حيث تداخلت النزاعات السياسية مع فقدان الأمان والاستقرار، بدا المشهد واحدا، خسارات متراكمة وأزمات متواصلة، هذه الأحداث لم تترك مجالا لالتقاط الأنفاس، بل جعلت المعاناة النفسية واقعا جماعيا يعيشه الملايين بصمت.
في هذا السياق، قال أستاذ علم النفس الدكتور وليد هندي: إن "الإنسان المعاصر بات يعيش تحت ضغط نفسي غير مسبوق نتيجة تدفق الأخبار السلبية بشكل مستمر عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي. وأوضح أن هذا الواقع أدى إلى ظهور ما يُعرف بـ"متلازمة دوم أسكريلونج"، وهي حالة من الإدمان على متابعة الأخبار السيئة، بعدما كانت منصات التواصل في الماضي مساحة للبهجة والموسيقى والأنشطة الإيجابية".
وأضاف هندي أن هذا السلوك الجديد ساهم في انتشار مشاعر الكآبة والخوف من المستقبل والوساوس الذاتية، إلى جانب تراجع العلاقات الإنسانية المباشرة، إذ حلت العزلة الرقمية محل اللقاءات الاجتماعية، مما عمق الشعور بالوحدة. وأشار إلى أن الدراسات الحديثة أثبتت أن الصدمات النفسية لا تتوقف عند حدود الحزن، بل تزيد من احتمالات الإصابة بأمراض القلب واضطرابات جسدية مرتبطة بالضغط النفسي، فيما تعرف بالاضطرابات النفسية-الجسدية.
وأكد أن الفرق بين الخبر العابر والاستنزاف النفسي يكمن في قدرة الإنسان على التعامل مع المعلومة كجزء من حياته اليومية دون أن تتحول إلى عبء يستنزف طاقته ويؤثر على صحته النفسية والجسدية. وشدد على أن الحل لا يكمن في الشعارات أو العبارات التحفيزية، بل في ممارسة سلوكيات واقعية تساعد على التكيف، مثل خلق "مساحة نفسية" خاصة لإعادة شحن الطاقة، والتمسك بالعلاقات الإنسانية الداعمة، والبحث عن مصادر صغيرة للبهجة كالموسيقى أو الهوايات البسيطة.
كما قال أستاذ علم الاجتماع الدكتور طه أبو حسين إن الضغوط النفسية التي يعيشها الإنسان المعاصر لم تعد مجرد انعكاس فردي، بل هي نتاج مباشر للبنية الاجتماعية والبيئة المحيطة. وأوضح أن النفس البشرية ليست جهازا منفصلا، بل كيان متكامل يتأثر بما يحيط به من مؤثرات، وأن العنف، الحروب، التلوثات السمعية والبصرية، وكثرة الأخبار السلبية، كلها عوامل تترك آثارا عميقة على الفرد والمجتمع.
وأضاف أبو حسين أن خطورة هذه المؤثرات تكمن في امتدادها إلى كافة أجهزة الجسم، حيث تؤثر على الدورة الدموية والجهاز الهضمي والقلب، وقد تؤدي إلى ارتفاع معدلات الكوليسترول واضطرابات جسدية مرتبطة بالحالة النفسية. وأشار إلى أن المجتمعات التي تكثر فيها الممنوعات والقيود غير المبررة تعيش حالة من "المداهمات المستمرة" على النفس البشرية، وهو ما يخلق شعورا بالاختناق الاجتماعي ويزيد من احتمالات الانحراف أو التدمير الذاتي.
وأكد أن الإنسان، باعتباره محور الكون، يحتاج إلى بيئة اجتماعية صحية تتيح له مساحة من الحرية والراحة، وتقلل من الضغوط غير المبررة. وشدد على أن التوتر في حد ذاته قد يكون إيجابيا إذا ارتبط بمواقف محددة مثل الاستعداد للامتحان أو اللحاق بمواعيد مهمة، لكنه يصبح خطيرا إذا تحول إلى حالة دائمة تعيق التفكير والإنتاج.