المشترك في نتائج الجهود التي يبذلها المبعوثون الدوليون إلى البلدان العربية، التي تعاني من الأزمات، أنها تصل إلى طريق مسدودة، بما يشكل فشلاً للأمم المتحدة والمجتمع الدولي، واحباطاً شخصياً للمبعوثين الذين يُختارون عادة استناداً إلى قدراتهم وخبراتهم ومعرفتهم بواقع الأزمات، التي يرشحون لتولي مهمة إيجاد حلول لها، بتوصية من الأمين العام للأمم المتحدة.
في الأزمة السورية بذل الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي أنان، جهوداً مضنية لحل الأزمة السورية، قبل أن تشتد الأزمة وتتعمق وتتشعب، واستطاع أن يضع مبادرة مثَّلت أرضية للبيان الختامي الذي صدر عن مؤتمر "جنيف1"، حزيران (يونيو) 2012، إلا أن البيان أصبح جزءاً من المشكلة بسبب إخضاعه لتفسيرات متناقضة، ولم يستطع الأخضر الإبراهيمي، على مدار أكثر من عامين، وقف التدهور والخروج بتفسير موحد للبيان، فكان أن فشل مؤتمر "جنيف2"، واضطر الإبراهيمي في نهاية المطاف للاستقالة من مهمته، وعبَّر عنان والابراهيمي عن خيبة أملهما من جمود وتناقض مواقف المجتمع الدولي، والانعكاسات السلبية لذلك على الأزمة.
المبعوث الثلث إلى سورية، دي مستورا، يدور في حلقة مفرغة منذ خلافته للأخضر الإبراهيمي، حيث حاول التوصل إلى هدنة مؤقتة في حلب لكن الهدنة لم تتحقق، وباءت بالفشل تحركاته لإعادة إطلاق العملية السياسية، وهو نفسه قلَّل من احتمالات خروج مباحثات "جنيف3" بنتائج مشجعة، وهذا منطقي لأنها غير مباشرة، ولا تقف على أرضية أوراق عمل أو تصورات أو مقترحات محددة.
فالخلاف على تفسير بيان "جنيف1" مازال شاسعاً، وأطراف الصراع ترفض حتى الآن وقف اطلاق النار، بما يحصر الغاية من وراء "جنيف3" في إجراء عملية جس نبض، بينما تشتد المعارك على الأرض لتغيير ميزان القوى العسكري للضغط على ميزان التسوية السياسية، في لعبة تتحكم بها المراهنات على تقلب المواقف الدولية من الأزمة وفرص الحصول على دعم عسكري ولوجستي خارجي.
المبعوث الدولي السابق إلى اليمن، جمال بن عمر، ظل ما يقارب خمس سنوات منغمساً في متوالية من الحوارات، نتج عنها سلسلة من التفاهمات والإعلانات والاتفاقيات بدأت تتساقط الواحدة تلو الأخرى، منذ أيلول (سبتمبر) العام الماضي، كمتوالية لعبة أحجار الدومينو، إلى أن دخلت البلاد في حالة حرب وتقويض المؤسسات السيادية للدولة، مما اضطر بن عمر للاستقالة، وسبق ذلك مطالبات يمنية وإقليمية باستقالته، وتحميله مسؤولية تدهور الأوضاع. لكن مستوى التعقيد الذي بلغته الأزمة اليمنية يجعل من مغادرة بن عمر، وتعيين إسماعيل ولد الشيخ أحمد خليفة له، مجرد محطة ضبابية، فرص الاخفاق فيها أكبر من فرص النجاح إذا استمر جمود وتناقض المواقف الدولية والإقليمية نجاه التسوية السياسية، واصرار الأطراف الخارجية والإقليمية على الحل بوسائل عسكرية.
ويبدو من خلال التصريحات المتشائمة لمبعوث الأمين العام إلى ليبيا، برناردينو ليون، أنه على وشك مواجهة المصير ذاته الذي لحق بالمبعوث إلى اليمن بن عمر، فبعد إشاعة الأمل بقرب توصل ممثلي "مجلس النواب" المنتخب و"المؤتمر الوطني العام" وباقي الاحزاب والمكونات الأخرى إلى اتفاق، لحل الأزمة الليبية، عاد الإحباط سيد الموقف، برفض الأطراف المتصارعة لثلاث مسودات اقترحها ليون، والمسودة الرابعة مرشحة كسابقاتها لهجمة من الاعتراضات عليها، والتلويح بعقوبات من الأمم المتحدة لن يخفف من تعنت تلك الأطراف، لأن التجارب الماضية أثبتت أنها لم تكن فاعلة في الحالة الليبية، وكذلك في الحالة اليمنية، جراء عدم الالتزام بتطبيقها ومتابعتها كما يجب، أو عدم كفايتها.
إن أسباب الفشل، في جميع الحالات المذكورة، ترجع بالأساس إلى افتقار المجتمع الدولي لإرادة موحدة في التعاطي مع الأزمات التي تعصف ببعض البلدان العربية، ومثلت الانقسامات البينية العربية والإقليمية عاملاً سلبياً على هذا الصعيد، فأي قرارات تصدر عن الأمم المتحدة تحتاج إلى إجماع دولي على تطبيقها، وتعاون عربي وإقليمي لا يمكن دونه أن تنجح الجهود المنظمة الدولية وتترجم قراراتها.
كما أن تحميل المبعوثين الدوليين كامل المسؤولية فيه الكثير من المبالغة غير المقبولة موضوعياً، رغم أن المبعوث بحكم مهمته يتحمل مسؤولية خاصة، واستبدال مبعوث بمبعوث آخر لن يغير شيئاً بالضرورة، إلا إذا تغير الأداء الدولي والاقليمي والعربي إزاء الأزمات في سورية واليمن وليبيا، كي لا يتكرر انسحاب الممثلين الدوليين من مهامهم، وانهيار المبادرات وتجاهل قرارات مجلس الأمن، وانتقال الأزمات إلى طور أكثر سوءاً.