طاه سوري ينقل المطبخ الحلبي إلى غزة ليزرع الأمل من بين الأنقاض
11:38 GMT, 16 ديسمبر 2025
أجود جرادات
مراسل وكالة "سبوتنيك" في فلسطين
تحاول غزة الخروج من بين أنقاض الحرب التي دمرت كل شيء، ومن وسط الدمار الذي يلف القطاع، تنتشر رائحة التوابل الحلبية من مطعم الشيف السوري وريف قاسم، ذلك المطعم الذي تعرض للدمار جراء القصف الإسرائيلي خلال الحرب، لكنه عاد مجددا للعمل بجهود وريف وأصدقائه، وبرائحة طعام جاءت من حلب، تحمل من التراث ألمًا امتزج بالأمل المنبعث من بين الأنقاض.
Sputnikالشيف وريف يزرع الأمل في غزة بأطباق حلبية
ولجأ الشيف وريف قاسم، إلى قطاع غزة قبل أكثر من 12 عاما، قادما من حي الخالدية بمدينة حلب، بعدما عرض عليه صاحب مطعم في غزة تقديم أطباقه إلى سكان القطاع وتحقيق حلمه بدمج المطبخ السوري والفلسطيني معًا، ونقل وريف إلى غزة خبرته الغنية بأكلات وأصناف طعام جديدة، ودمج بين المطبخ الحلبي والمطبخ الغزّي بطريقة لم يألفها سكان غزة من قبل.
وقال وريف قاسم لوكالة "سبوتنيك": "لقد كنت أحلم بإنشاء مطعم سوري فلسطيني في غزة، وولدت الفكرة من كوني شيفًا متخصصًا في الطعام السوري وخاصة الحلبي، وقد عملت في عدة دول من قبل مثل تركيا ومصر، وحتى بعدما قدمت إلى غزة، عملت في البداية في بعض المطاعم والفنادق، لكن فكرة عمل مطعم سوري في غزة، ودمج المطبخ الحلبي والمطبخ الغزّي على وجه التحديد، كانت إحدى طموحاتي التي سعيت لتنفيذها، ولقد لاقت إقبالًا من المواطنين في غزة، فالشعب الفلسطيني شعب ذواق ويولي التفاصيل اهتماما، لذلك كانت المسؤولية كبيرة في تقديم أطباق تحقق رضا الناس، وقد نجحت في ذلك".
ودمج الشيف وريف بين المطبخ الحلبي والغزّي في أطباقه من خلال مزج النكهات، ونجح في تكييف الأطباق الحلبية باستخدام المكونات المحلية المتاحة في غزة، ويُبرز وريف في مطعمه تنوعًا واسعًا في الأكلات، تتراوح بين المشاوي والشاورما، وصولًا إلى الأصناف العديدة للكبة كـ"السماقية" و"السفرجلية" و"الصاجية" والكباب "الأورفلي"، كما أدخل أطباقًا تجمع بين الحلو والمالح، مثل لحمة بالكرز الحلبية المعروفة، إلى جانب العديد من المقبلات بطرق جديدة، ونجح في إعداد أصناف مبتكرة من الحلويات، دمج فيها بين المكونات الموجودة في القطاع وبين المكونات المستخدمة في المطبخ الحلبي التقليدي.
وأضاف الشيف وريف: "قبل الحرب كانت الحياة في غزة أفضل، ورغم صعوبات الحصار وانقطاع الكهرباء المستمر، إلا أن الحياة هنا كانت تسير بشكل جيد، كانت المطاعم والبحر هما متنفسي سكان القطاع، وقد قمت بنقل خبرتي في الطعام والحلويات إلى هنا، وأُعجب الأهالي بها".
وقال الشاب بكري السبع، أحد زبائن المطعم لـ"سبوتنيك": "استطاع الشيف وريف الدمج بين الأكل السوري والفلسطيني بطريقة رائعة، سواء في وجبات الطعام أو الحلويات، وقدّم لنا نكهة جديدة، خاصة بعد توقف الحرب وعودة مطعمه للعمل، هناك أمل ينبعث من المكان، لقد ساعدنا الشيف وريف خلال الحرب وقام بطهي الطعام للنازحين، طعامه لذيذ ويبعث الأمل في نفوسنا".
وأشار الشيف وريف إلى تشابه أجواء قطاع غزة مع الأجواء التي عاشها في سوريا قبل الحرب، وساعدته العادات المشتركة بين أهل غزة وسوريا، على الاندماج وكوّن أسرة داخل مجتمع رحب به وتقبله، إلا أن الحرب الإسرائيلية على القطاع، بعد السابع من أكتوبر 2023، غيّرت الوضع كثيرا، حيث واجه التحديات التي عاشها سكان غزة، ووجد نفسه نازحا مرة أخرى داخل القطاع.
وقال الشيف وريف لـ"سبوتنيك": "المعاناة الحقيقية بدأت بعد الحرب، لقد دُمر المطعم جراء القصف ونزحنا إلى أكثر من مكان داخل القطاع، وكنت أقوم بعمل الطعام على الحطب بسبب نقص الوقود، ولكن مع كل ظروف الحرب القاسية، أقول إن الأمل موجود دائما، كما كنت أردد في سوريا، واليوم أقول إن غزة تحمل فيها أملا بالحياة، لذلك رممنا المطعم من جديد، وأحاول نشر الأمل والبسمة على وجوه الأطفال، والنتيجة سنراها مع مرور الأيام، وستنهض غزة من جديد، وإن شاء الله تعود أفضل مما كانت".
يرفض المغادرة ... ويزرع البقاء في غزة
ورغم توفر الفرصة للشيف وريف لمغادرة القطاع أكثر من مرة خلال الحرب، إلا أنه رفض ذلك وأصرّ على البقاء، ليكون مثلا ونموذجا للأمل في غزة، ويشير صديقه أحمد الخضري، الذي يعمل معه منذ سنوات، إلى أن وريف يشعر بانتماء لقطاع غزة وسكانه وتجمعهم المودة، لذلك يصر على البقاء.
ويقول الشيف أحمد الخضري لـ "سبوتنيك":" الشيف وريف مجتهد وحامل لفكرة إيجابية يريد نشرها، خرج من سوريا حاملا الأمل معه، ونقل إلى غزة نمط طعام جديد، ويزرع الأمل في القطاع ويتمسك بالبقاء فيه ويرفض المغادرة، وكنا خلال الحرب نسأله: لماذا لا تغادر القطاع والفرصة متاحة ؟ ، وكان يجيب: هذه البلد عشت فيها بخير، ورزقني ربي فيها، ولن أتركها، وقد رافقت الشيف وريف على مدار سنوات وواجهنا تحديات وصعوبات الحرب المريرة، وبالرغم من ذلك نؤكد أنَّ قطاع غزة يحتاجنا ويحتاج صمودنا ونريد إعادة ما هدمته الحرب، ونرى غزة كما كانت".
وبحسب وريف قاسم، الذي يعتبر الناطق الرسمي باسم اللاجئين السوريين في غزة، فإن 26 عائلة سورية الأصل لجأت إلى قطاع غزة، ولم يتبق منها سوى عدد قليل، ومنذ لجوئه إلى غزة، يعتبر وريف أشهر وأنجح اللاجئين السوريين في القطاع.
وبالرغم من التعامل الودي الذي يلقاه الشيف وريف في غزة منذ قدومه قبل أكثر من 12 عاما، وصموده بعد توقف الحرب لزرع الأمل في نفوس الصغار والكبار، يبقى الحنين إلى سوريا وإلى حلب لا يفارقه، كما هو حال أي لاجئ، ويحلم بالعودة إلى بلده يوما ما، ولكن ليس قبل أن يزهر الأمل وتتفتح الحياة في قطاع غزة من جديد.