرية البلاغات لحماية الضحايا، تعاون دولي فعال بين الدول لتتبع المجرمين الذين يستغلون الطبيعة العابرة للحدود للجرائم الرقمية، دور الشركات التكنولوجية في تطوير أدوات لرصد المحتوى المزيَّف وتوفير آليات تبليغ سريعة داخل المنصات بالإضافة إلى حملات توعية مجتمعية عبر الإعلام التقليدي والرقمي لتعريف المواطنين بطرق الحماية من الاحتيال والابتزاز.
وأضاف الخواص أن بعض الدول، مثل الإمارات، سبقت في إصدار قوانين متقدمة لمكافحة الجرائم الإلكترونية، تضمَّنت تشديد العقوبات على نشر المحتوى المزيَّف والاحتيال الرقمي، وهو ما يمثل نموذجًا يمكن الاستفادة منه في المنطقة.
وأكد الخواص أن الحل يكمن في منظومة متكاملة تجمع بين التشريع، التنفيذ، التعاون الدولي، ودور الشركات والمجتمع، لضمان حماية الأفراد والحفاظ على الخصوصية والأمن الرقمي.
مناقشة