واحد من مواضيع الساعة في إسرائيل يتمثل في النقاش الدائر حول وضع أبناء الطائفة الدرزية في سورية، بعد الهجمات التي شنتها مجموعات من المعارضة المسلحة على مطار ثعلة في محافظة السويداء، بداية الشهر الجاري، وفرض مجموعات أخرى حصاراً كاملاً على بلدة حضر، في الجانب السوري بالقرب من هضبة الجولان السورية المحتلة، والمعروف أن محافظة السويداء ذات أغلبية درزية، وهناك بعض القرى في الجانب السوري من الجولان ذات أغلبية درزية أيضاً، ومنها بلدة حضر.
يزعم الخطاب الرسمي الإسرائيلي بأن إسرائيل معنية بمساعدة أبناء الطائفة الدرزية في سورية، وأن الحكومة بصدد تقييم الموقف، إلا أنه لم يصدر عنها حتى الآن أي موقف يؤكد نيتها التدخل، رغم وجود العديد من الأصوات في الساحة السياسية تطالب بذلك، بدعوى "الحفاظ على العلاقة التاريخية بين إسرائيل والدروز"، وهي مقولة تخالف وقائع التاريخ، في الماضي والحاضر، فالمواطنون الدروز السوريون في هضبة الجولان المحتلة متمسكون بهويتهم السورية، ورفضوا بل وقاموا بشراسة محاولات إسرائيل فرض الهوية الإسرائيلية عليهم.
كما يتمسك أبناء الطائفة الدرزية من الفلسطينيين في الجليل والمثلث، داخل الخط الأخضر، بانتمائهم العربي كهوية وطنية وثقافية وحضارية، وخلال العقود الماضية خاضوا مواجهات واسعة مع السلطات الإسرائيلية ضد مشاريع فصلهم عن باقي مكونات الشعب الفلسطيني، داخل الخط الأخضر وخارجه، وضد التجنيد في صفوف الجيش الإسرائيلي.
وإذا ما وضعنا جانباً كل ما سبق، دون الانتقاص من أهميته، ثمة حقائق دامغة تؤكد أن إسرائيل لا يعنيها مصير الدروز في سورية، أو ما يواجهونه من جملة ما يواجهه السوريون جميعاً، لكن يمكن أن تتخذ إسرائيل من أوضاع الدروز ذريعة للعب في المعدة السورية، من خلال الدخول على خط الأزمة في شكل مباشر، إلا أن هذا الاحتمال يبقى محدوداً، وإن وقع لن يكون من أجل (حماية) أبناء الطائفة الدرزية، ونضع كلمة حماية بين قوسين.
وبافتراض أن إسرائيل تفكر، من خلال إعادة تقييم الموقف، بتدخل مباشر في الأزمة السورية، وهو افتراض جدلي، لن يكون من السهل أن تحسم أمرها، لأن ذلك سيؤدي إلى انزلاقها في أتون الصراع المحتدم، كما أن ورقة التوت التي ستحاول أن تخفي خلفها نوايا ستسقط سريعاً، والمقصود هنا التذرع بحماية المكوّن الدرزي في سورية.
بمراجعة طيف المواقف السياسية الإسرائيلية، إزاء هذه القضية، نجد أن الطيف الغالب ضد التدخل المباشر في سورية، غير أن الحكومات الإسرائيلية عودتنا على امتداد عقود من الزمن أنها تستسهل الدخول في مغامرات عسكرية، الكثير منها انقلبت ضدها، لاسيما المغامرات التي خاضتها بعد عام 1973، حيث لم تحقق تلك المغامرات العسكرية الأهداف السياسية التي حددت لها.
وربما تنجرف حكومة نتنياهو إلى التدخل ظناً منها أن الحالة السورية قد وصلت إلى إعياء تام، جراء ما يقارب خمسة أعوام من الحرب، وبالتالي لن يكون التدخل الإسرائيلي مكلفاً، بل وسيحقق مكاسب كبيرة لإسرائيل، عبر فرض وقائع جيوسياسية بالقوة، تكفل لها ضم الجولان السوري المحتل نهائياً، وتشكيل منطقة عازلة وعميقة في الجانب السوري من حدود الجولان السوري المحتل، بيد أن الركيزة الأساسية التي ترتكز عليها مثل هكذا مغامرة مرتبطة بقوة بـ(ورقة توت) التذرع بحماية أبناء الطائفة الدرزية في سورية، وسقوط هذه الورقة سيجعل ظهر حكومة نتنياهو مكشوفاً في حال أقدمت فعلاً على مغامرة التدخل المباشر في الشأن السوري.
سقوط الورقة يشكِّل هاجساً للعديد من الكتاب والمحللين الإسرائيليين، الذين يعتبرون أن سقوطها أمر مفروغ منه، ومن بين هؤلاء إيال زيسر، باحث إسرائيلي في معهد دايان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا، إذ كتب زيسر مقالة في صحيفة "إسرائيل اليوم"، بتاريخ 21/6/2015 — ترجمة مؤسسة الدراسات الفلسطينية، أورد فيها جملة من الأسباب ضد التدخل في الأزمة السورية، أهمها:
يجب أن يتذكر الإسرائيليون تورطهم في لبنان في سبعينيات القرن الماضي، بذريعة مساعدة المسيحيين اللبنانيين "بيد أن إسرائيل اكتشفت أن المسيحيين الموارنة لم يكن في نيتهم البتة أن يعقدوا معها حلفاً حميماً، وهذا ما شرحه زعماؤهم في ما بعد، إذ اعتبروا أنفسهم جزءاً من العالم العربي الذي يعيشون فيه، ونهاية القصة معروفة.."
وفي مواجهة الأزمة السورية، "أي تدخل سواء كان موضعياً أو جزئياً سوف يجر إسرائيل إلى وجود عسكري دائم ولن يكون مرحباً بإسرائيل "لأن الدروز السوريين أو مجموعات المتمردين السنة حتى المعتدلون منهم، يعتبرون أنفسهم جزءاً من المحيط العربي والسوري"، وفقاً لما يقوله الباحث الإسرائيلي.
النقطة الثالثة، والتي لا تقل أهمية عن النقطتين السابقتين، الدروز في سورية غير معنيين بتاتاً بمساعدة إسرائيل، ويؤكدون أنهم يواصلون اعتبار أنفسهم جزءاً من الدولة السورية. ومن هنا، فإن أي تدخل إسرائيلي يجب أن يتم بأعين مفتوحة، ومن دون أوهام أو توقعات غير واقعية..".
والنقاط الثلاثة في جوهرها صحيحة، بغض النظر عن الصياغة التي استخدمها الباحث الإسرائيلي إيال زيسر، وتكفي أن تجعل حكومة نتنياهو تفكر مليون مرة قبل الاختباء وراء (ورقة توت) الدفاع عن الدروز للتدخل في سورية.