عامر راشد
توقف ما يسمى بـ(عاصفة الحزم) بعث الروح مرة ثانية في تقديرات تراهن على إمكانية وضع الأزمة اليمنية على سكة البحث عن حل سياسي، عبر جهود يبذلها المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، وضخ دماء جديدة في تلك الجهود بتعيين الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد خلفاً لجمال بن عمر، الذي أشرف لمدة أربع سنوات على العملية الانتقالية، وفقاً لـ"المبادرة الخليجية"، التي تعثرت في مراحلها الأخيرة، وانفجر في أعقاب ذلك صراع مسلح، تبعه تدخل عسكري خليجي.
ويتحمل الحوثيون وأنصار الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، مسؤولية خاصة في الالتزام بوقف إطلاق النار، وتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، والقرارات السابقة التي أصدرها المجلس بخصوص اليمن، ومساعدة المبعوث الدولي الجديد على أداء مهامه. كما تتحمل دول الخليج العربي وإيران مسؤولية خاصة أيضاً في العمل بمقتضى القرار 2216، وعودة الأمن والاستقرار لليمن ودعم الحوار بين الأطراف المتصارعة، كوسيلة وحيدة لتحقيق هذين الهدفين.
مسؤولية الحوثيين وأنصار الرئيس السابق تتمثل في إثبات أنهم يريدون تسوية سياسية، تقوم على شراكة وطنية بين الجميع، بالاستناد إلى "المبادرة الخليجية" وآلياتها التنفيذية التي أقرها مجلس الأمن الدولي كوثيقة من وثائقه، وتطبيق مخرجات الحوار الوطني، ووقف القتال وسحب قواتهم من المناطق التي سيطروا عليها بقوة السلاح، بما فيها العاصمة صنعاء، وفقاً للقرار 2216.
وهي مسؤولية وضعت تحت البند السابع للوفاء بها بسقف عشرة أيام من صدور القرار، إلا أن المعارك مازالت مستمرة على الأرض، ولم يستثمر إعلان انتهاء (عاصفة الحزم) بمقابلته من جانب الحوثيين بخطوة إيجابية، رغم أن الرئيس السابق علي عبد الله صالح رحب بانتهاء العملية، ودعا كل الأطراف إلى وقف اطلاق النار والعودة إلى طاولة الحوار. ويضع عدم الالتزام بالقرار الدولي اليمن أمام مخاطر استغلال استمرار الحرب لخلق مبررات لتدخل خارجي، من غير المستبعد أن يكون أوسع نطاقاً من عمل عسكري خليجي مدعوم من مصر والأردن في شكل محدود.
استعراض العضلات في خليج عدن بين البحرية الأميركية ونظيرتها الإيرانية، نهاية الأسبوع الماضي، مؤشر قوي على أن الصراع في اليمن موضوع على صفيح ساخن، إقليمياً ودولياً، وأن التأخر في وقف الحرب والعودة إلى المسار السياسي ينطوي على مخاطر كبيرة بخروج الصراع عن نطاق السيطرة، وتحوله إلى أزمة إقليمية واسعة تتورط فيها قوى إقليمية ودولية كبرى.
وتعمدت الولايات المتحدة الأميركية إرسال رسالة، من خلال تحركات قطعها البحرية في خليج عدن، مفادها أنها معنية بمواجهة أي تحركات بحرية إيرانية في المنطقة، وتتمة الرسالة لم تعترض الولايات المتحدة على استمرار الضربات الجوية السعودية رغم الإعلان عن انتهاء عملية (عاصفة الحزم) والبدء بعملية (إعادة الأمل)، بهدف استئناف العملية السياسية بناء على القرار الدولي 2216، و"المبادرة الخليجية" وآلياتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني اليمني.
وتملي حساسية الموقف ودقته أن تكف جميع الأطراف عن التصرف تحت تأثير وهم امتلاك قوة فائضة عن الحاجة، لاسيما الأطراف اليمنية والإقليمية، لأنه لا يوجد طرف بإمكانه أن يعفي نفسه من دفع أثمان كبيرة جراء الحرب، فاليمنيون بمختلف مشاربهم السياسية إذا خسروا فرصة وقف الحرب، والتوجه نحو الحوار، سيوقِعْون بأنفسهم المزيد من الخسائر البشرية والمادية.
ومن مصلحة دول الخليج العربي أن لا يتطور الصراع في اليمن بما قد يؤدي إلى تورطها بدرجة كبيرة، تستنزف قدراتها المادية والعسكرية، وينتج عنها زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وتوتير العلاقات بين دولها، لفترة طويلة.
إيران بدورها ليست خارج معادلة الخسارة المترتبة على الصراع في اليمن، في حال لم تمارس كل نفوذها على حلفائها الحوثيين لضبط النفس، والتعامل بإيجابية من قبلهم مع القرار الدولي 2216، الذي انتهت عملياً المهلة التي نص عليها لتنفيذه، دون قيد أو شرط، والمراهنة فقط على الحوار بروح إيجابية، وليس مواصلة الحرب بدعم خارجي، في كل الأحوال لم يعد متاحاً كما كان في الماضي.
وعموماً؛ عدم وقف الحرب والعودة إلى الحوار سيرتد سلباً على كل الأطراف، الداخلية والإقليمية، والطور الذي وصلت إليه الأزمة يجعل من اليمن غير قادر على تحمل تبعات خسارة فرصة سانحة للسلام، يوفرها تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي وباقي القرارات والمبادرات السابقة ومخرجات الحوار.