وبهيمنة المليشيات والجماعات المتطرفة في بقاع مختلفة من الأراضي الليبية باتت الجرائم والانتهاكات وأعمال الفوضى ترتكب تباعا، وكان آخرها ما تعرض له مختطفون أقباط مصريون على يد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذي وجد له بيئة خصبة على الأراضي الليبية ليرتع فيها شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، ليمحو بذلك الأمال العريضة التي رسمها الليبيون يوم إسقاط نظام العقيد القذافي
فقبل أربع سنوات، اندلعت ثورة 17 فبراير/ شباط، في أعقاب مطالبات تقدم بها 213 شخصية ممثلة لمجموعة الفصائل السياسية والتنظيمات والهيئات الحقوقية الليبية بتنحي معمر القذافي في 14 فبراير/ شباط 2011، مؤكدين حق الشعب الليبي في التعبير عن رأيه بمظاهرات سلمية دون أي مضايقات أو تهديدات من قبل النظام.
وفي يوم 15 فبراير/ شباط، شبت شرارة التظاهرات في بنغازي لإسقاط النظام على خلفية اعتقال محامي أسر شهداء "مذبحة بوسليم"، فتحي تربل، واحتجازه بمديرية أمن بنغازي، وحدثت صدامات بين قوى الأمن والمتظاهرين في بنغازي والبيضاء، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى، وتواصلت الصدامات الدامية يوم 16 فبراير/ شباط، وأطلق الأمن الرصاص الحي على المحتجين في مدن بنغازي والبيضاء ودرنة وأجدابيا.
وفي ظل الضغوطات الدولية على نظام القذافي من خلال فرض العديد من العقوبات الدولية ومنها محاكمته أمام الجنائية الدولية، أعقب ذلك تشكيل مجلس انتقالي وطني برئاسة مصطفى عبدالجليل. وقد اعترفت به فرنسا في 10 مارس/ أذار، وطالبت بشن غارات جوية محدودة على قوات القذافي. وفي يوم 12 مارس/ آذار طالب وزراء الخارجية العرب المجتمعون في القاهرة مجلس الأمن بفرض حظر جوي على ليبيا لمنع القذافي من قصف المدن والثوار بالطائرات، فيما شنت قوات القذافي هجوما لاستعادة السيطرة على مصراتة في الغرب.
وفي 17 مارس 2011، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار (1973) بفرض حظر جوي على ليبيا، وإباحة استخدام القوة لحماية المدنيين من هجمات القوات التابعة للقذافي، وامتنعت خمس دول عن التصويت علي القرار؛ هي روسيا والصين وألمانيا والهند والبرازيل.
وأعلنت فرنسا قيامها بهجوم جوي على ليبيا خلال ساعات قليلة، بينما عارضت تركيا أي تدخل عسكري، ودعت إلى وقف إطلاق نار فوري بهذا البلد. وفي حين استبعدت روسيا المشاركة في العمل العسكري، قلل سيف الإسلام نجل العقيد معمر القذافي من قرار الحظر الجوي، وقال إنه "لن يخيف النظام".
ومن جانبها، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أن سفنا حربية وغواصات أمريكية وبريطانية أطلقت 110 صواريخ "توما هوك" على أهداف ليبية ضمن المرحلة الأولى من عملية "فجر الأوديسا" التي استهدفت إرغام القذافي على احترام حظر الطيران الذي فرضته الأمم المتحدة
وأعلنت فرنسا أن طائراتها شنت هجمات تمكنت خلالها من تدمير عدد من الدبابات والمركبات المدرعة في موقع تابع للكتائب الموالية للعقيد معمر القذافي.
وأعلن حلف "الناتو" رسميا تسلمه القيادة الحصرية للعمليات الجوية الدولية في ليبيا يوم 31 مارس/ أذار 2011، ثم أقر الاتحاد الأوروبي مهمة عسكرية لمساعدة أعمال الإغاثة الإنسانية في ليبيا، يمكن لها التدخل حصرا بطلب من الأمم المتحدة، وفي 6 أبريل/ نيسان 2011، ناشد معمر القذافي الرئيس الأميركي باراك أوباما وقف العمليات العسكرية لحلف "الناتو" في ليبيا.
وفى 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2011، قتل العقيد معمر القذافي ونجله المعتصم في مدينة سرت، وهرب سيف الإسلام من مدينة بني وليد. وفي 23 أكتوبر، أعلن "المجلس الوطني الانتقالي" الليبي السابق من مدينة بنغازي تحرير كامل التراب الليبي من قبضة نظام القذافي.
غير أن تطورات الأحداث في ليبيا سارت، على مدى السنوات الأربع الماضية، على نحو افتقر إلى أي دلالات على بروز مسار سياسي جامع يحشد وراءه الفصائل المتناحرة والقبائل الليبية المتفرقة، ما أنعش فرص الفوضى والجماعات الإرهابية وجرائمها الساعية إلى السيطرة على النفوذ والثروة في البلاد.
وفي خضم تلك الأحداث المتقلبة على الأراضي الليبية، ظهر جليا استهداف الأقباط والأجانب على الأراضي الليبية، وكانت البداية بقتل سبعة مواطنين مصريين أقباط برصاصات في الرأس على أيدى مليشيا مسلحة، ثم أعقبها عمليات استهداف واضح للمواطنين الأجانب، وعلى رأسهم المصريون.
تعاني دولة ليبيا مشكلات عدة وتحديات جمة تتمثل في التدخل الخارجي في شؤون البلاد، وتقويض قدرة الجيش الليبي على تأدية مهامه الرامية إلى تطهير ليييا من الإرهاب والحفاظ على استقرار البلاد، ما أدى إلى تفشي الفوضى وانتشار مخاوف دول الجوار من العنف المتطاير عبر الأراضي الليبية، في ظل صمت المجتمع الدولي على الصراع العسكري المسلح بالبلاد، فيما لم تحرك الأمم المتحدة ساكنا من أجل إيقاف نزيف الدماء في ليبيا ومواجهة مخاطر الجماعات الإرهابية الآخذة في الصعود والانتشار.