عامر راشد
ما هو الجديد الذي قدمته القمة العربية في شرم الشيخ؟ وهل التركيز على الأزمة اليمنية ودعم التدخل العسكري فيها، وتشكيل قوة عربية مشتركة، تحول في مسار القمم العربية يعطيها دور اتخاذ قرارات غاية في الأهمية، مثل شن حرب تحت عنوان الدفاع عن الأمن العربي، أو منع التدخل الخارجي في بلد عربي معين، بناء على تحديد أولويات العمل العربي المشترك ووضع معالجات لها؟
معظم وسائل الإعلام العربية حاولت أن تقديم وتسويق أعمال القمة ونتائجها كاستثناء غير مسبوق في القمم العربية، بعدم ظهور خلافات تذكر بين المشاركين في الملفات التي وضعت على جدول الأعمال، والاتفاق التام على دعم التدخل العسكري الخليجي في اليمن، وإبداء كل أشكال التضامن مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي الأخرى، والمصادقة على اقتراح تشكيل قوة عربية مشتركة، شبهتها وسائل إعلام خليجية بأنها ستكون أقرب إلى حلف (الناتو)، في مهامها وأساليب عملها.
فضلاً عن تسليط الضوء على اللقاءات التي جرت بين القادة العرب على هامش القمة، واعتبار ذلك مؤشراً على تنقية الأجواء بين البلدان العربية، وفتح صفحة جديدة بين الحكومات، في نجاح للوساطات التي بذلتها المملكة العربية السعودية، واقتناع الجميع بضرورة تهميش كل الخلافات الجانبية، والتفرغ لقضايا كبرى تمثل تحدياً للأمن العربي، لاسيما المملكة السعودية ودول الخليج، وفقاً لتقدير ينطلق من أن ما آلت إليه الأوضاع في اليمن تهدد استقرار هذه الدول، ويعزز النفوذ الإقليمي الإيراني.
بعيداً عن الجدل في القضايا المذكورة، لو سلمنا بأن التوافق على دعم التدخل العسكري الخليجي في اليمن سابقة من نوعها في القمم العربية، لأنه يختلف جذرياً عن التدخل العربي في لبنان، لوقف الحرب الأهلية عام 1976، فالقوات العربية دخلت لبنان بقرار من القمة (حينذاك) كقوات ردع محايدة، بينما التدخل في اليمن ضد الحوثيين ومؤيدي الرئيس السابق على عبد الله صالح.
ولو سلمنا أيضاً بأن قرار تشكيل قوة عربية مشتركة تطور مهم جداً في آليات العمل العربي المشترك، وبداية لإنشاء قوة تدخل عربي وتطوير التنسيق العسكري، والانتقال بـ"اتفاقية الدفاع المشترك" إلى حيز القدرة على التنفيذ خلال فترة قصيرة، وتوسيع مهام جامعة الدول العربية.. الخ
يضاف إلى ما سبق عدم التقليل من أهمية اللقاءات الثنائية التي جرت بين القادة العرب على هامش القمة، ومن بينها لقاء الرئيس المصري وأمير قطر، والأجواء الهادئة التي سادت التحضير للقمة، وأعمالها والاتفاق على البيان الختامي لها بسلاسة.
غير أن القمة لم تبحث عملياً سوى بالملف اليمني، ضمن سياق أن المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، باستثناء سلطنة عُمان، وبالتحالف مع دول عربي أخرى، استبقت القمة بالمباشرة في التدخل العسكري، بحملات جوية مركزة، وبالتالي لم يكن امام القمة سوى أحد خيارين: تأييد التدخل العسكري أو رفضه وإدانته، ورجحت كفتة الخيار الأول، رغم أن العديد من الدول العربية امتنعت في بيناتها الخاصة قبل القمة عن تقديم دعم صريح العسكري في اليمن.
وفيما يخص تشكيل قوة عربية مشتركة سيمر هذا القرار بمراحل طويلة، وقد لا يرى النور في المدى المنظور أو المتوسط، وفي حال تم العمل به وتنفيذه من غير المحسوم أن تحديد المهام التي ستناط بها، ووضع آليات عمل لها، سيكون بسلاسة، وحتى لو تم تذليل هاتين العقبتين يظل الانتقال إلى السياق العملي معضلة بحد ذاتها، وهي الأصعب استناداً إلى تجربة القمم العربية والتعاطي مع قراراتها.
كما أن التوافق على الملف اليمني، حسب البيان الصادر عن القمة، لا يمكن اعتباره مؤشراً وحيداً كافياً للدلالة على نجاح قمة شرم الشيخ، فهناك العديد من القضايا تم المرور عليها دون معالجات، وتم الاكتفاء بإعادة تكرار قوالب تضامنية بالنسبة للقضية الفلسطينية، وصيغ عامة ومستهلكة إعلامياً إزاء العراق وسورية والسودان، والدعوة لحل الأزمة الليبية بوسائل دبلوماسية عبر الحوار، وعدم التطرق لهذه القضايا بعمق أزاح من أمام القمة ملفات خلافية كبرى وشائكة، لكن ذلك يسجل في غير صالح القمة، فالهروب من الملفات الشائكة ليس نجاحاً، بل دليل اثبات على أن المؤتمرات العربية ما زالت دون مستوى الطموح بتناول كل قضايا وملفات أولويات العمل العربي المشترك ومعالجتها.
وهو عمل بالغ الضرر لأن القضية الفلسطينية تحتاج إلى جهود وليس بيانات تضامنية، وكذلك الأزمات في العراق وسورية وليبيا والسودان ولبنان، وعدم إعطائها حقها من البحث والمعالجة الموضوعية والعملية في قمة شرم الشيخ ستدفع ثمنه شعوب تلك البلدان غالياً.