عقب التوقيع على اتفاق الإطار بين إيران ومجموعة (5+1)، في لوزان السويسرية، بدأت تطفو على السطح وجهات نظر إسرائيلية تخالف ادعاءات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، التي زعم فيها أن الاتفاق أسوأ مما كان متوقعاً، ويمنح إيران فرصة التحول إلى دولة نووية، الأمر الذي يمثل تحدياً بالنسبة لإسرائيل يهدد مستقلها، دون أن يقدِّم نتنياهو ما يثبت مزاعمه المخالفة لكل تقديرات وتقييمات الدول الست الكبرى والمجتمع الدولي، ولا تبدو مقنعة للإسرائيليين أنفسهم.
لقد وظَّف نتنياهو الملف النووي الإيراني في الدعاية الانتخابية له ولحزبه في انتخابات الكنيست الأخيرة، واستطاع أن ينتزع المركز الأول بإثارة هلع قطاع كبير داخل الجمهور الإسرائيلي من احتمال امتلاك إيران لسلاح نووي، وموضوعات أمنية أخرى جرى تضخيمها وتهويلها، كي يقدِّم نتنياهو نفسه كمنقذ وحيد قادر على التصدي لها ومواجهتها، و"الحفاظ على أمن واستقرار إسرائيل".
وحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بعد الاعلان عن اتفاق الإطار إعادة تسويق مزاعمه، من خلال تقديم قراءة خاصة للاتفاق، غير أن عدداً كبيراً من الخبراء والمحللين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين قدموا قراءات بالاتجاه المعاكس، وتستند إلى تحليل علمي وموضوعي يفنِّد ما يدعيه نتنياهو، وتخلص وجهات نظر أولئك المحللين إلى أن الاتفاق في محتواه العام جيد، بل ويخدم إسرائيل، أو على الأقل ليس سيئاً، وحتى الخبراء الذين انتقدوه لم يجدوا بداً من الاعتراف بأنه يشتمل على نقاط جيدة.
وعبَّر بعض المحللين الإسرائيليين عن استغرابهم من مدى ابتعاد الخطاب الإعلامي لنتنياهو، الذي كان يحرض فيه ضد مسار المباحثات بين طهران ومجموعة (5+1)، عن الموضوعية وعدم تحري الدقة في المعلومات والمعطيات من موقع تحمل المسؤولية، بدليل ابتعادها عما جاء في نص التفاهمات المدرجة في اتفاق الإطار.
في الرد على زعم نتنياهو بأن "الاتفاق جاء أسوأ مما كان يُعتقد" يرى المحلل السياسي باراك رفيد، صحيفة (هآرتس) 3/4/2015، أنه "على عكس خطاب نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي، والخط العلني لحكومة إسرائيل في العامين الأخيرين وردة الفعل التلقائية لتل أبيب أمس، فإن الاتفاق ليس سيئاً على الإطلاق. وعندما نتعمق في التفاصيل نرى في الاتفاق نقاطاً إيجابية كثيرة، تخدم مصلحة إسرائيل الأمنية، وتقدم رداً على قلق تل أبيب..".
ويعلل رفيد ما ذهب إليه بالقول: "يفرض اتفاق الإطار قيوداً كثيرة على برنامج إيران النووي على امتداد جيل. أما ادعاء حكومة إسرائيل أن إيران ستحظى طيلة عقد من الزمن بالتطبيع الكامل لبرنامجها النووي في نظر العالم، وتستطيع خلاله أن تفعل ما تشاء، فقد اتضح أنه كلام فارغ..".
محللون من أصحاب التوجهات اليمينية لا يستطيعون المصادقة على ادعاءات نتنياهو أو التغطية عليها، لأن ذلك يخرجهم من نطاق المهنية. المعلق العسكري رون بن يشاي واحد من هؤلاء، وكتب تحليلاً في صحيفة (يديعوت أحرانوت) بتاريخ 3/4/2015، أقر فيه بأن "الاتفاقيات —التفاهمات- التي تم التوصل إليها تفصيلية بصورة تثير الدهشة، إذ لم يكن منتظراً التوصل إلى تفاهمات جذرية إلى هذا الحد، إلى أن أُطلعنا عليها..".
ورغم أن بن يشاي يدعو إلى الانتظار حتى الثلاثين من حزيران (يونيو) القادم، بحيث تكون قد اتضحت معالم الاتفاق بشكل نهائي، يؤكد مسبقاً بأنه "كان من الصعب تحقيق هذه النتيجة الجيدة حتى لو هاجمت إسرائيل والولايات المتحدة ودول أخرى عسكرياً منشآت إيران النووية، إذ حتى لو نجح الهجوم العسكري، فإنه كان سيؤخر البرنامج العسكري لأقل من 10 أعوام..".
ويردف: "الرقابة التي نجحت الدول العظمى في فرضها على إيران بشأن موضوع التخصيب مثيرة الإعجاب، وستطبق لمدة لا تقل عن عقد من الزمن. قد تحدث عمليات صعود وهبوط، لكن حتى إسرائيل ستضطر إلى الاعتراف بأن هذه الصفقة أفضل مما توقعت.."
بيّْد أن نتنياهو مازال مصراً على شن حملة ضد اتفاق الإطار، لأنه إذا اعترف بأن الاتفاق تمت صياغته بعناية لإبعاد إيران عن "العتبة النووية" سيفقد سلاح التخويف والتهويل، الذي كسب فيه انتخابات الكنيست، ويريد الإبقاء عليه لتمرير سياسة الائتلاف الحكومي اليميني المتطرف، الذي سيشكله إذا فشلت فكرة تأليف حكومة ائتلافية موسعة. وهذه واحدة من معضلات السياسات الإسرائيلية.