طفح الكيل باليهود "الفالاشا" في إسرائيل جراء الممارسات العنصرية والتمييز بحقهم على خلفية أصولهم العرقية ولون بشرتهم، فخرجوا إلى الشوارع في مظاهرات حاشدة. وكانت الشرارة نشر شريط مصور، يوم الأحد الفائت، يظهر فيه شرطيان إسرائيليان يعتديان على شاب أثيوبي يرتدي الزي العسكري، من دون أي مبرّر…".
يافطات كتبت عليها "لم أختر أن أولد أسود لكن هذا حق"، و"منذ متى اللون جريمة؟" و"كفى لعنف الشرطة". شعارات رأت فيها صحيفة هآرتس الإسرائيلية أنها تختصر الواقع المأساوي الذي يعيشه اليهود "الفالاشا" في إسرائيل، وهو ما لم يستطع إنكاره رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي التقى الجندي الذي تعرض للضرب، في محاولة لتخفيف مشاعر الغضب لدى اليهود الأثيوبيين، ووفقاً لبيان رسمي صادر عن ديوان رئيس الوزراء، قال نتنياهو مخاطباً الجندي المعتدى عليه: "يتعين على الحكومة إصلاح المجتمع الإسرائيلي وإصلاح تصرفات الشرطة…" وجاء في البيان أيضاً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي "أشار إلى أن التظاهرتين اللتين نظمهما اليهود الأثيوبيون في القدس وتل أبيب ضد عنف الشرطة وعنصريتها تؤكدان أنه توجد هنا مشكلة عميقة ويجب حلها."
الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، فضَّل أن يطلق توصيفات أثقل وقعاً على الإسرائيليين، بتأكيده في لقاء له مع عدد من رؤساء السلطات المحلية "الحريديم" على خطورة الأبعاد التي كشفتها المظاهرات بالقول: "إن تظاهرتي اليهود الأثيوبيين في القدس وتل أبيب كشفتا النقاب عن وجود جرح نازف ومفتوح، في قلب المجتمع الإسرائيلي، لجمهور يطلق صرخته بسبب شعوره بالتمييز والعنصرية وعدم الاستجابة لمطالبه".
وأضاف ريفلين، حسب صحيفة "يسرائيل هيوم" بتاريخ 5/5/2015، "يتعين على السياسيين أن ينظروا إلى هذا الجرح، ويقروا بأخطائهم وبحقيقة عدم إصغائهم إلى أبناء الطائفة الأثيوبية…" ودعا إلى "الشروع في مسيرة إصلاح العيوب وإعادة الثقة لدى اليهود الأثيوبيين بأجهزة تطبيق القانون".
عبارات أطلقها، من قبل، مسؤولون إسرائيليون في مستويات قيادية عليا، لكنها بقيت حبراً على ورق، وتكشف المظاهرات الأخيرة، وتحولها إلى صدامات عنيفة مع الشرطة، أن اليهود "الفالاشا" فقدوا الأمل بحصول تغيير في نظرة المجتمع الإسرائيلي إليهم، وتعامل الشرطة وأجهزة وإدارات الدولة معهم، وكل ما في الأمر بالنسبة لتصريحات نتنياهو وريفلين أنهما باتا يدركان استحالة التغطية على ممارسات الشرطة ضد اليهود الأثيوبيين، ومعاملتهم في الدوائر الرسمية كمواطنين من الدرجة الرابعة، رغم ما صدر من قرارات وتوصيات لصياغة وتنفيذ سياسات جديدة حيالهم، آخرها في عام 2013، أقرتها الحكومة وشاركت في إعدادها 12 وزارة، بالإضافة إلى جمعيات وناشطين وأكاديميين من اليهود الأثيوبيين، لكنها لم تطبق في أي مجال من المجالات، سواء على صعيد التوظيف أو التعليم أو الرعاية الصحية… الخ، ومازالت الحكومة الإسرائيلية تماطل في تطبيقها.
صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية رأت في افتتاحيتها، بتاريخ 3/5/2015، أن الطريق إلى تطبيق هذه التوصيات مازال طويلاً، والتظاهرات الأخيرة طرحت على جدول أعمال حكومة نتنياهو الجديدة مسألة التمييز حيال اليهود "الفالاشا"، وضرورة معالجته، بيد أن الحكومة حتى لو عملت بجدية على إجراء المعالجة ضمن الإطار الرسمي، ستبقى الظاهرة متغلغلة داخل مكونات المجتمع الإسرائيلي، وبنيته السياسية والحزبية والاقتصادية، القائمة على التمييز ومتوالية من الاضطهاد المركب.
في أعلى هرم السلسلة، يتربع اليهود من أصول أوروبية (الأشكناز)، يليهم اليهود من أصول إسبانية وبرتغالية وبلقانية (السفارديم)، ومن ثم اليهود من أصول عربية وشرق أوسطية (المزراحيين)، وفي أدنى السلسلة اليهود الأثيوبيين (الفالاشا)، والسلسلة بكل حلقاتها تمارس اضطهاداً مركباً على الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية. ولا يمكن فصل قضية التمييز والعنصرية الواقعة على اليهود الأثيوبيين عن أشكال التمييز والعنصرية الواقعة على الفلسطينيين، وتمس بأشكال أخرى ودرجات مختلفة (المزراحيين) و(السفارديم).
وعليه، إن تخلص اليهود (الفالاشا) من قيود التمييز والعنصرية يتطلب إعادة النظر بالبنية السياسية والحزبية والاقتصادية الإسرائيلية ككل، وهذا غير ممكن إلا عندما لا يعود المُضطهَدين أداة بيد المضطهِدين، في متوالية من الاضطهاد المركب، وهو ما يفرض على اليهود الأثيوبيين أن يعيدوا النظر بموقعهم في المتوالية، برفض اضطهاد الفلسطينيين. وحتى ينضج مثل هكذا وعي، ستبقى الحلول لقضايا (الفالاشا) غائبة، وينطبق ذلك على باقي المكونات.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)