بدء الهدنة الإنسانية في اليمن، وتأكيد المملكة السعودية أنها قابلة للتجديد، يمنح كل أطراف النزاع في اليمن، فرصة لإعادة تقييم المواقف، وكذلك القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في الملف اليمني، إزاء الصراع العسكري بين الحوثيين وأنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح من جهة، وخصومهم من مؤيدي الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي والقوى التي تتوافق معهم في الجهة المقابلة، كما تشكل محطة لفحص إمكانية العودة إلى مسار المعالجات السياسية، وفقاً للمبادرات والاتفاقات والقرارات الدولية ذات الصلة، ناهيك عن مخرجات الحوار الوطني، الذي تم برعاية الأمم المتحدة.
الواقع الميداني في الساعات الأخيرة، التي سبقت الدخول في الهدنة، لم يكن مشجعاً على إشاعة جو من التفاؤل بإمكانية أن يتعامل الجميع معها بمسؤولية، حيث لوحظ تكثيف الهجمات العسكرية من قبل الأطراف اليمنية وقوات التحالف بقيادة المملكة السعودية، وارتفاع منسوب التراشق السياسي بين إيران ودول الخليج العربية والولايات المتحدة، على خلفية إرسال طهران سفينة مساعدات إلى اليمن دون الالتزام بتفتيشها، في تجاهل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216.
لكن الهدوء الذي ساد على جبهات القتال بعد سريان موعد الهدنة خفف من حالة التشاؤم نوعاً ما، وإذا ما استمر الهدوء يمكن القول أن المعنيين بالأزمة اجتازوا الامتحان التمهيدي في اختبار الإرادات، بما يسمح بتمديد الهدنة، حتى يلتقط المدنيون اليمنيون أنفاسهم، وتوفير ظروف مواتية للمبعوث الدولي الجديد إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، كي يباشر مهمته لإحلال السلام والاستقرار في البلاد، من خلال تسوية سياسية يتوافق عليها اليمنيون.
إلا أن الاختبار الحقيقي للإرادات سيفرض على الجهتين المتحاربتين في اليمن مراجعات جذرية وشاملة، لابدَّ من أن يتمخض عنها تقديم تنازلات متبادلة، للوصول إلى عقد اجتماعي ونظام سياسي جديد، عملت القوى السياسية والحزبية على وضع أسسه في مخرجات الحوار الوطني الشامل، بشراكة وطنية جامعة، وليس السعي على الاستفراد عبر استخدام السلاح.
مما يلقي على عاتق الحوثيين وأنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح ضرورة العودة خطوات إلى وراء، تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216. وبالمقابل؛ يجب على الرئيس هادي ومن يؤيدونه إعطاء ما يكفي من ضمانات تؤكد الالتزام بمخرجات الحوار الوطني كأرضية للتسوية السياسية.
كما سيفرض الاختبار الحقيقي على القوى الإقليمية المنخرطة في الأزمة اليمنية احترام سيادة واستقلال اليمن وإرادة شعبه، وحقه في تقرير مصيره بحرية، دون تدخل خارجي أو وصاية تحت عباءة مذهبية أو أي عباءة أخرى، وتتحمل إيران والمملكة العربية السعودية مسؤولية خاصة في هذا المضمار، لأنهما القوتان الإقليميتان الأكبر تأثيراً في الملف اليمني.
وتقتضي هذه المسؤولية عدم التعاطي مع اليمن كساحة لصراعات يخوضها الآخرون على أرضه، وهنا يجب التأكيد على أن وحدة الشعب اليمني ترتبط ارتباطاً وثيقاً بانتمائه العربي، الذي يوحد كل مكوناته القبلية والمذهبية.
وينظر إلى الطريقة التي ستعالج فيها قضية سفينة المساعدات الإيرانية إلى اليمن، كمقياس لنضج المواقف الإقليمية من الأزمة اليمنية، وحتى الآن تتزايد الخشية من أن تتحول هذه القضية إلى عامل تفجير لأزمة أشمل، بينما يمكن أن تحل المسألة بسهولة في حال أشرفت الأمم المتحدة على تنزيل حمولتها وإيصالها لأبناء الشعب اليمني.
إرادة المجتمع الدولي ستكون أيضاً موضع اختبار، في مدى قدرته على توحيد مواقفه وراء مطلب تسوية الأزمة اليمنية بوسائل دبلوماسية، وإدانة احتكام أي طرف يمني للسلاح، وضرورة تطبيق قرارات مجلس الأمن القاضية بانسحاب الحوثيين من المناطق التي سيطروا عليها، واحترام مؤسسات الدولة الدستورية، ورفض أي تدخل خارجي في الشأن اليمني، في سلة متكاملة.
ولذلك؛ إن الكيفية التي ستتعامل بها أطراف الأزمة اليمنية، إلى جانب القوى الإقليمية والدولية المؤثرة، مع الهدنة الإنسانية ستكون بمثابة بوصلة لتطورات الأزمة، باتجاه التبريد والبحث عن حلول دبلوماسية، أو التصعيد نحو حرب أهلية طاحنة بامتدادات إقليمية.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)