يحسب للممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، إنصافها للإسلام والمسلمين، لاسيما الأوروبيين منهم، في الكلمة التي ألقتها أمام مؤتمر "الإسلام وأوروبا"، الذي عقد في العاصمة البلجيكية بروكسل، يوم أمس الأربعاء، وشارك فيه نخبة من شخصيات سياسية وبرلمانية وأكاديمية وثقافية وممثلين عن منظمات مجتمع مدني، بدعوة من مجموعة الاشتراكيين الديمقراطيين التابعة للبرلمان الأوروبي.
موغيريني أنصفت المسلمين الأوربيين في سبع نقاط، أو أفكار، اشتملت عليها كلمتها، التي اتسمت بعمقها وجزالتها وموضوعيتها، وتصلح النقاط أو الأفكار السبعة كأساس لتأصيل علاقة الإسلام مع أوروبا، حاضراً ومستقبلاً، وتأثير المسلمين الأوروبيين في الثقافة الأوروبية، وتفسير ظاهرة الإرهاب والتطرف، ربطاً بالعوائق والمصاعب الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني من الشباب المسلمون في أوروبا، ولم تنس موغيريني الإشارة في شكل مختصر إلى الحلول الممكنة واللازمة.
أقرَّت موغيريني في بداية كلمتها بأن "الإسلام أصبح يشكِّل أحد أبرز ملامح حاضر ومستقبل الأوروبيين"، وأضافت: "وهو بالتالي حقيقة واضحة يجب ألا نخاف من قولها أمام الملأ، رغم أن كثيرين لا يريدون سماعها"، فمن موقعها تعلم موغيريني الثقل الذي يمثله المسلمون الأوروبيون، حيث بلغ عددهم، وفقاً لإحصائيات عام 2014، أكثر من 44 مليون نسمة، أي ما يوازي نسبته أكثر من 6% من مجموع سكان أوروبا.
وهذا جانب من جوانب ملامح حاضر ومستقبل أوروبا، لكنه لا يعكس أهمية كتلة بشرية وازنة عددياً فقط، إذ تستدرك موغيريني بالقول: "التعددية هي مستقبل الاتحاد الأوروبي، والإسلام يعتبر أحد روافد الهوية الأوروبية.."، أي أن الثقل الذي يمثله المسلمون الأوروبيون داخل مجتمعاتهم هو ثقل ثقافي ومعرفي أيضاً، من شأنه أن يفرض في المستقبل تعددية ثقافية ودينية، تعطي للإسلام مكانته المستحقة كرافد من "روافد الهوية الأوروبية".
لكن مازالت عوائق كثيرة تعترض اندماج المسلمين الأوروبيين في مجتمعاتهم، تترافق مع حملات لتشويه العقيدة الإسلامية والإساءة للمسلمين، وأخطرها تلك التي تبث مشاعر "الإسلاموفوبيا" عبر طرق غير مباشرة، لفتت موغيريني إلى واحدة منها، من خلال دعوة وسائل الإعلام الأوروبية إلى عدم الانسياق وراء (الخبطات) الإعلامية والتهويل في تناول أخبار "التنظيمات الإرهابية"، "لأن ذلك من شأنه أن يعطيها ما لا تستحق من أهمية وتركيز"، والأهم من ذلك أنه يشوه صورة مجمل الإسلام والمسلمين، بتحويل المجموعات المتطرفة إلى صورة نمطية للإسلام والمسلمين.
وبرأي موغيريني، إن "هاجس البحث عن مكان لهم في النسيج الاجتماعي والثقافي والسياسي" هو ما يدفع بعض الشباب الأوروبيين المسلمين للالتحاق بتنظيم (داعش)، ومعالجة هذه الظاهرة، التي يجري تضخيمها كثيراً في وسائل الإعلام الأوروبية الغربية، تتطلب "خلق المزيد من فرص الشغل ومحاربة الإقصاء الاجتماعي من خلال برامج تربوية وتعليمية".
بشيء من الصراحة، نفتقدها عادة في تصريحات المسؤولين الأوروبيين، حمَّلت موغيريني المستويات القيادية العليا في البلدان الأوروبية مسؤولية حيال بروز ظاهرة التطرف لدى قطاع محدود من الشباب المسلمين في بلدان أوروبا الغربية، إذا أكدت الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي أن "ضعف الخطاب السياسي يمكن أن يكون هو الآخر مسؤولاً عن هذه النتائج السلبية". وهي دعوة صريحة للحكومات الأوروبية كي تتحمل مسؤولياتها إزاء المشاكل التي تحول دون اندماج المسلمين الأوروبيين في مجتمعاتهم، وعدم تمكينهم من حقوقهم على قدم المساواة مع باقي مكونات المجتمعات الأوروبية الغربية.
الفكرة السابقة لا تنظر إليها موغيريني من منظار أنها حق فقط، بل واجب لا غنى عنه، حتى تستطيع المجتمعات الأوروبية أن تحافظ على نسيجها. وتلخص الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي هذه الفكرة بالقول: "ضرورة التفكير في مستقبل شعوبنا بطريقة تشاركية تضع في الحسبان الطبيعة التعددية لمجتمعاتنا الأوروبية".
يذكر أن أطروحة فيديريكا موغيريني لنيل شهادة الدكتوراه كانت حول "الإسلام السياسي"، ولعل خلفيتها الأكاديمية هذه هي ما يدفعها للولوج في عمق العلاقة بين الإسلام وأوروبا، وأن تطرح رؤية ناضجة، تشخص الواقع وتؤشر إلى الحلول الواجبة وليس الممكنة فقط.